خير البلاد ومن أعز حصونها
لا كنت حين شممتها فسممتها
ولثمت فاها آخذا بقرونها
22
وفي سنة 758 ولي نيابة حماة أحمد الساقي، أقام مدة ثم توفي فكان مكانه كتبغا الحموي سنة 790، ثم عزل وخلفه أحمد المهمندار سنة 792، ثم توالت العمال على حماة - كما يأتي - ولا فائدة في تعداد أسمائهم وإنما القصد ذكر الحوادث التي مرت على حماة. فمن الولاة الذين كان لهم شأن بحماة على زمن دولة الجراكسة الأمير طرباي الشريفي، والأمير بلباك السيفي، والأمير جلبان وغيرهم.
في سنة 803 ولي على حماة رجل اسمه دقماق، وكان قد شاع خبر قدوم تيمور إلى البلاد السورية، وأنه قادم بثمانمائة ألف مقاتل، وأنه لا يمر بمدينة إلا خربها، وقد اجتاز بسيواس فحاصرت فحلف لأهلها أنه لا يضع فيهم السيف فلما اطمأنوا وفتحوا له أسوار البلد قبض عليهم وحفر لهم حفائر ودفنهم فيها أحياء - وكانوا ثلاثة آلاف مسلم - ثم حرقها وخربها، وخرب ملاطية وبلادا كثيرة. ثم قصد حلب وحاصرها فسيقت إليه عساكر البلاد الشامية والساحلية، وسارت عساكر حماة أيضا بقيادة دقماق فكان الحرب خارج سور حلب، وحينما هجمت عساكر تيمور فرت عساكر البلاد الشامية ولم يقف أمامها أحد فكان القتل عند أبواب السور، وخنق الناس بعضهم لشدة الازدحام في أبواب المدينة فمات منهم ألوف، ودخل تيمور حلب وصعد إلى القلعة بلا حرب فقتل وسبى ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ونهب واعتقل رجالا كثيرين، وفعل أفعالا تقشعر منها الجلود، وقبض على أميرها ثم فر منه إلى حماة. فلما رأى الحمويون ذلك سار أعيانها إلى تيمور بمفاتيح البلد طالبين منه الأمان فأمنهم، ثم سار ونزل في شماليها وأمر بهدم قلعتها فهدمت، ومن ذلك الحين بقيت خرابا ليس فيها إلا بعض بيوت وجدران قائمة وآثار وسجن للحكومة ظل باقيا إلى القرن الحادي عشر.
ولم يأخذ تيمور من حماة شيئا ولم يقتل أحدا مراعاة لعهده الذي أعطاه لأعيان حماة في حلب، ثم سار إلى حمص ولم يفعل فيها شيئا إكراما لخالد بن الوليد - رضي الله عنه - غير أنه هدم قلعتها أيضا، ثم سار إلى دمشق فأهلك أهلها وتركها بحالة تبكي لها القلوب.
ومن ذلك الحين ازداد تناقص عمران حماة وانفصلت ملحقاتها عنها - وهي المعرة صارت تابعة لحلب، وسلمية خربها عربان البادية، وبعرين صارت خرابا وعادت شبه قرية - وما زالت حماة تخرج من حوزة وال وتدخل في حوزة آخر حتى ملك السلطان سليم الأول العثماني هذه البلاد سنة 922 دخلت حماة في جملة ما ملك، فكان يتولى عليها رجل يسمى متسلما يفعل ما يشاء، ولم يكن في ذلك الحين السلك البرقي ولا القطارات الحديدية فكانت الأخبار لا تصل إلى دار المملكة إلا بعد هلاك الرعية.
في نصف القرن التاسع امتلأت حماة وقراها بالتركمان، وكان الحاكم يأخذها مقاطعة يدفع لجهة الدولة شيئا معينا، وله أن يفعل ما يشاء على حسب إدارته العقلية فكان يعين من قبله أميرا للجند، ورجلا آخر يلقب «صوباشي» وظيفته تفقد شئون البلد وتثبيت الأمن والتفتيش على السارقين والأشقياء، ولكل منهما أعوان، وتحت يد الصوباشي رئيس العسس فكان هؤلاء يصنعون ما يحبون من سلب الأموال والظلم. خذ مثالا من ذلك أنه كان في سنة 970 إلى سنة 982 في حماة رجل اسمه «بريك بن سركين» كان ترجمانا للصوباشي ومعه رئيس العسس محمد بن يحيى المكنى أبا حمامة، وهذان الرجلان اتفقا على ضرر الناس.
من ذلك أنه غرق رجل من محلة باب المغار في العاصي وأخرج حيا ثم بعد ذلك توفي فقبض بريك على زوج أخته فلم ينج منه إلا باثني عشر سلطانيا، وفي ثاني يوم جاءه وطلب منه أن يدعي أن أناسا أوقعوا الرجل في النهر حتى غرق فلم يرض فضربه بالعصا حتى تورمت رجلاه وأخذ منه ستة وعشرين سلطانيا.
صفحة غير معروفة