مقدمة
تمهيد
زمن بني إسرائيل
حماة أيام اليونانيين
الرومانيون
حماة في زمن المسلمين
حماة القديمة
أفاضل حماة
الحركة العلمية
القبور المشهورة
بعض الفوائد
الخاتمة
مقدمة
تمهيد
زمن بني إسرائيل
حماة أيام اليونانيين
الرومانيون
حماة في زمن المسلمين
حماة القديمة
أفاضل حماة
الحركة العلمية
القبور المشهورة
بعض الفوائد
الخاتمة
تاريخ حماة
تاريخ حماة
تأليف
أحمد بن إبراهيم الصابوني
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم باسمك أبتدئ، ولك أحمد، وبك أستعين، مصليا ومسلما على نبيك المصطفى ورسولك المجتبى سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه المرسلين. وبعد، فأقول - وأنا الملتجئ إلى الله أحمد بن إبراهيم الصابوني الحموي - إنني قد تصفحت كثيرا من الكتب التاريخية، وبحثت عن الآثار الخطية فلم أعثر لمدينة حماة على كتاب يذكر حياتها التاريخية ويعرب عن ماضيها وحاضرها.
ومن يعلم أن مدينة حماة من المدن القديمة ذات التاريخ العالي، ومنبت الرجال الأفاضل والملوك الأعاظم أصحاب المكانة الرفيعة، يعجب من تقاعد رجالها الغابرين ذوي الفضل كيف لم يخدم أحد منهم بلدته بوريقات يرقم فيها ما يكون لمعاصريه ومن بعده سميرا ودليلا. ولقد أنهضني لهذه المهمة أحد أصدقائي الأفاضل، فقمت بها متتبعا الآثار، ومقتفيا صحيح الأخبار، متمثلا بقول المعري:
والمرء ما لم تفد نفعا إقامته
غيم حمى الشمس لم يمطر ولم يسر
آملا ممن قرأ في هذا التاريخ وعثر على نقص أو زيادة أو غلط أن يصلح بقلمه ما رأى؛ فإن الإنسان محل النسيان، سيما وقد مضت الألوف من السنين، وقدم العهد وأصبح البحث عن الماضين وأحوالهم عسرا. على أن تاريخنا هذا مهما قصر فلا يخلو من فوائد عظيمة لم يطلع عليها الكثيرون، هدانا الله إليها فحفظناها فدوناها وقدمناها خدمة للمواطنين.
طليعة
من المعلوم لدى العقلاء الباحثين أن فن التاريخ شريف جدا، يطلع الناظر فيه على أحوال الأمم الماضية فيقيس بينهم وبين الحاضرين بمقياس العقل، ويعلم أسباب الانحطاط والرقي وكيف كان سير سكان البلدان وعوائدهم وأخلاقهم ليقتدي بالجيد ويتباعد عن الرديء. على أن العلوم التي ظهرت في هذا العصر والاختراعات التي وجدت لم تكن إلا نتيجة الأبحاث التاريخية واكتشاف أحوال السالفين ومدنيتهم. كلما تباعد الإنسان عن هذا الفن جمد فكره وسمج طبعه. وأي جهل فوق جهل من لم يعلم أمته ومبدأها وسكان موطنه وأصلهم إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تحصى.
الأمة إذا عنيت بتاريخ أسلافها دعاها ذلك الاعتناء إلى الاقتداء بهم والسير على طريقتهم، وعرفت كيف عرفوا أن يحيوا حياة طيبة ويستثمروا أرضهم ويعمروا أوطانهم. إن من الضروري أن يكون لكل مدينة تاريخ على حدة ليعنى أهلها به وليكون ذكرى لهم ولمجد آبائهم الغابرين، اللهم إن كان المؤرخ منصفا ولم يجعل قلمه سنانا يطعن به نحور قوم انتصارا لآخرين، ولقد تجرد تاريخنا هذا عن الغاية واتبع خطة الإنصاف إن شاء الله.
تمهيد
من المعلوم أن أصل المدن القديمة أن تأتي شرذمة من الناس إلى مكان ذي ماء، فتأخذ من أعواد شجره فتعمل ما يشبه الأكواخ فيسكنونها لتقيهم الحر والبرد، ثم يأخذون من الماء جداول يسقون به ما ينبت من الخضر والفاكهة والقمح وبعض الحبوب ليقوم بأجسادهم وحياتهم، ثم إذا حسنت أحوالهم وتمشوا في سبيل الحضارة شوطا وسطا بدلوا تلك الأكواخ ببيوت من خشب أو حجارة يرصفونها على حسب معرفتهم البسيطة، ثم يجيء دور العمران بتبدل الأزمان فيعملون البيوت الواسعة والقصور المشيدة، ويتهافتون إلى مضاهاة مجاوريهم بزخارف البنيان وتنضيد الأثاث؛ فتكثر بذلك أسباب المدنية. وعلى هذا اختار سكان حماة الأقدمون لسكناهم هذا الوادي العميق المتسع للانتفاع بماء النهر بسهولة.
وقد كانت صرة العمران ومبدؤه من محلة باب الجسر شمال القلعة من الطريق المسمى طريق الحلوانية على كتف النهر مستديرا حول القلعة إلى محلة المدينة شبه الهلال، ثم محلة المدينة وورائها الجبل المسمى بالعريصة، ثم امتد العمران. ولم تكن القلعة عامرة، وإنما كانت شبه جبل أولها مبدأ محلة الباشورة من الشرق، ونهايتها باب الجسر من قبلي المحلة. ولم تكن الباشورة منفصلة عن القلعة كما هي الآن، وإنما فصلها عن بعضها تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فكان الطريق الفاصل بينها وبين جبلها الباشورة هو الطريق الكائن بجانب جامع النبي حام من جهة الشمال كما سنذكر.
سكان حماة الأقدمون
لم يصل بحث المؤرخين لما قبل الطوفان، وإنما غاية ما علموه أن نوحا عليه السلام تفرقت ذريته في فضاء الأرض، وأن سكان حماة الأقدمين من ذرية ابنه حام. قالوا: ولد لحام أربعة ذكور: الأول كوش، والثاني مصراييم، والثالث فوت، والرابع كنعان. أما كوش فقد انتشرت ذريته في سواحل الصعيد الأعلى وهم الحبشة والسودان. وأما مصراييم فهو أبو المصريين. وأما فوت فمساكن ذريته برقة وما والاها من بلاد الغرب كالبربر. وأما كنعان فقد كانت مساكن ذريته على سواحل الخليج الفارسي كالقطيف والبحرين. وقد كانت لهم في تلك الأنحاء مدينتان عظيمتان: اسم إحداهما صور، والأخرى أرواد، فلما رحلوا إلى سوريا - حينما كان بينهم وبين ملوك بابل حروب اضطرتهم إلى هجر منازلهم - سكنوا على السواحل، وسموا بدل تينك البلدتين بلدتين باسميهما: صور، وأرواد، ولكثرتهم تغلبوا على سكان سوريا الأقدمين وهم الأراميون أبناء سام بن نوح عليه السلام.
تفرقوا في أنحاء سوريا إلى أربع فرق: الأولى أقامت في بلاد فلسطين، والثانية أقامت على سواحل الشام فيما بين جبل لبنان والبحر وهم الفنيقيون، والثالثة أغارت على الديار المصرية فاستولت عليها ومنهم الملوك العمالقة، والرابعة تعمقت إلى جهة الشمال من الشام، وسكنت في وادي نهر «الأورونت»؛ أي العاصي، ومعناه النهر الشرقي، وهذه الفرقة هي أعظم فرق الكنعانيين بكثرة رجالها وقوتها، وكانوا يسمون «الحثيين»، وذلك قبل ميلاد المسيح عليه السلام بألفين وخمسمائة سنة. وقد أطلقت التوراة اسم «حمث» على جميع البلاد الشامية نسبة إلى القسم الأكثر منها وهو حماة وتوابعها في سالف الزمن؛ فقد كانت آخذة من داخل الحماد وتدمر شرقا حتى قلعة المضيق غربا وحلب شمالا والشام جنوبا. أما البلاد العظيمة في ذلك الحين على طول نهر الأورونت فهي قادس عاصمة مملكة الحثيين وحمص وحماة، ثم حدثت أفاميا وأنطاكية والسويدية، وكانت حماة تسمى أبيفانيا.
تغلب الحثيون على الكثير من سكان سوريا الآراميين، وقويت شوكة الحماتيين منهم فبنوا البنيان الضخم، وغرسوا الأرض وفلحوها وغنموا من ثمرها ورسخت قدمهم في البلاد، غير أن توتمس الأول أحد فراعنة مصر غزا سورية وبلغ بلاد الحثيين، وقامت بين الفريقين الحرب، وأخيرا أخضع السوريين عموما وبلغ الفراة، وذلك في القرن 18 قبل الميلاد. ثم هب الحماتيون مع بقية السوريين لمحاربة المصريين، فتلاقوا مع توتمس الثالث ملك مصر سنة 1700 قبل الميلاد فلم يفلحوا، ودانت لتوتمس سورية مع حماة فأخذ منها جزية عظيمة. ثم غزا توتمس هذه البلاد ثانية فأخذ من أهليها ذهبا كثيرا وعبيدا وبقرا وغيرها. ثم ولي مصر توتمس الرابع فغزا بلاد الحثيين وقتل كثيرا من رجالها وأخذ أيضا غنائم عظيمة.
وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد غزا رعمسيس الأول - أحد ملوك مصر - بلاد سوريا، فلم يصل إلى وادي العاصي إلا ولقي جيوشا جرارة بقيادة «سابالت» ملك الحثيين فخاف من حربهم، وعقد معهم معاهدة صلح على أن تكون كلتا الدولتين عونا للأخرى تجاه العدو. ودام الأمر على هذا العهد حتى ملك مصر «ساتي» ابن رعمسيس المذكور، وهذا جهز الجيوش المصرية وأتى بها إلى سورية فغزا العرب في طريقه وأضعف قوتهم، ثم دخل سورية فتلقاه ملوكها بعساكرهم، فكان النصر حليف المصريين، وقتل من السوريين خلق كثيرون، وتغلغل ساتي في البلاد حتى وصل إلى قلعة قادس
1
مركز الحثيين، وهنالك اشتعلت نار الحرب الضروس وطال أمد لهيبها فنصبت المنجنيقات، ثم افتتح المصريون قادس رغما، غير أن هذا الفتح لم يضعف قوة الحثيين عن الدفاع والمحافظة على بقية أوطانهم فكانت الحرب سجالا، وآخر الأمر عقد الفريقان معاهدة صلح على أن ترد للحثيين أملاكهم المغصوبة، وأن لا يظهر من «موتنار» ملك الحثيين عداء على المصريين. كل ذلك منقوش على هيكل الكرنك بمصر.
وفي أواخر القرن السادس عشر قبل الميلاد ملك مصر «رعمسيس» الثاني ابن ساتي، وتأهب لغزو الحثيين، فطفقوا يتأهبون لحربه، فلم يلبث أن جاء إلى بيروت ثم نزل في حصن الأكراد. وكان «موتنار» ملك الحثيين جمع لحربه عساكر حلب وكركميش
2
وحماة فجهز 2500 مركبة، وكان يحب الحيلة أكثر من الحرب، فأرسل إلى رعمسيس ملك مصر رجلين أعرابيين يقولان له إن موتنار قد هرب إلى حلب، وإن رؤساء العشائر قد خذلته، فاغتر رعمسيس بذلك وسار بجيوشه حتى بلغ طرة العاصي، فخرج له موتنار بكمين عظيم فشتت جيش المصريين. لكن رعمسيس أظهر بسالة مدهشة فاخترق جيش الحثيين ثماني عشرة مرة حتى جمع عسكره إليه، فاستمر القتل وحمي الوطيس، فدارت الدائرة على الحثيين فقتل منهم ألوف، وغرق في نهر العاصي خلق كثير وفي جملتهم ملك حلب، فاضطر ملك الحثيين أن يطلب الصلح متذللا، فأجابه ملك المصريين إليه ثم عاد إلى مصر ظافرا غانما.
ثم نشبت الحرب أيضا بين سكان القطرين فدامت 15 سنة، قتل في أثنائها ملك الحثيين وخلفه أخوه «كيتامار»، فعقد مع المصريين صلحا على أن تكون كلتا الدولتين عونا للأخرى على العدو وأن لا تغزو إحداهما الأخرى، وتزوج رعمسيس بابنة كيتامار تأكيدا للمودة، ودام السلم إلى زمن رعمسيس الثالث، فأثار عليه ملك الحثيين حربا جمع فيه عسكرا جرارا وقصد مصر، فانكسرت عساكره وأخذ هو أسيرا وبقي في الأسر مدة، وما زالت نيران الثورة تشب بين القطرين وتخمد حتى أطفئت من جهة القطر المصري، وأوقدت من جهة سكان بابل ونينوى وهاتيك الجهات.
في سنة 1130 قبل الميلاد كان المالك لجهات بابل «تجلت فلاصر»، فأحب أن يملك بلاد الحثيين فغزاها بعدد وعدد، وبعد عوده لبلاده حفر على تمثال في بابل هذه العبارة:
أنا تجلت فلاصر المحارب الشريف ذللت بلاد «سوبير» الفسيحة، وقد استحوذ أربعة آلاف رجل من فصائل الحثيين العصاة على مدينة سوبرتا فروعتهم مخافة سلاحي، فأذعنوا وذلت رقابهم لنيري فغنمت أموالهم، وأخذت مائة وعشرين من مركباتهم ووهبتها لرجال بلادي، وجيشت جنودي المظفرة وزحفت إلى بلاد آرام، وسرت حتى مدينة «كركميش» في بلاد الحثيين، فعبرت الفرات، ووضعت بهم ملحمة كبرى، وغنمت من عبيدهم وأموالهم ما لا يدركه عدد، وافتتحت بعض مدنهم ونهبتها وحرقتها، وسرت إلى جبل اللكام فنكلت بأهله ونهبت أموالهم فدانوا لي صاغرين.
انتهى.
ثم عاد إلى بلاده فتبعه خلق من جبل اللكام مؤثرين الموت على الحياة فعاد إليهم وشتت شملهم وخرب بعض بلادهم. وفي سنة 883 قبل الميلاد كان الملك على بلاد الآشوريين البابلين «أشورنسيربال»، فسار إلى البلاد السورية أيضا غازيا، وقد وجدت كتابة غزوته هذه على الصخر، وهذه هي: «وسرت بجيشي على جانبي العاصي أياما إلى أن بلغت لبنان.» فقد مر على حماة وحاربها لأنه ذكر في عبارة أخرى أنه أخضع أكثر ملوك سوريا وبلادها.
ثم كان بعده ابنه «سلمناصر»، وهذا هجم أيضا بعساكره على البلاد السورية حتى وادي العاصي، وكان أهله قد استعدوا لحربه فشتت شملهم، وقتل منهم 1600 رجل، وأسر 4000 أسير واستاقهم إلى نينوى، فتبعه سكان وادي العاصي بجيوش عديدة وقوة عظيمة، فأعاد الكرة عليهم وقتل منهم خلقا كثيرا. ولم يزل سائرا بجيوشه حتى بلغ حماة فخرج لحربه ملكها «أيدكولينا»، وانضمت إليه ملوك سوريا - وفي جملتهم ملك دمشق وأخاب ملك الإسرائيليين وتسعة ملوك أخر - فدارت رحى الحرب على السوريين وقتل منهم 14 ألفا، ثم تبع ملك نينوى أهل دمشق فقتل منهم 20 ألفا، وأراد قتل ملكهم فهرب إلى البحر ونزل فيه على السفن فنجا بنفسه.
ثم ملك بعد سلمناصر «نيرر» حفيده فجدد شن الغارة على السوريين، غير أن مدته لم تكن كمدة سابقيه ذات حروب هائلة. وفي سنة 745 قبل الميلاد تولى مملكة الآشوريين تجلت فلاصر الثاني، فجمع قواته وسار إلى سورية فضعضع أهلها، وجاء إلى حماة فاستسلمت له ولم يقاومه ملكها المسمى «أنبال»، فساق منها ألوفا إلى بلاده أسرى كما ساق ألوفا من غيرها، ثم عاد مرة ثانية فأذل الرقاب وهلك العباد وخرب البلاد، وقد أحصي ملوك سوريا الذين خضعوا له فكانوا 25 ملكا.
ثم ملك الآشوريين رجل يقال له سرعون، فكان بينه وبين الحثيين سكان وادي العاصي شحناء أدت إلى أن جاء إلى بلادهم فقتل منهم عالما لا تحصى، واستاق البقية أسرى فأسكنهم في بلاد نينوى مركز الآشوريين، وأسكن في وادي العاصي من قومه غيرهم وذلك سنة 717 قبل الميلاد، وبهذه المرة انقرضت مملكة الحثيين من وادي العاصي، كما انتشر بعدهم الآراميون سكان دمشق الأقدمون المنسوبون لسام؛ فلهذا يطلق التاريخ على السوريين عموما اسم الساميين؛ لأن سكان وادي العاصي وإن كانوا قديما من ذرية حام هم وسكان أرواد وصور وتلك الأماكن غير أنهم انقرضوا، ومن بقي منهم اندمج في الأكثرين وهم الدمشقيون وغيرهم ممن يسمون بالآراميين نسبة لآرام ابن سام.
صناعة الحثيين:
من أهم صنائع الحثيين صنعة العمارة، ونحت الحجر، وإتقان التحصين، وإخراج المعادن الحديدية، والزراعة وغرس الشجر، وصناعة الأحذية وغيرها.
زيهم:
كانوا يلبسون الثوب القصير، ويشدون وسطهم بشيء يضعون فيه الخنجر، ويفتحون للثوب شقين طويلين من الجانبين، ويلبسون على رءوسهم قبعة طويلة مستديرة على الرأس مخروطة من فوق يحزمونها بمناديل ملونة ونقوش غريبة، وتلبس النساء ثوبا طويلا يستر الكعبين يشددن عليه حبلا ويعقدنه من الوراء.
أسلحتهم:
فأس ذو حدين، ورمح، وقوس وعصا.
أشكالهم:
كان لون وجوههم أبيض أحمر، لا يحلقون لحاهم، ولكن يحلقون رءوسهم ويتركون في وسطها شعرا مستطيلا مثل سكان البادية الآن، ويجعلون في أذن رجالهم حلقة.
عاداتهم:
كانوا يحتفلون بالميت احتفالا مدهشا فيستأجرون له النائحات، ويدفنون أعز شيء عليه معه، ويضعون شيئا من الزيت في القبر، وينزلون مع المرأة حليها وثيابها الجميلة، وينحتون القبر حجرا كبيرا كالصندوق على مقدار حجم الميت، ويقفون حول القبر ثم يهيلون عليه التراب. وكان لهم في كل أسبوع مجتمع يبيعون فيه ويشترون يقدم إليه خلق كثيرون.
مساكنهم:
أعظم بلادهم مدينة قادس، وحمص، وحماة، وكركميش التي تسمى الآن إيرابوليس.
عبادتهم:
يقال إن الحماتيين كانوا يعبدون صنما يسمونه أسيما، وقيل كانت مدينة بعلبك هي محل العبادة لجميع السوريين، فقد كانوا يعبدون الصنم المشهور باسم بعل - ومعناه في لغتهم الإله - ويعتقدون أنه هو الإله، وهو في نظر عامتهم ذات الشمس أو المشتري، وما قلعة بعلبك إلا بيت للصنم القديم، فقد كانوا يقصدونه من جميع الجهات في مواسم معلومة، وينهمكون على أحوال وحشية من الرقص على نغم المزامير والطبول، ويجلدون أنفسهم بالسياط حتى يبرز الدم، وربما قطع البعض يد نفسه أو رجله، ويذبح الأب ولده تقربا للصنم، وتنذر المرأة إباحة نفسها مدة تقربا، ويمتنعون عن أكل السمك، ويحترمون الطيور إلى غير ذلك، وقد كان في مدينة حمص هيكل للصنم المذكور أيضا ولكن دون ذاك.
هوامش
زمن بني إسرائيل
في حدود سنة 1000 قبل الميلاد دخلت مدينة حماة تحت حوزة داود عليه السلام، وكانت تسمى في زمنه مملكة صوبة، وكانت من أكبر المدن؛ وذلك أن داود عليه السلام حارب ملك دمشق فانتصر عليه، وأخذ منه 1700 فارس و20 ألف راجل، وقطع أرجل خيل المركبات، فلما بلغ «توعي» ملك حماة الخبر أرسل لداود ابنه «يورام» فوقع على معاهدة صلح بينهما. ثم سار داود فملك حمص، وجاء إلى حماة ونزل فيها ضيفا ومالكا، ثم سار غازيا بلاد الجزيرة فامتلكها. وامتدت شوكة بني إسرائيل في ذلك الحين فكانت حماة تارة من أعمال الإسرائيليين وتارة مستقلة.
ثم لما ملك ياربعام - ثالث عشر ملوك الإسرائيليين - كانت حماة مستقلة فحاربها واستردها لحوزته، وهكذا كان شأنها حتى انقرضت دولة بني إسرائيل على يد بختنصر ملك بابل الذي جاء فخيم بجيوشه حول حماة، وأرسل وزيره بعساكره الجرارة فاستاقوا بني إسرائيل وتركوا منازلهم خاوية على عروشها.
حماة أيام اليونانيين
دخلت حماة مع سوريا في جملة ما استولى عليه الإسكندر من البلدان، وبقيت من سنة 332 قبل الميلاد إلى سنة 62 تتعاقب عليها عمال المملكة اليونانية، ولم تنج من الحروب الطائلة في تلك الأزمنة.
في حدود سنة 312 ملك البلاد السورية سلوقلس، فبنى مدينة أنطاكية واستقام بها، وسماها أنطاكية باسم أبيه أنطوكيوس، وبنى مدينة سلوقية - تسمى الآن «السويدية» - على ضفة نهر العاصي، وبنى أفاميا - وبدلها الآن قلعة المضيق - وسماها أفاميا باسم امرأته، وبنى باسم أمه لوزيقة مدينة اسمها الآن اللاذقية، وبنى قلعة حلب، وجاء إلى حماة فأمر بتسوية جبل القلعة على الاستدارة فسوي، وأمر ببنائها على صورة قلعة حلب.
ثم ما زال بعده الملوك يزيدون بها ويحسنون بناءها حتى أصبحت في الأزمنة الغابرة من أدهش القلاع، فقد بنيت على هيئة من الإتقان غريبة، ينظر الداخل إلى باب لها مشمخر تلوح عليه العظمة والأبهة، مبني بحجارة عظيمة على خمس جسور مرتفعة فوق الخندق، ثم يدخل إلى منعطفات الأبراج فيرى البلد من النوافذ المفتوحة للحراسة الواسعة من الداخل والضيقة من الخارج، ومن فوقها النوافذ الواسعة التي سدت بشبك من الحديد عظيم، وبعد قطع المدخل بنايات عظيمة من دار الحكومة ومحل الذخائر وبيوت السكن يحيط بها سور عظيم مرتفع. وفي مقابله جامع أبي الفداء جامع للقلعة ذي منارة شامخة، ومنه إلى الجهة القبلية بمسافة واسعة حمام كبيرة جدا. وفي طرفها الشرقي المطل على طريق باب الجسر بئر واسع فيه ماء عذب جدا يأتي من مكان خفي من نهر العاصي يقال إن ماءه لم يزل جاريا في باطنها حتى الآن. ولها طريق تحت الأرض يصل إلى العاصي من جهة الشمال مارا من تحت بستان الدوالك متصلا ببعض البيوت، وكانت مرصونة بالحجر الأملس من أسفل الخندق إلى حيطان السور لئلا يصعد إليها العدو. ولها خندق دائر حولها عميق جدا لا يكاد الواقف على السور أن يرى أسفله كان العاصي مرتفعا عنه، ولهذا الخندق طريق إلى الماء - من المكان المسمى الآن جسر الهوى في مدخل محلة باب الجسر - كانوا إذا أرادوا الحصار يفتحون منه ماء العاصي فيمتلئ من جميع جوانب الخندق فلا يقدر أحد أن يصل إلى القلعة.
وقد وصفها ابن جبير في رحلته حينما قدم حماة في دور سنة 570، فقال: وبإزاء ممر النهر بجوف المدينة قلعة حلبية الوضع، وإن كانت دونها في الحصانة والمنع. سرب لها من النهر ماء ينبع فيها، فهي لا تخاف الصدى، ولا تتهيب مرام العدى. انتهى. فقوله: «حلبية الوضع» يكفي لأن ننظر إلى قلعة حلب فنعرف حقيقة قلعة حماة، غير أن قلعة حلب أمنع من قلعة حماة بالنسبة لأهمية مركزها. وقال ياقوت: وفي طرف المدينة قلعة عظيمة، عجيبة في حصنها وإتقان عمارتها، وحفر خندقها مائة ذراع وأكثر. انتهى.
الرومانيون
في حدود سنة 64 استولى الرومانيون على حماة فيما استولوا عليه من بلاد سورية، وامتدت مدة ملكهم، وعظمت شوكتهم، ودخلت عليهم الحضارة فازدهرت البلاد وكثرت السكان، فقد كان المكان المسمى بلعاس في مدتهم كورة عظيمة ذات قرى كثيرة وأشجار مثمرة من زيتون وغيره، وهم الذين أنشئوا النواعير على العاصي ليستفيدوا من الماء فيجري إلى الأمكنة المرتفعة، ومما عملوه أن حفروا قناة ماء من جهة مصياف إلى حماة مغطاة بالحجارة يجري في داخلها الماء لتحيي به القرى المجاورة له وليشرب منه أهل المدينة، وعملوا قناة أخرى من شرقي سلمية مارة شمال حماة حتى قلعة المضيق لتعمر القرى المجاورة لها أيضا.
وكان لهم عناية كبرى في زرع الزيتون واستثماره فلا تكاد تمر بقرية من قرى حماة إلا وتجد آثار مطاحن الزيت وآثار مخازنه. وقد زادوا في بنيان القلعة، وحسنوا ما شاءوا، وعملوا بعض الجسور على نهر الأورونت «العاصي» وسنذكرها.
والذي يظهر من آثارهم أنهم كانوا أهل جد وعمل، وأن البلاد كانت آهلة بالسكان في أيامهم؛ فإن المتجول في بر حماة لا يكاد يفارق آثار قرية حتى يمر بآثار أخرى بحيث لو كانت عامرة بالسكان لأصبح عدد النفوس أضعاف أضعاف الموجودين الآن.
وكان لحماة أسوار محيطة بها من الحجر الأبيض - بناها أسطتينوس الروماني - ولها أبواب عديدة، وقد ظلت بيد الرومانيين حتى ملكها المسلمون.
عاداتهم:
كانوا إذا مات لهم ميت وضعوه في نعش، ومشوا أمامه حاملين تماثيل الميت وأسلافه، ويضعون في فم الميت شيئا من النقود ليعطيها للشخص الموهوم المسمى شارون - يزعمون أنه موكل بنقل الأموات إلى نهر الموت وأن هذه النقود أجرته - فإذا وصلوا إلى مكان الدفن أخذ الكهنة ماء ورشوا به من كان مع الجنازة. وكانوا يستعملون أيضا حرق الأموات فيطرحون جسم الميت على حطب مرتب على شكل مذبح، ثم يدور الحاضرون حوله بكل هدوء وسكون على أصوات الآلات الموسيقية، وبعد ذلك يأتي أحد أقارب الميت بشعلة من نار فيضرم الحطب، وأناس يلقون الطيب والروائح الطيبة، وعندما يحترق يطفئون النار بالخمر، ثم يجمعون الرماد ويضعونه في إناء ثمين ويلقونه في المدفن. وقد جرت عادتهم أنهم يطرحون مع الجندي سلاحه ومع النساء بعض حليهن.
وقد سلك الرومانيون مسلك من قبلهم من الأمم باتخاذ يوم من الأسبوع يجتمع فيه أهل القرى للبيع والشراء كيوم الخميس عندنا الآن.
حماة في زمن المسلمين
بعدما فتح أبو عبيدة عامر بن الجراح - رضي الله عنه - حمص وضع عليها عبادة بن الصامت، ثم فتح الرستن، ثم جاء إلى حماة فتلقاه أهلها مذعنين سنة 18 للهجرة فصالحهم على الجزية في رءوسهم والخراج على أرضهم، وأقام في حماة مدة اتخذ كنيستها العظمى جامعا، ثم رحل إلى شيزر فصالحه أهلها على ما صالحه أهل حماة، ومن ذلك الحين دخلت حماة تحت يد الدولة الإسلامية هي وتوابعها.
ظلت حماة تابعة للخلفاء الراشدين حتى دخلت في حكم الأمويين في جملة ما دخل تحت حوزتهم، وقد تناقص عمرانها من ذاك الحين، وخرب بعض بنيانها لنفرة أهل القرى من عرب كندة الذين قطنوا صحاري حماة من جهة الشرق، وعشائر كلب الذين سكنوا صحاريها من جهة الغرب فخلت القرى من السكان، ولا حياة لحماة إلا بالقرى فتراجع عمرانها لهذا، وألحقت بحمص فكانت من أعمالها إلى حد سنة 290. سيما وأن العباسيين لما أخذوا الخلافة لم يكن لهم عناية إلا بإعمار بغداد والعراق، فطفق الناس يهجرون أوطانهم ويقصدون التقرب من مركز الخلافة حتى خربت المدن الكبيرة التي كانت حماة تستقي منها موارد ثروتها مثل كورة البلعاث والأندرين ولطمين وصوران وبعرين وغيرها.
قال أحمد بن الطيب فيما شاهده من البلدان حينما كان سائرا مع المعتضد من بغداد إلى البلاد الشامية سنة 271: حماة قرية عليها سور حجارة، وفيها بناء بالحجارة واسع، والعاصي يجري أمامها، ويسقي بساتينها، ويدير نواعيرها. فسماها قرية وليست هي قرية كما يقول، ولكن من يشاهد بغداد في زمن المعتضد لا يستغرب منه تسمية حماة قرية.
وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان: حماة مدينة قديمة جاهلية، ذكرها امرؤ القيس بشعره فقال:
تقطع أسباب اللبانة والهوى
عشية رحنا من حماة وشيزرا
إلا أنها لم تكن قديما مثل ما هي اليوم من العظم بسلطان مفرد بل كانت من عمل حمص. انتهى.
ولقد توالت الحوادث على حماة حتى كادت أن لا تخلو مدة من حادثة؛ فمما ضعضع أركانها وقوض بنيانها أيضا هجوم القرامطة عليها سنة 291 بقيادة أبي شامة رئيسهم، فإنه ملك حمص وحماة وقتل أهلها وأطفالها ونساءها، وعمل مثل ذلك بالمعرة وسلمية فقتل في سلمية كثيرين حتى صبيان المكتب، فأرسل إليهم المكتفي العباسي جيشا عظيما فالتقوا بهم عند قرية تمنع «تمانعة» فقتلوا من القرامطة كثيرين، وقبضوا على أبي شامة وابن عمه وغلامه فأمر الخليفة بقتلهم في بغداد.
ثم دخلت حماة في حوزة صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب وبقيت مدة تابعة لحلب، ثم استولى عليها شجاع الدولة جعفر بن كلند والي حمص سنة 477، ومن بعده ملكها خلف بن ملاعب صاحب حمص، ثم بعده أقطعها السلطان ملكشاه السلجوقي لآقسنقر فصارت تابعة لحلب. وفي 504 دخلت في حوزة «طغتكين» ملك دمشق.
وفي سنة 509 أرسل السلطان محمد بن ملكشاه عسكرا لمحاربة طغتكين صاحب دمشق فكان طريقهم على حماة فخيموا حولها، وحاصروها غير أن مدة الحصار لم تطل ففتحوها عنوة، وأباحوا نهب أموالها ثلاثة أيام فنهبت، ثم سلموها إلى الأمير «قيرخان» بن قراجا صاحب حمص. واستقامت العساكر في حماة مدة ثم سارت منها إلى فتح كفرطاب والمعرة، فولى قيرخان - المذكور - على حماة ابنه الأمير محمود وكان لا يعرف من العدل والإنصاف شيئا فسام الناس خسفا وظلما. وفي 517 سار بعسكره إلى قلعة فامية
1
ليفتحها فهاجمها، فرمي بسهم من القلعة في يده فجرح فعاد إلى حماة، وعملت له جراحة فلم يبرأ وبعد مدة توفي ففرح الحمويون بموته، فلما سمع طغتكين ملك دمشق أرسل إلى حماة عسكرا فهاجموها واستلموا قلعتها فصارت من جملة بلاد طغتكين. ثم ملكها البرسقي التركي بن آقسنقر وبقي مدة ثم صارت لابنه مسعود، وبعد ذلك استردها توري بن طغتكين فولى عليها ابنه المسمى سونج بن توري بن طغتكين.
وفي سنة 523 سار عماد الدين زنكي بن آقسنقر من الموصل وعبر الفرات، وكتب إلى توري ملك دمشق أن يمده بالجنود لمحاربة الفرنج، فكتب توري لولده سونج صاحب حماة أن يسير معه بعسكره، فجهز عسكر حماة ورحل إلى حلب وخيم بظاهرها، فغدر به عماد الدين زنكي وقبض عليه ونهب خيامه وعساكره وأرزاق مقدميهم، ورحل من وقته إلى حماة فتسلمها بلا حرب لخلوها من الجند، ثم سار منها إلى حمص محاربا فحاصرها ولم يقدر على فتحها فرجع، وأبقى أمير حماة معتقلا عنده ثم أطلقه وأرسله إلى أبيه، وظلت حماة في ملك عماد الدين إلى سنة 527. وفي هذه السنة سار إسمعيل بن توري بن طغتكين ملك دمشق إلى حماة فحاصرها يوم عيد الفطر فجرى بينه وبين العساكر الحموية حرب ضروس، ولم يقدر أن يفتحها في ذلك اليوم، فلما كان الغد بكر إليها وزحف من جميع أبوابها وجوانبها وضيق الحصار، فطلب أهلها الأمان فأمنهم، وبقيت القلعة محاصرة غير أنها لم تكن في ذاك الحين حصينة ففتحها رغما واستولى على ما بها من سلاح وذخائر، ثم سار إلى شيزر ففتحها. ثم عاد إليها زنكي فاسترجعها، وظلت في يده إلى سنة 541 حين وفاته، فملكها بعده ابنه نور الدين محمود الملقب بنور الدين الشهيد رحمه الله.
وفي سنة 552 في شهر رجب اهتزت أرض حماة بالزلزال المزعج فخربت وتهدمت أسوار قلعتها. قال أبو الفداء: ويكفي أن معلم كتاب كان بمدينة حماة فارق المكتب وجاءت الزلزلة فسقط المكتب على الصبيان جميعهم، قال المعلم: فلم يحضر أحد يسأل عن صبي كان له هناك. وخربت شيزر أيضا حتى إن ملكها كان قد ختن ولده وعمل دعوة للناس وأحضر جميع أقربائه بني منقذ فاجتمعوا في داره فجاءت الهزة فسقطت الدار والقلعة عليهم فهلكوا عن آخرهم. وكان لصاحب شيزر حصان مربوط على باب الدار فلما جاءت الزلزلة وقتل الناس تحت الردم نجى من بني منقذ رجل واحد خرج هاربا فرفسه الحصان فقتله.
قام نور الدين رحمه الله المقام المرضي في ذلك الزمن؛ فإنه مع اشتغاله بالحروب العظيمة تدارك حماة بإعادتها كما كانت فبنى أسوارها، وأعاد قلعتها فتراجع إليها الناس، وبنى جامعه المعروف وبجانبه المارستان ووقف لهما أوقافا طائلة، وبنى غير ذلك من المساجد - وسيأتي ذكره - ثم بنى أسوار دمشق وحمص وشيزر وبعلبك وحلب وكلها كانت قد خربتها الزلزلة المذكورة. وفي سنة 569 توفي نور الدين رحمه الله فدخلت حماة في حوزة ابنه الملك الصالح إسماعيل. وفي سنة 570 في غرة ربيع الثاني ملك البلاد الشامية والمصرية السلطان صلاح الدين الأيوبي فكانت حماة في جملة ما ملك، وولى عليها خاله شهاب الدين محمود بن تكش الحارمي، وأمره بتهيئة العساكر لمحاربة الملك الصالح إسماعيل وأعمامه الذين ساروا من الموصل وحلب لمحاربة صلاح الدين كي يسترجعوا ملك نور الدين لابنه الملك الصالح، فتوجهت عساكر حماة مع صلاح الدين فالتقى الجمعان عند قرون حماة،
2
فهزمهم صلاح الدين وتبعهم منهزمين فطلبوا الصلح، فصالحهم على أن تبقى بيده الشام وتوابعها وأن تكون حلب للملك الصالح. ثم سار صلاح الدين إلى مصياف،
3
وكان الإسماعيليون يقصدون قتله - وقد طعنه أحدهم فلم يصب منه مقتلا - فسار لحربهم، وفي مسيره خرب قلاعهم وأحرقها، فلما قرب من مصياف كتب صاحبها إلى صاحب حماة خال صلاح الدين أن يتوسط بالصلح ففعل، وكتب لابن أخته أن يصفح عنهم ففعل ورحل عنهم إلى مصر.
وبعد رحيله ووصوله إلى مصر سنة 572 سار الفرنج بجموعهم إلى حماة - وكان عاملها مريضا - فشددوا عليها الحصار، واجتمعوا حول السور حتى كادوا يفتحونها قهرا فجد سكانها في قتالهم، وأخرجوا الفرنج إلى خارج السور بعدما دخلوا بعض جهاته، واستمر القتل أربعة أيام ثم رحل الفرنج إلى مدينة حارم. وفي أثناء ذلك توفي عامل حماة شهاب الدين الحارمي - وتوفي ولده أيضا - فحزن عليه السلطان صلاح الدين، وسير إلى حماة ابن أخيه الملك المظفر تقي الدين عمر المجاهد العالم صاحب الخيرات والمبرات، وأمره بحفظ البلاد، فلما قرب من حماة خرج أهلها لاستقباله، فلم يلبث فيها إلا قليلا حتى ندبه عمه السلطان صلاح الدين إلى محاربة قليج أرسلان التركي صاحب بلاد الروم؛ فإن قليج أرسلان المذكور قصد أخذ مدينة رعبان من عامل صلاح الدين، فتوجه ملك حماة الملك المظفر تقي الدين عمر إلى حرب قليج أرسلان بألف فارس حموي، والتقى الجمعان على حصن رعبان، وكانت جيوش قليج أرسلان عشرين ألفا فهزمتهم العساكر الحموية، وعاد ملك حماة إلى حماة مفتخرا يقول: هزمت عشرين ألفا بألف.
وفي سنة 582 ألحق السلطان صلاح الدين الأيوبي بمدينة حماة منبج، والمعرة، وكفرطاب، وميافارقين وجعلها من توابع حماة. وفي سنة 584 سار السلطان صلاح الدين إلى جبلة فتسلمها، ثم حاصر اللاذقية فتسلمها أيضا وسلمها لملك حماة، فشرع ملك حماة في إعادة بنيان قلعتها وتحصينها كما كان فعل في قلعة حماة؛ فإنه شاد ما تشعث من بنيانها، ثم عاد من اللاذقية وقد طمح بصره إلى توسيع نطاق المملكة الحموية، فسار بعسكره إلى ما وراء الفرات وملك حران وغيرها، واستولى على السويداء ومدنا كثيرة في حروب عظيمة، وبينما يجد في الفتوح أدركه المرض ثم الموت فتوفي في رمضان يوم الجمعة سنة 587، وكان معه ولده الملك المنصور محمد فأخفى خبر موته ورحل به إلى حماة ودفنه في ظاهرها، وبنى إلى جانب التربة مدرسة، وسيأتي ذكرها.
ثم ملك حماة بعده ابنه الملك المنصور محمد - المذكور - بأمر عم أبيه صلاح الدين، غير أن صلاح الدين أخذ منه البلاد التي افتتحها أبوه وأبقى له منها منبج وقلعة المضيق وسلمية والمعرة تابعات لحماة. ثم جهز الملك المنصور جيشه وسار إلى فتح قلعة بارين
4
فحاصرها ونصب عليها المجانيق، فأصابه سهم بيده فجرحت حين الزحف فلم يرجع وبقي مجدا في فتحها حتى فتحها في 29 ذي القعدة سنة 595، وأقام بها مدة لإصلاح شئونها ثم رجع إلى حماة. فلما بلغ خبر فتحها الملك العادل ابن أيوب أمر باسترجاعها لصاحبها ابن المقدم، فلم يرض صاحب حماة بذلك، وأخيرا سمح لابن المقدم بمنبج وقلعة نجم
5
عوض بارين فرضي بذلك. وفي سنة 597 كتب الملك الظاهر صاحب حلب لملك حماة أن ينضم إليه ليتحدا ويحاربا عمهما الملك العادل خليفة صلاح الدين، ووعده إن انضم إليه أن يعطيه قلعة المضيق ومنبج، فلم يرض بذلك ملك حماة وأحب أن يدوم ولاؤه للبيت الأيوبي، فغضب الظاهر وجهز جيشا كثيفا، وسار إلى فامية ومنها إلى حماة وخيم حولها، فحاصرت وأغلق أهلها أبواب السور ، فخربت عساكره المقابر لكثرتها، ثم هاجموا حماة من باب السور الغربي في محلة المدينة فوقعت فيه معركة عظيمة، ثم فرق العساكر على الباب الغربي والباب القبلي وباب العميان - وكلها في محلة المدينة - فقاتلوا قتالا شديدا، ورمي الملك الظاهر بسهم في ساقه فجرح، واستمرت الحرب أياما حتى ضاق الخناق على الحمويين، ثم جرى بين الفريقين الصلح على أن يدفع ملك حماة ثلاثين ألف دينار غرامة حربية فدفعها للملك الظاهر، ورحل عنها إلى دمشق ليملكها فلم ينجح، وعاد إلى حلب فطلبه الملك العادل لينتقم منه، وسار من مصر طالبا إياه حتى وصل إلى حماة وحل ضيفا عند ملكها، وكان نزوله على تل صفرون
6
فقام الملك المنصور بإكرامه، وكان خبر قدومه إلى حماة بلغ ابن أخيه ملك حلب فأرسل إليه يلاطفه ويعتذر إليه، وأرجع المعرة إلى ملك حماة بعد أن أخذها منه، ولم يزل يسترضيه حتى رضي ورحل إلى دمشق راضيا. وفي سنة 599 قصد الفرنج حماة من حصن الأكراد وطرابلس وغيرهما فتلقاهم الملك المنصور لبعرين، وأنجده ملك بعلبك وملك حمص، وهناك اشتعلت نيران الحرب وامتدت في صحاري بعرين في زمن شهر الصوم، فكانت الهزيمة على الفرنج بعدما تركوا قتلى وأسرى لا تعد، فعاد ملك الديار الحموية إلى بعرين من ميدان الحرب ظافرا فاستقبله الفاضل بهاء الدين السنجاري مادحا له بقوله:
ما لذة العيش إلا صوت معمعة
ينال فيها المنى بالبيض والأسل
يا أيها الملك المنصور نصح فتى
لم يلوه عن وفاء كثرة العذل
اعزم ولا تترك الدنيا بلا ملك
وجد فالملك محتاج إلى رجل
يا أوحد العصر يا خير الملوك ومن
فاق البرية من حاف ومنتعل
ثم إن الفرنج لموا شعثهم وعادوا بقوة هائلة للحرب - وكان المنصور لم يرحل من بعرين - وكان عودهم بعد ثمانية أيام من هزيمتهم، فجدد المنصور الحرب وحمي وطيسها، فانكشف الفرنج منهزمين شر هزيمة بعد ترك قتلى وأسرى، ثم عاد ملك حماة إلى بعرين فهنأه سالم بن سعادة الحمصي بقصيدة منها:
وشننت منتقما بساحل بحرها
جيشا حكى البحر الخضم عرمرما
أسدلت في الآفاق من هبواته
ليلا وأطلعت الأسنة أنجما
ثم إن الفرنج لما لم يقدروا على فتح بعرين تركوها وساروا قاصدين حماة، فبلغ الحمويين الخبر فاستعدوا للقاهم فلم يشعروا إلا والفرنج قد وصلوا لقرية الرقيطاء ونهبوا المواشي والقافلة والقرى وقبضوا على شهاب الدين البلاعي محافظ بر حماة فأخذوه أسيرا، ولما وجدوا أن أبواب أسوار حماة أغلقت في وجوههم تركوها وعادوا بالأسير والغنائم، فهرب منهم شهاب الدين في الطريق وتعلق بجبال بعلبك ورجع إلى حماة.
ثم رجع الملك المنصور من بعرين فمسته الحمى الشديدة وورم دماغه وتوفي سنة 617، وكان فاضلا عظيما - وستأتي ترجمته - وحينما توفي كان ولده الملك المظفر المعهود إليه بالملك عند خاله الملك الكامل في مصر، وولده الثاني الملك الناصر عند خاله الملك المعظم صاحب دمشق، فجمع وزير أبيهما زين الدين ابن فريج أعيان حماة وشاورهم فيمن يولونه فاتفقوا على تولية الناصر، وكاتبوا خاله ملك دمشق فأرسله إليهم فملكوه حماة وتوابعها بعرين وسلمية والمعرة، وكان أخوه المظفر قد بلغه خبر وفاة أبيه المنصور فقصد حماة ليتولى الملك وفي الطريق بلغه أن الملك ذهب منه إلى أخيه فذهب إلى دمشق واتخذها مسكنا.
في سنة 618 قوي طمع الفرنج بالاستيلاء على مصر، فكتب ملكها الكامل إلى أخويه ملك دمشق وملك حلب يطلب معونتهما، فسار الأشرف بعساكره من حلب ومر بطريقه على حماة فاستصحب ملكها الناصر بعسكره، وسارت عساكر دمشق وملكها المعظم فكان الحرب في دمياط، وانهزم الفرنج فعادت العساكر الحموية إلى مكانها مع ملكها.
في سنة 619 سار الملك المعظم صاحب دمشق لمحاربة ابن أخته الناصر صاحب حماة؛ لأنه حين طلبه الحمويون ليولوه عليهم شرط عليه مالا يدفعه إليه فوعده بذلك ولم يف له، فخيم بعساكره على قرية قيرين،
7
فأغلق الحمويون أبواب السور وحاصروا، وزحفت عليهم الجنود الدمشقية فجرى قتال قليل، ثم رحلوا عنها إلى سلمية فنهبوها لأنها من توابع حماة، وولى الملك المعظم عليها واليا من قبله، ثم قصد المعرة فاستلمها أيضا وولى عليها واليا من قبله، ثم عاد إلى سلمية وخيم حولها على نية العود لمحاربة سكان حماة وملكهم، وبذهاب هاتين المدينتين لم يبق لحماة ملحقات سوى بعرين. وفي هذا الأثناء جاء كتاب من الكامل ملك مصر إلى أخيه ملك دمشق أن يرحل عن سلمية ويعفو عن ملك حماة ويعود إلى دمشق ففعل، وولى الملك المظفر محمودا أخا الملك الناصر ملك حماة على سلمية بأمر الملك الكامل، وأعاد المعرة لملك حماة وذلك سنة 621.
وفي سنة 626 أعطى الملك الكامل دمشق لأخيه الملك الأشرف، وكان الأشرف يحب الملك المظفر محمودا أخا الملك الناصر ملك حماة محبة عظيمة، فطلب من أخيه الكامل مساعدته على تولية المظفر وعزل الناصر، فسار الكامل من مصر بجيش جرار، ونزل في المريج
8
ثم سار منها إلى سلمية، وأرسل عسكرا نازلوا حماة، وكان قائد عسكره شيركوه صاحب حمص، فاستولى الجبن على الناصر صاحب حماة - الملقب قليج أرسلان - فأرسل إلى شيركوه: إني أريد أن أحضر عندك في الليل لتحضرني بين يدي الكامل. ثم خرج إليه في العشر الأخير من رمضان، فسار به إلى الكامل، فحين رآه شتمه وأمر باعتقاله، وأمره أن يكتب لنوابه بحماة بتسليمها، فكتب إليهم أن يسلموها. وكان من جملة النواب الطواشي بشر والطواشي مرشد فامتنعا، وأنزلا من القلعة الملك المعز أخا الملك الناصر - المذكور - فملكاه حماة، وكتب أعيانها للكامل أنهم لا يسلمونها إلا لأحد ذرية تقي الدين عمر - المتقدم ذكره - فأرسل الملك الكامل يقول للمظفر: اتفق مع غلمان أبيك. وكان المظفر محاصرا لحماة مع عسكر الكامل، فراسل الحكام فاتفقوا معه أن يفتحوا له باب النصر وقت السحر، فحضر في الوقت المعين ففتحوه له فدخل وسار إلى دار الوزير المعروفة بدار الإكرام
9
في باب المغار،
10
وفي الصباح حضر الحمويون يهنئونه بالملك، وكانت مدة أخيه الناصر تسع سنين إلا شهرين. ثم بعد يومين صعد المظفر إلى القلعة وتسلمها وعمره إذ ذاك 27 سنة، وسلم أمور المدينة وتدبير شئونها للأمير سيف الدين علي الهدباني. ولما استقر المظفر في حماة انتزع الملك الكامل منه سلمية وسلمها إلى شيركوه ملك حمص، وانتزع بعرين وسلمها للناصر ملك حماة السابق فلم يبق لحماة توابع سوى المعرة.
وقد هنأ شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز محمد بن عبد المحسن الأنصاري الملك المظفر بقصيدة منها:
تناهى إليك الملك واشتد كاهله
وحل بك الراجي فحطت رواحله
ترحلت عن مصر فأمحل ربعها
ولما حللت الشام روض ماحله
وعزت حماة في حمى أنت غابه
بصولته تحمى كليب ووائله
وقد طالما ظلت بتدبير أهوج
يخيب مرجيه ويحرم سائله
ثم تزوج المظفر ببنت خاله الملك الكامل غازية خاتون.
وفي سنة 627 بنى صاحب حمص شيركوه قلعة شميميش
11
بغير رضاء ملك حماة فكان بينهما شحناء لذلك.
وفي هذه السنة قصد الفرنج حماة من حصن الأكراد، فخرج إليهم الملك المظفر محمود، ووقع بينهم القتال عند قرية تسمى أفيون قريبة من البلد على طريق بعرين، فانكسر الفرنج شر كسرة وعاد المظفر إلى حماة منصورا غانما.
وفي سنة 630 سار المظفر إلى قلعة شيزر بعساكره لمعاونة الملك العزيز صاحب حلب على استلامها من يد صاحبها شهاب الدين يوسف بن الداية فحاصروها واستلموها منه مع ما يتبعها كقلعة أبي قبيس.
12
ثم عاد المظفر إلى حماة، وأرسل للملك الكامل يطلب منه أن يأذن له بانتزاع مدينة بعرين من أخيه الناصر، فأذن له فسار إليها وحاصرها، فلم يقدر الناصر على مقاومته فنزل إليه وسلمه البلد، فأكرمه أخوه المظفر ولاطفه وسأله الإقامة في حماة فأبى، وسار إلى الكامل فأكرمه ثم بلغه عنه ما يغيظه فسجنه ومات سجينا.
وفي سنة 631 قدم الملك الكامل من مصر قاصدا بلاد الروم لمحاربة ملكها كيقباذ بن كيخسرو لامتلاك بعض بلاده، فنزل الكامل شمال سلمية، وكتب لملك حماة أن يتهيأ للمسير معه فسار بعسكره من حماة، ولم يبق ملك من ملوك الشام إلا وقد سار معه، وسار أمام الجميع الملك المظفر صاحب حماة بألفي محارب إلى خرتبرت، فخرج إليهم ملك الروم واقتتلوا، فهرب عسكر الكامل، وحصر المظفر مع عسكره في خرتبرت، وشدد كيقباذ عليه الحصار، وكان مركز الكامل في السويداء، فبلغه أن ملك حمص سعى إلى الملوك الذين هم بصحبة الكامل فأفسد نياتهم فتقاعدوا عن القتال، فلم يشأ الكامل أن يظهر ما يكنه ضميره فأغضى على قذى، ولم يعد في إمكانه نجدة ملك حماة، فطلب حينئذ المظفر مع عساكره الحمويين الأمان، فأمنه كيقباذ وأكرمه وخلع عليه ونادمه وأقامه عنده ضيفا يومين، ثم رجع مع الكامل فنزل المظفر على المعرة، وشرع في بناء قلعة المعرة وأتمها على هيئة جميلة وأودعها كمية عظمى من سلاح وذخائر.
وفي سنة 635 توفي الأشرف ملك دمشق فملك بعده أخوه الصالح، وكتب لملك بلاد الروم وحلب وحمص أن يكونوا معه لمحاربة أخيه الكامل ملك مصر وبلاد سوريا، فأجابوه إلى ذلك وامتنع ملك حماة، وقد وصل الخبر إلى الكامل فجد المسير بعساكره حتى حاصر دمشق، وكانت الجنود قد قدمت من حمص نجدة لملك دمشق فقبض الكامل عليهم وشنقهم بين البساتين، وأرسل توقيعا لملك حماة بانتزاع سلمية من ملك حمص، فأرسل المظفر إليها نوابه فتملكوها. ثم إن ملك دمشق أذعن لملك مصر وسلمه دمشق فعوضه عنها بعلبك. وجهز الكامل ملك مصر عساكره للانتقام من شيركوه صاحب حمص، وكتب إلى صاحب حماة أن يسير بعساكره لينضم إلى عسكر الكامل، فبرز من حماة وخيم على الرستن، فخاف شيركوه جدا، غير أن الكامل لحقه المرض فتوفي في دمشق وللحال رحلت عساكره عن حمص، وعاد المظفر إلى حماة بعدما حاصر حمص.
وفرح شيركوه بذلك فرحا عظيما، وأرسل عساكره إلى سلمية فطردوا نواب ملك حماة منها، وقطعوا ماء القناة التي كانت تجري من سلمية إلى بساتين حماة، فيبست البساتين ولحق الحمويين بذلك ضرر فاحش، ولم يكتف ملك حمص بذلك بل أرسل فعلة من حمص إلى البحيرة فبنى تجاه الماء سدا عظيما حول به ماء العاصي عن حماة إلى الأودية؛ فوقفت النواعير وكاد الماء أن ينفد منها لكن الماء هدم السد وتحامل بكليته وعاد إلى مجراه الأصلي، كل ذلك كان انتقاما من ملك حماة لمعاونته الملك الكامل.
كذلك اغتاظ توران شاه بن صلاح الدين ملك حلب من المظفر ملك حماة لموافقته للملك الكامل ، فأرسل من حلب جيشا عظيما لينتقم به من الحمويين وملكهم، فوصل الجيش للمعرة وافتتحها وخرب قلعتها العظيمة التي كان قد بناها المظفر وأودعها الذخائر وولى عليها نائبا من قبله. ثم سار توران شاه بجنوده إلى حماة فحاصرها، ونهبت عساكره ما قدرت من أطراف المدينة، وطال الحصار حتى ضاق الخناق وأتلفت أموال كثيرة لا تحصى.
ثم رحل توران شاه بعساكره إلى حلب، ولم يبق من توابع حماة سوى بعرين، فإن سلمية انتزعها ملك حمص، والمعرة انتزعها ملك حلب، فخشي ملك حماة أن تذهب بعرين أيضا، فأمر بهدم قلعتها للأرض فهدمت، ثم سار ملك حماة إلى دمشق بعسكره نجدة للملك الصالح للاستيلاء على دمشق وبعد ذلك عاد إلى حماة وفي عوده حاصر حمص ثم رحل عنها.
ولما ملك الصالح دمشق سار منها إلى مصر وأبقى ابنه المغيث نائبا عنه في دمشق، فاغتنم عمه الصالح إسماعيل صاحب بعلبك الفرصة ومعه شيركوه ملك حمص، فسارا بجموعهما إلى دمشق لأخذها للصالح من يد نائبها ابن أخيه - المذكور - وذلك سنة 637، وبعد حصار طويل استلمها الصالح إسماعيل من ابن أخيه قهرا. وكان ملك حماة قصد أن يحفظ دمشق لصاحبها، فأرسل نجدة مع أحد الأمراء المسمى سيف الدين علي من عسكر وسلاح ومال كثير، وأظهر المظفر وعلي - المذكور - أنهما قد اختصما، وأن عليا قد غضب وأراد فراق حماة فتبعه بعض الجند ومعهم الذخائر يموهون أن صاحب حماة يريد تسليمها للفرنج؛ وذلك خوفا من شيركوه ملك حمص كي لا يمنع عليا عن المسير في الطريق، فلم تخف هذه الحيلة عليه فكمن لهم عند بحيرة حمص، فلما قدم علي بمن معه تلقاه شيركوه ورحب بهم وأظهر أنه مصدقه ودعاه للضيافة في حمص، فعاد معه هو وبعض الجند والآخرون شعروا بالحيلة فهربوا وسلموا، فلما وصلوا إلى حمص قبض عليهم شيركوه وسلب ذخائرهم وأموالهم وسلط عليهم من يعذبهم، وهم يستجلبون له الأموال من حماة ليشتروا بها أنفسهم من العذاب حتى أفقرهم. ومات رئيسهم علي وكثيرون معه في السجن وبقي الباقون في السجن حتى مات شيركوه، وكان ذلك سببا عظيما لضعف قوة المظفر ملك حماة ضعفا عظيما. ثم توفي شيركوه بعد برهة وخرج السجناء وملك حمص بعده ابنه إبراهيم.
وفي سنة 642 توفي الملك المظفر محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب ملك حماة، فكانت مدة ملكه 15 سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام. فملك بعده ابنه الملك المنصور محمد، ولكونه لم يجاوز عمره العشر سنين قام بتدبير المملكة مملوك أبيه سيف الدين طغريل، والشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري شيخ شيوخ حماة، والطواشي مرشد، والوزير بهاء الدين ابن التاج، وهؤلاء يرجعون بالرأي إلى أم المنصور غازية خاتون بنت الملك الكامل.
وحينما ملكوا عليهم المنصور أرسلوا عسكرا إلى سلمية فانتزعوها من صاحب حمص وألحقوها بحماة.
وفي سنة 652 ولى الملك المنصور شمس الدين إبراهيم بن هبة الله البارزي قضاء حماة لفضله الشهير.
وفي سنة 657 قدم هولاكو بعساكره في العشر الأخير من ذي الحجة إلى حلب - وكان حاكمها توران شاه بن صلاح الدين - فخرج عسكر حلب لقتالهم فكانت الملحمة عند بانقوسا، فانكسر الحلبيون وتبعهم التتر يقتلون منهم، فازدحم الناس في أبواب المدينة فخنقوا بعضهم لشدة الزحام فلم يسلم إلا من سلمه الله.
وملك هولاكو حلب وطار الخبر إلى دمشق فهيئت الجنود للحرب، وبرز الناصر ملك دمشق إلى برزة بعساكره لاستقبال حرب هولاكو، ووقع الرعب في قلوب سكان البلاد الشامية، فرحل الملك المنصور ملك حماة إلى برزة ولم يبق في حماة غير النواب، فلما بلغ سكان حماة ما فعل التتر بحلب أرسلوا الطواشي مرشدا إلى ملكهم المنصور وهو في برزة يستشيرونه ما يصنعون، ثم أجمعوا على التسليم، فسار الوجهاء إلى حلب ودخلوا على هولاكو وسلموه مفاتيح البلد وطلبوا منه الأمان فأمنهم، وأرسل معهم عاملا من قبله اسمه خسروشاه فتولى شؤون حماة وأمن الرعية وتسلم القلعة.
وحينما بلغ خبر مسير هولاكو إلى دمشق فر ملكها وملك حماة معه إلى مصر خوفا ورعبا، أما ملك حمص - وهو الأشرف موسى بن إبراهيم بن شيركوه - فإنه قصد هولاكو طالبا الأمان فأمنه، ثم انهالت عساكره في البلاد الشامية تقتل وتنهب وتفتك، وقد عملت أعمالا لم يسمع مثلها عن بختنصر في بيت المقدس.
ثم قفل هولاكو راجعا إلى جهة الشرق وأذن لصاحب حمص بالعودة لبلاده وأمره أن ينزل في حماة فيخرب أسوار قلعتها، فقدم الأشرف ملك حمص إلى حماة ونزل في دار المبارز،
13
ثم هدم أسوار القلعة وحرق ما فيها من الذخائر وعدة الحرب، وباع الكتب التي كانت في دار السلطنة بثمن بخس جدا، ثم قصد تخريب أسوار المدينة فعظم الأمر على الحمويين، فبادر محافظها المسمى إبراهيم بن الإفرنجية بالرشوة إلى عامل هولاكو خسروشاه لأجل أن لا يهدمها - خيفة من أن يرحل أهلها عنها لأنه إذا هدم أسوارها طمع فيها الفرنج - فأخذ الرشوة منه ومنع ملك حمص عن هدمها.
وقد خربت التتر أيضا جميع القلاع كقلعة حلب ودمشق، وأمر هولاكو أيضا صاحب حمص - المذكور - أن يخرب قلعة حمص فامتثل أمره وخرب من أسوارها جانبا وترك البقية لأنها مقر ملكه وذلك سنة 658.
ثم إن الملك المظفر قطز ملك مصر سار بجيوش المسلمين من مصر وبصحبته ملك حماة وأخوه الأفضل في أوائل رمضان من هذه السنة لمحاربة التتر، فلما بلغ كتبغا نائب هولاكو على دمشق الخبر، جمع التتر وخرج للقاء الجموع الإسلامية وفي صحبته ملك حمص وغيره من الملوك الذين اتفقوا مع التتر، فكان الحرب في مكان يسمى الغور وثبت المسلمون، وهرب التتر فتبعهم المسلمون يقتلون وينهبون، وقتل في هذه الواقعة كتبغا وأسر ابنه، وتعلق التتر في رءوس الجبال فتبعهم المسلمون وأفنوهم عن آخرهم قتلا وتشريدا. وحينئذ طلب الأشرف ملك حمص الأمان فأمنه المظفر قطز وأقره على حمص وتوابعها، وأمر بضرب عنق الذين ظهر منهم الفسق وحب سفك الدماء. ثم أحسن المظفر قطز إلى ملك حماة وأقره على ملكه وتوابعه - وهي بعرين والمعرة - فتوجه المنصور ملك حماة إلى بلده هو ونائبه مبارز الدين أقوش فقبض على أشخاص كانوا عونا للتتر على مآربهم وسجنهم، فهرب خسرو شاه عامل هولاكو على حماة إلى الشرق.
وبعد قدوم المنصور لحماة عمل شيخ الشيوخ عبد العزيز الأنصاري قصيدة يهنئه بها، منها:
رعت العدا فضمنت ثل عروشها
ولقيتها فأخذت تل جيوشها
فغدا لسيفك في رقاب كماتها
حصد المنازل في يبيس حشيشها
وطويت من مصر فسيح مراحل
ما بين بركتها وبين عريشها
حتى حفظت على العباد بلادها
من رومها الأقصى إلى أحبوشها
فرشت حماة لوطء نعلك خدها
فوطئت عين الشمس من مفروشها
ثم إن التتر عادوا إلى حلب محاربين ففرت عساكرها إلى حماة ونزلوا ضيوفا عند ملكها مدة ثم رحلوا إلى حمص، وسارت عساكر التتر قاصدة حمص فرحل ملك حماة وكبراؤها وعسكرها إلى حمص، وجاءت إلى حمص عساكر دمشق أيضا فالتقت الجموع في شهر محرم سنة 695، وكان التتر أكثر من المسلمين - وكانت الواقعة في ظاهر حمص - فانتصر المسلمون عليهم، وفر التتر وقتل منهم ألوف لكنهم خيموا على سلمية، ثم قصدوا حماة - وكان ملكها وعساكرها قد عادوا إليها - فحاصرها التتر يوما واحدا، ثم تركوها ورحلوا عنها إلى فامية قرب قلعة المضيق فأظهر أميرها بسالة وطفق يشن الغارة عليهم كل يوم حتى رحلوا عنها.
وفي سنة 664 أرسل الملك الظاهر بيبرس عسكرا عظيما من دمشق، وكتب للمنصور ملك حماة أن يرأسهم ويسير وإياهم لغزو بلاد الأرمن فسار هو وأخوه الأفضل إلى سيس وجهاتها، والتقوا بالأرمن فكسروهم وأسروا ابن صاحب سيس، ثم عادوا فاستقبلهم الظاهر إلى فامية ثم عاد معهم إلى حماة ثم سار منها، وبعد برهة رجع إليها، وأرسل العسكر لفتح مصياف وأخذها من الإسماعيليين ففتحوها عنوة.
وفي سنة 672 رحل الأمراء من حماة ورحل ملكها إلى دمشق خيفة من التتر؛ لأنهم كانوا قد لموا شعثهم وعادوا إلى البلاد الشامية للغارة عليها لكن في المرة الأخيرة لم يكن حرب.
وفي سنة 680 على زمن مملكة السلطان قلاوون الصالحي جاء «منكوتمر» ابن هولاكو بجيوش من التتر لا يحصيها عد، فسار إليه ملوك المسلمين وأمراؤهم بالعساكر بأمر قلاوون الصالحي، وسار ملك حماة بعسكره، فرتب قلاوون المحاربين فجعل عساكر حماة في الميمنة والتركمان في الميسرة، والتقى الجمعان بظاهر حمص في الساعة الرابعة من يوم الخميس 14 رجب، فانتصر قلب المسلمين، وكانت ميسرة التتر قد انتصرت أيضا ففر التركمان أمامهم، وتبعهم التتر فدخلوا حمص يقتلون من رأوه، لكنهم علموا بعد ذلك أن قلب الجيوش الإسلامية منتصر وأن التتر ولوا الأدبار فعادوا وتبعوا رفقاءهم، وركب المسلمون أقفيتهم يقتلون، فكان النصر عظيما امتلأت به البلاد سرورا وزينت له المدن ثم عاد كل ملك إلى بلده بعسكره.
وفي سنة 683 في شوال توفي الملك المنصور محمد صاحب حماة ابن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب - ومدة ملكه إحدى وأربعون سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام - فلما بلغ قلاوون خبر موته قرر مكانه ابنه الملك المظفر محمود على حماة وتوابعها المعرة وبعرين، ثم أمره بالمسير معه إلى المرقب - وكان قلاوون قد حضر إلى فتحها - فسار ملك حماة وعمه الأفضل ومعهم المؤرخ الشهير أبو الفداء فنازلوا المرقب وفتحوها بعد أن أمنوا أهلها وأخرجوهم منها، ثم قصدوا فتح طرابلس فساروا إليها وحاصروها واشتد الحصار وأخيرا فتحوها بالسيف ظافرين وكان النصر فيها عظيما وذلك سنة 687، ثم عاد الملك المظفر محمود إلى حماة ومعه عمه وبقية الأمراء والعساكر.
وفي سنة 690 سار ملك حماة إلى عكا ليحضر فتحها مع السلطان قلاوون - وكان مسيره في آخر فصل الشتاء - ومعه العساكر والمنجنيق الكبير تحمله مائة عجلة حول كل عجلة عشرة رجال، فرأوا عناء شديدا لعظم البرد حتى وصلوا إلى عكا وحاصروها واشتد القتال حولها، فكانت منزلة الحمويين في رأس الميمنة على عادتهم، فكانوا من جهة البحر وعن يمينهم عكا؛ فكان منجنيق الأعداء يرميهم من عكا ومن البحر، وطال الحصار عليها وبعد برهة فتحت عنوة وقتلوا أهلها كلهم، ثم هدمها قلاوون إلى الأرض فجعلها دكاء، ثم ظلوا يفتحون السواحل بلدا بعد بلد حتى دخلت كلها تحت حوزة المسلمين - وعد ذلك توفيقا عظيما - ثم قفل كل ملك إلى بلده.
وفي سنة 691 سار السلطان قلاوون من مصر قاصدا فتح قلعة الروم فوصل إلى الشام ومنها سار إلى حماة فخرج ملكها لاستقباله هو وعمه فاجتمعا به ثم سبقاه وهيئا له ما يليق به من الضيافة، ولما وصل إلى حماة ضرب سرادقه في جهة الشمال منها عند قناة سلمية،
14
فأخرج له المنصور من الطعام الفاخر ما يكفيه وعساكره المصرية والشامية وجعل الطعام في أرض الميدان،
15
ونصب له ما يليق به من الخيام ومد له القماش الفاخر تحت أرجل فرسه. ثم بعد ذلك سار السلطان قلاوون إلى دار المظفر محمود المسماة دار السعادة
16
ففرش له أيضا الطريق بالقماش الفاخر، فجلس السلطان في الدار ثم خرج منها إلى حمام السلطان - وسيأتي ذكرها - وبعد خروجه منها جلس على جانب العاصي برهة، ثم سار لدار الضيافة المسماة بالطيارة الحمراء على سور باب النقفي،
17
وبعد ذلك رحل عن حماة إلى برها الشرقي للصيد، ثم سار بجيوشه إلى قلعة الروم ومعه ملك حماة وعساكرها، وحينما نصب الحمويون المنجنيق وقصدوا الرمي على العدو طلب أهل القلعة الأمان فأمنوهم ودخلها قلاوون ثم رحل عنها إلى دمشق فمصر.
وبعد برهة سار ملك حماة وعمه إلى مصر بطلب قلاوون، ثم ساروا جميعا إلى دمشق، ثم إلى المكان المسمى الفرقلص، وهناك قبضوا على أمير العرب مهنا بن عيسى وأخويه محمد وفضل وولده موسى، وأرسلهم السلطان إلى مصر فسجنوا فيها لتمردهم على السلطان، ثم عاد ملك حماة وعمه إلى بلدهما وذلك في سنة 692.
وفي سنة 698 توفي ملك حماة السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المظفر محمود بن المنصور محمد بن المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، فأرسل ملك مصر بدلا عنه الأمير «قراسنقر الجوكدار» فقدم إلى حماة، ونزل في دار المظفر وسلب أموال ذريته وأهانهم فلم يسعهم غير الصبر.
وفي سنة 699 سار قازان أرغون ملك التتر بجموعه وعبر الفرات، فوصل إلى حلب ثم إلى حماة، ونزل في مجمع المروج
18
بقصد المسير إلى الشام ليملكها فتبعته عساكر حماة، وقصدته عساكر مصر والشام وحمص فكان الاجتماع وقت العصر في مجمع المروج، واشتعلت نيران الحرب المحرقة فكان النصر لملك التتر، ففر المسلمون منهزمين وتبعهم التتر يقتلون وينهبون ويأسرون حتى استولوا على دمشق، وتبعوا العساكر المصرية إلى غزة والقدس فغنموا غنائم كثيرة. غير أن العساكر المصرية كرت راجعة وبعد حرب هائلة استرجعت دمشق من التتر.
وفي أثناء هذه الحرب كان وكيل حاكم حماة في مدة غيابه رجلا اسمه عثمان السبيتاري سام الناس خسفا وظلما وجار في حكمه جدا واستباح الأعراض والأموال وسفك الدماء فقتل كثيرين، وكان له رفيق يشاركه في الحكم فقتله أيضا وانفرد بالحكم وحده ولقب نفسه الملك الرحيم، وبقي على هذا المنوال حتى استولى المسلمون على دمشق وفر التتر فحينئذ قبل عودة حاكمها أرسل إليها صارم الدين أزبك المنصوري الحموي ليكون حاكما إلى أن يحضر كتبغا، فلما وصل إلى حماة عصي عثمان السبيتاري في القلعة مدة ثم قبض عليه صارم الدين ووضعه في السجن. وفي أثناء ذلك كان حاكم حلب متوجها إليها فمر في طريقه على حماة ونزل على تل صفرون، وأرسل إلى عامل حماة أن يسلمه عثمان السبيتاري، فأرسله إليه وأخذه مكرما إلى حلب بعد ما أخذ منه رشوة - ولم يسمع عليه شكاية الحمويين وأن القاضي حكم بقتله - فبقي عنده حتى استخلص الملك لأبي الفداء فأرسل من قبض عليه وجاء به إلى حماة فقتله في محلة المدينة في سوق الخيل.
ثم إن قراسنقر عين إلى حلب، وعين إلى حماة مكانه الأمير «كتبغا زين المنصوري» فدخل حماة ونزل في دار السعادة وهي دار المظفر.
وفي سنة 700 عادت التتر إلى البلاد السورية محاربة قاصدة استرجاع دمشق فعبر ملكهم بعساكره الفرات، وقد جفل المسلمون منهم فكانوا يهربون أمامهم تاركين منازلهم خالية حتى إن حلب خلت من أهلها، ورحل قراسنقر صاحب حلب بعسكره إلى حماة واستقبله صاحبها أيضا بعسكره، وجاءت عساكر دمشق إلى حماة فخيم الجميع في ظاهر البلد، وانهالت التتر على بلاد سرمين والمعرة والعمق وغيرها تقتل وتنهب، وظلوا يعيثون في الأرض فسادا ثلاثة أشهر، ثم رجعوا من تلقاء أنفسهم بلا حرب وتراجع المسلمون إلى منازلهم.
وفي سنة 702 سار كتبغا بالعساكر الحموية إلى بلاد الأرمن فكانت له هناك حروب ثم عاد على طريق أنطاكية، وبعد وصوله لحماة عادت التتر واحتلت القريتين من أعمال حمص، فقدمت العساكر الحلبية وانضمت إليها العساكر الحموية وساروا إلى القريتين فقامت سوق الحرب هناك، وانتصر المسلمون، وهرب التتر وقتل منهم خلق كثير. ولم تكد العساكر تصل بلادها حتى عادت التتر بقيادة قطلوشاه، ووصلوا إلى حماة فجفلت عساكرها وحاكمها كتبغا إلى دمشق - وكان كتبغا مريضا - فنزل التتر شمال حماة قريبا من محلة باب الجسر ثم رحلوا إلى دمشق، وكانت العساكر الإسلامية متجمعة فيها من كل مكان، وهناك كانت الحرب الطاحنة فقتل من المسلمين ما لا يحصى، وبعد ذلك فر التتر هاربين وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، حتى وصلوا الفرات وأرادوا العبور عليه وجدوه في قوة زيادته فمشوا على جانبه إلى بغداد، فتبعهم عرب البادية قتلا ونهبا حتى كادوا يهلكونهم عن آخرهم ثم عادت العساكر إلى بلادها.
وفي هذه السنة توفي زين الدين كتبغا نائب السلطنة بحماة - وهو من مماليك قلاوون الصالحي ملك البلاد المصرية والسورية - فكان خلفه «سيف الدين قبجق» جاء من مصر ووصل إلى حماة سنة 703 فاستقبله الحمويون وأنزلوه في دار المظفر. وفي أوائل هذه السنة حصلت زلزلة عظيمة خربت بعض أسوار قلعة حماة وغيرها.
وفي هذه السنة ولي سيف الدين قبجق على حلب فرحل عن حماة، وعين مكانه «أسندمر» ولم يأت إلى حماة بل أرسل نائبا عنه «تنليك السديدي».
وفي سنة 710 جاء أسندمر - المذكور - إلى حماة ونزل في دار المظفر على جاري العادة، فلم يرض بتوليته على حماة رئيس العشائر البادية مهنا بن عيسى فسافر حالا إلى مصر، وكان ذا مكانة عظيمة عند الملوك فطلب من قلاوون الصالحي تنصيب أبي الفداء على حماة فأجابه لذلك، ونقل أسندمر إلى السواحل، وعين أبا الفداء ملكا على حماة فعادت المملكة بتعيينه للبيت الأيوبي، وفرح السكان بذلك، وذلك في جمادى الأولى من السنة المذكورة، وسكن في بادئ الأمر في دار ابن عمه المظفر، ولم يلبث مدة حتى سار إلى حلب مع عساكر السلطان للقبض على نائبها أسندمر فأحاطوا بقلعتها وقبضوا عليه فسيق إلى مصر مغلولا بالحديد، ورجع أبو الفداء إلى حماة ثم سافر إلى مصر فضم إليه محمد بن قلاوون الصالحي المعرة وبعرين ملكا خالصا.
وفي سنة 713 جاء الخبر إلى حلب بمسير «خربندا» رئيس التتر بجيوشه إلى حلب فخافت حاميتها وأميرها سودي وقدموا إلى حماة، وقدم أيضا بهادر أمير الشام وعساكره فأقاموا عند أبي الفداء ضيوفا مدة طويلة، والتتر محاصرون مدينة الرحبة ثم تركوها ورجعوا من حيث أتوا فرجعت العساكر الدمشقية والحلبية إلى أماكنها.
وفي سنة 714 ألحقت المعرة بحلب ولم يبق بيد أبي الفداء سوى حماة وبعرين وتوابعهما.
وفي هذه السنة سارت العساكر السلطانية لفتح ملاطية فمرت بحماة، وسار أبو الفداء بعساكره معهم فقطعوا المسافات ثم افتتحوا ملاطية بلا حرب، وآبت العساكر فنزلت في حماة، وعمل ملكها أبو الفداء ضيافة عظيمة وأنزل الأمراء في داره. وبعد ذهابهم أصدر أبو الفداء أمرا إلى جميع نوابه أن لا يقبل أحد حماية لأحد بل الكل متساوون في الحقوق ودفع ما عليهم؛ وذلك لأن الإسماعيليين في مصياف كانوا لا يدفعون لسلفه أموالا بدعوى الحماية فأخذت الأموال من الجميع.
وفي سنة 716 أعيدت المعرة تابعة لحماة وهنأ الشعراء أبا الفداء بعودها.
وفي هذه السنة وقع ثلج في حماة غمر الأرض بمقدار نصف ذراع دام مدة طويلة وصار الماء جليدا مما لم يعهد له نظير.
وفي هذه السنة خرجت المعرة عن تابعية حماة وألحقت بحلب.
وفي سنة 720 سارت العساكر الحموية مع العساكر السلطانية وافتتحوا بلاد سيس وعادوا ظافرين.
وفي سنة 726 توفي السلطان بدر الدين حسن أخو أبي الفداء وكان شهما أديبا.
وفي سنة 732 كانت وفاة الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء ابن الملك الأفضل نور الدين علي ابن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب - ومدة ملكه 22 سنة - فكان بعده ابنه الملك الأفضل ملكا على حماة وتوابعها بعرين وجهاتها، فسلك على طريقة أبيه في مبدأ الأمر عدلا وإحسانا، وبعد مدة من ملكه حصل بين السلطان في مصر وبين مهنا أمير العرب وحشة عظيمة فكان الساعي بإزالتها ملك حماة؛ فإنه ركب بجنوده ونصح الأمير مهنا فاصطلح مع السلطان، وبعد تمام الصلح رجع إلى حماة فأنعم السلطان عليهما، ثم عاد أيضا الأمير مهنا إلى مكانه وهو تل أعدا.
19
وفي سنة 737 توفي الأمير الكبير صارم الدين أزبك،
20
توفي وهو مسافر بعسكر حماة للجهاد في بلاد الأرمن، فحمل وأعيد إلى حماة ودفن في تربته في مقبرة باب البلد ويعرف مكانه بصارم الدين.
وفي سنة 742 عزل الملك الأفضل محمد بن الملك المؤيد أبي الفداء ونقل إلى دمشق، وقد عزله الأشرف ابن السلطان محمد بن قلاوون، والسبب في عزله أنه كان في مبدأ أمره قد حذا حذو أبيه وأظهر العدل والزهد ثم تغير بعد ذلك وتبدل وجار في حكمه، ومما عمله من الجور وكان الباعث الأعظم لعزله أنه حبس تاج الدين بن عز الدين المسمى طاهر بن قرناص
21
بين جدارين، وكان هذا الرجل من أعظم رجال حماة، وبقي محبوسا بين الجدارين لا طعام ولا شراب حتى توفي، وقطع الملك الأفضل شجر بساتينه ظلما لأمور تافهة.
وبعزل الملك الأفضل اندرس اسم «ملك» من حماة وصار من يولى يسمى حاكما أو نائبا أو عاملا وليس له سلطة الملوك السابقين وإنما يستبد إذا شاء فيضر وينفع.
لما عزل الأفضل ولي بعده مملوك أبيه «طقزتمر»، ورحل الأفضل إلى دمشق فلم تطل المدة حتى أدركته الوفاة فنقل إلى حماة في السنة التي عزل فيها، وخرج طقزتمر مستقبلا جنازته، ولما رآها بكى وأقسم أنه ما قبل أن يكون مكانه إلا أملا بعود الملك إليه إكراما لوالده رحمه الله، وقد دفن عند أبيه في تربته في جامع أبي الفداء بمحلة باب الجسر فكانت مدة ملكه عشر سنين. وبعد برهة نقل طقزتمر إلى حلب، وولي على حماة الأمير العالم علم الدين الجاولي، ولم تطل مدته لأنه نقل إلى غزة وولي مكانه محمد آل ملك ثم عزل وعين بدله الطنبغا المارداني.
وفي سنة 743 نقل الطنبغا إلى نيابة حلب، وعين لحماة يلبغا التجباوي وكان شابا حسنا عفيفا عن مال الرعية فاستقام برهة ثم نقل إلى حلب عاملا عليها، وولي على حماة طقزتمر الأحمدي وكان عاقلا عادلا.
وفي سنة 745 هطلت أمطار غزيرة ففاض نهر العاصي وأغرق دورا كثيرة فخربها وأتلف بساتين البلد وتضرر الناس بذلك ضررا فاحشا.
وفي سنة 747 نقل نائب حماة طقزتمر إلى حلب وولي مكانه أسندمر العمري. وفي سنة 748 وقع بين سيف بن فضل أمير عرب البادية وبين أحمد وفياض من الأمراء أيضا حرب فانكسر سيف ونهبت أمواله، وكانت هذه الحرب ضربة قاضية على بادية حماة؛ فإن البدو طفقوا ينهبون القرى ويغيرون على حماة والمعرة فينهبون ما يجدونه، وقد قطعت الطرق وفقد الأمن وأتلفت الكروم وأكل الزرع والمقاتي؛ ففر الفلاحون واندرست القرى، ومن ذاك الحين تناقص عمران حماة وغدا العرب يقطعون السبل وينهبون من أطراف البلد حتى نهاية القرن الثالث عشر، وقد اشتد في ذاك الحين الغلاء حتى كاد الناس يأكلون بعضهم.
وعلى عقب هذه الحوادث جاء الطاعون الجارف ففتك في الأنفس في حلب ودمشق وحماة فكان شديد الوطأة قوي الشكيمة يدخل البيت فيجعل العشرة واحدا أو اثنين، وربما خلت الدار من السكان بتاتا. قال ابن الوردي رحمه الله:
يا أيها الطاعون إن حماة من
خير البلاد ومن أعز حصونها
لا كنت حين شممتها فسممتها
ولثمت فاها آخذا بقرونها
22
وفي سنة 758 ولي نيابة حماة أحمد الساقي، أقام مدة ثم توفي فكان مكانه كتبغا الحموي سنة 790، ثم عزل وخلفه أحمد المهمندار سنة 792، ثم توالت العمال على حماة - كما يأتي - ولا فائدة في تعداد أسمائهم وإنما القصد ذكر الحوادث التي مرت على حماة. فمن الولاة الذين كان لهم شأن بحماة على زمن دولة الجراكسة الأمير طرباي الشريفي، والأمير بلباك السيفي، والأمير جلبان وغيرهم.
في سنة 803 ولي على حماة رجل اسمه دقماق، وكان قد شاع خبر قدوم تيمور إلى البلاد السورية، وأنه قادم بثمانمائة ألف مقاتل، وأنه لا يمر بمدينة إلا خربها، وقد اجتاز بسيواس فحاصرت فحلف لأهلها أنه لا يضع فيهم السيف فلما اطمأنوا وفتحوا له أسوار البلد قبض عليهم وحفر لهم حفائر ودفنهم فيها أحياء - وكانوا ثلاثة آلاف مسلم - ثم حرقها وخربها، وخرب ملاطية وبلادا كثيرة. ثم قصد حلب وحاصرها فسيقت إليه عساكر البلاد الشامية والساحلية، وسارت عساكر حماة أيضا بقيادة دقماق فكان الحرب خارج سور حلب، وحينما هجمت عساكر تيمور فرت عساكر البلاد الشامية ولم يقف أمامها أحد فكان القتل عند أبواب السور، وخنق الناس بعضهم لشدة الازدحام في أبواب المدينة فمات منهم ألوف، ودخل تيمور حلب وصعد إلى القلعة بلا حرب فقتل وسبى ما لا يحصيه إلا الله تعالى، ونهب واعتقل رجالا كثيرين، وفعل أفعالا تقشعر منها الجلود، وقبض على أميرها ثم فر منه إلى حماة. فلما رأى الحمويون ذلك سار أعيانها إلى تيمور بمفاتيح البلد طالبين منه الأمان فأمنهم، ثم سار ونزل في شماليها وأمر بهدم قلعتها فهدمت، ومن ذلك الحين بقيت خرابا ليس فيها إلا بعض بيوت وجدران قائمة وآثار وسجن للحكومة ظل باقيا إلى القرن الحادي عشر.
ولم يأخذ تيمور من حماة شيئا ولم يقتل أحدا مراعاة لعهده الذي أعطاه لأعيان حماة في حلب، ثم سار إلى حمص ولم يفعل فيها شيئا إكراما لخالد بن الوليد - رضي الله عنه - غير أنه هدم قلعتها أيضا، ثم سار إلى دمشق فأهلك أهلها وتركها بحالة تبكي لها القلوب.
ومن ذلك الحين ازداد تناقص عمران حماة وانفصلت ملحقاتها عنها - وهي المعرة صارت تابعة لحلب، وسلمية خربها عربان البادية، وبعرين صارت خرابا وعادت شبه قرية - وما زالت حماة تخرج من حوزة وال وتدخل في حوزة آخر حتى ملك السلطان سليم الأول العثماني هذه البلاد سنة 922 دخلت حماة في جملة ما ملك، فكان يتولى عليها رجل يسمى متسلما يفعل ما يشاء، ولم يكن في ذلك الحين السلك البرقي ولا القطارات الحديدية فكانت الأخبار لا تصل إلى دار المملكة إلا بعد هلاك الرعية.
في نصف القرن التاسع امتلأت حماة وقراها بالتركمان، وكان الحاكم يأخذها مقاطعة يدفع لجهة الدولة شيئا معينا، وله أن يفعل ما يشاء على حسب إدارته العقلية فكان يعين من قبله أميرا للجند، ورجلا آخر يلقب «صوباشي» وظيفته تفقد شئون البلد وتثبيت الأمن والتفتيش على السارقين والأشقياء، ولكل منهما أعوان، وتحت يد الصوباشي رئيس العسس فكان هؤلاء يصنعون ما يحبون من سلب الأموال والظلم. خذ مثالا من ذلك أنه كان في سنة 970 إلى سنة 982 في حماة رجل اسمه «بريك بن سركين» كان ترجمانا للصوباشي ومعه رئيس العسس محمد بن يحيى المكنى أبا حمامة، وهذان الرجلان اتفقا على ضرر الناس.
من ذلك أنه غرق رجل من محلة باب المغار في العاصي وأخرج حيا ثم بعد ذلك توفي فقبض بريك على زوج أخته فلم ينج منه إلا باثني عشر سلطانيا، وفي ثاني يوم جاءه وطلب منه أن يدعي أن أناسا أوقعوا الرجل في النهر حتى غرق فلم يرض فضربه بالعصا حتى تورمت رجلاه وأخذ منه ستة وعشرين سلطانيا.
ومن ذلك أن أبا حمامة كان يقف في الطريق فيسلب من المسافرين ما معهم بعد الضرب المبرح.
ومن ذلك أن بريكا المذكور قبض على غلام يدعى إبراهيم بن سركين وأباح عرضه للمسجونين.
ومن ذلك أن أبا حمامة قبض على رجل من محلة العليليات وقيده في بيت الصوباشي واتهمه أنه ذبح غنما في بيته ولم يطلقه حتى أخذ منه سبع سلطانيات.
ومن ذلك أن بريكا قبض على رجل من محلة باب المغار يدعى ابن المكسح واتهمه بأنه تشاجر مع زوجته ولم يطلقه حتى أخذ منه خمس سلطانيات.
كذلك قبض ابن حمامة على امرأة بدعوى أنها تعاملت مع زوجها على أبيها فأخذ منها خمس عثمانيات.
وهكذا حتى بلغ والي حلب خبره فأرسل أمرا بالتحقيق عليهما فظهرت لهما أعمال مبكية محزنة من هتك عرض وسلب ونهب إلى غير ذلك مما يطول شرحه لو أردنا ذكره كله.
وقد تتابع الظلم من الأمراء والمتسلمين ولا علم لمركز السلطنة بذلك فإن حماة كانت تابعة لطرابلس، وكان للوالي حق تعيين المتسلم - كما ذكرنا - ولم تكن للحكومة محاكم سوى المحكمة الشرعية ولا قوانين سياسية فكان بين يدي المتسلم الموت والحياة.
ففي سنة 1090 كان المتسلم بحماة داود آغا، وكان الوالي في طرابلس محمد باشا، وبعد ذلك ببرهة صارت تابعة لولاية دمشق باسم مقاطعة لأمير الحج، فكانت أموالها تقدم لوالي دمشق بصفة مقاطعة وكان يرسل من قبله متسلما يفعل ما يشاء.
كان لمتسلمي حماة أنواع من القتل والتعذيب لا تنطبق على شرع ولا قانون مدني. كانوا إذا غضبوا على رجل يضعونه على الخازوق
23
حتى يموت بعد عذاب طويل مما لم يسمع بمثله في أظلم حكومات العالم الماضية، وإذا غضبوا على امرأة وضعوها في الخيشة
24
وألقوها في العاصي
ومن البدع التي كانت المصادرة فربما جاءت جنود الحاكم فنهبت بيت البعض ولا يدري ما ذنبه. وقد يجاء بالإنسان فيطلب منه مال معين فإما أن يدفعه وإما أن يقع تحت العذاب. لهذا كان كل إنسان يكتم الغنى ويظهر الفقر، ويلبس الثياب الرثة، ويدفن ماله تحت الأرض وبين حجارة الجدار، وربما مات فجأة ولم يعلم أولاده أين وضع ماله، حتى إذا اشترى أحد تلك الدار وحفر في أرضها لبناء وجد المال المدفون.
كانت العساكر إذا قدمت إلى حماة تنزل في البيوت رغما فكان السكان يعملون باب الدار صغيرا جدا حتى لا يستطيع الجندي أن يدخل حصانه في الدار. كان النهب بأسباب الحروب كثيرا فكان السكان يعمل كل منهم في بيته بئرا يضع فيه مواعينه وأشياءه حين النهب ويسد فم البئر بحجارة وتراب حتى لا يعرف فإذا اطمأن أخرج ما يحتاجه.
دام هذا الحال حتى هاجر أكثر الحمويين إلى دمشق والبعض إلى حلب أو حمص أو طرابلس فتناقص عمرانها وسكانها وصارت شبه قرية. ثم جاء إبراهيم باشا المصري فزاد البلاء، واحتقر الناس حتى كأنهم أنعام فكان يحشرهم للأعمال الشاقة كبناء الثكنة العسكرية في الحاضر، ويسوقهم للحرب بغير ترتيب فيقبض على كل من يجده في البلد، فكانوا يفرون منه إلى رءوس الجبال وتارة يختبئون في الآبار، وربما قلع الإنسان عين نفسه أو قطع إصبعه ليعفى من الخدمة العسكرية، فلم يبق في حماة وباديتها إلا القليل ولهذا ألحقت في حمص.
ثم تنبهت الحكومة لعمران البلدان، وارتبط المأمورون بمركز المملكة فزال ما كان من الضغط، وعرف كل إنسان ما له وما عليه فتزايد عمران حماة وكثر ساكنوها، وجعلت مركز اللواء، وألحقت بها حمص والعمرانية وسلمية حتى هذا الزمن، ولا يعلم بعد ما يكون سوى خالق النسم جل شأنه.
هوامش
حماة القديمة
ذكرنا - فيما سبق - أن حماة كانت قسمين: قسم في محلة باب الجسر، وقسم في المدينة. نظرا لارتفاع المدينة عن باب الجسر كانت تسمى القسم الأعلى وسوقها السوق الأعلى وكذا جامعها كان يسمى الجامع الأعلى، وكانت مسورة بسور من الحجر الأبيض عظيم يمتد إلى تل العريصة، وله أبواب عديدة منها باب النصر، وباب المغار، وباب النهر، وباب العميان، وباب الغربي، وباب القبلي. وكان لمحلة باب الجسر سور يحيط بها من جهة والعاصي يحيط بها من الجهة الأخرى، وعلى العاصي الجسر الكبير له باب من جهة الشمال الغربي وباب آخر في مبدأه من جهة القبلة، ولسورها أبواب منها باب تدمر، وباب النقفي، وباب حمص. قال ياقوت الحموي: يحيط بحماة سور محكم، وبظاهر السور حاضر كبير جدا فيه أسواق كثيرة، وجامع مفرد مشرف على نهرها المعروف بالعاصي.
وقال ابن جبير: وموضع هذه المدينة في وهدة
1
من الأرض عريضة مستطيلة كأنها خندق عميق، يرتفع لها جانبان إحداهما كالجبل المطل،
2
والمدينة متصلة بسفح ذلك الجبل. والقلعة في الجانب الآخر في ربوة منقطعة مستديرة قد تولى نحتها الزمان وحصل لها بحصانتها من كل عدو الأمان. والمدينة السفلى
3
تحت القلعة متصلة بالجانب الذي يصب النهر عليه. وكلتا المدينتين صغيرتان، وسور المدينة العليا يمتد على رأس جانبها العالي الجبلي ويطيف بها. وللمدينة السفلى سور يحدق بها من ثلاثة جوانبها لأن جانبها المتصل بالنهر لا يحتاج إلى سور. وعلى النهر جسر كبير
4
معقود بصم الحجارة يتصل من المدينة السفلى إلى ربضها.»
5
انتهى كلام ابن جبير.
وكان بنيان محلة المدينة أوسع وأعظم وأسواقها حافلة أكثر من أسواق محلة باب الجسر، وكانت جامعة للصنائع الضرورية، وكان بين القسمين طريق مما وراء القلعة من البستان التي تسمى الآن بستان الخضر. ثم امتد العمران لجهة الحاضر فحدثت محلات عديدة، كما امتد البنيان في زمن نور الدين الشهيد حتى المحل المسمى باب حمص جانب رحى المسرودة. أما مكان السوق فقد كان مرتفعا من جهة الشمال ومنخفضا في جهة القبلة. وكان فيه مقابر، وكان الماء إذا طغى جاء فعمل كالبحر في القسم المنخفض منه، فلما ضاقت البلد بالسكان مشى الناس بالبنيان إلى موضع السوق فبنوا البيوت وبعض الحوانيت، فلما ولي الملك المنصور حماة بنى هذا السوق وكان يعرف بسوق المنصورية.
حدودها
يحدها من الشرق سلمية فتدمر، وبين حماة وسلمية نصف نهار معتدل على الماشي أو زيادة يسيرة. ومن الشمال المعرة تبعد عن حماة يوما. ومن الغرب مصياف فجبل الكلبية، وبين مصياف وحماة ثماني ساعات. ومن القبلة الرستن فحمص، وبين حماة وحمص يوم على الماشي أو أقل بيسير.
وفي شمال حماة بنحو ثلاث أميال جبل يسمى جبل زين العابدين وفوقه جامع باق للآن،
6
وكان حول هذا الجامع قرية تهدمت الآن واستعيض عنها بقرية تحت الجبل تسمى الهاشمية، وفي جانب هذا الجبل جبل صغير يسمى كفر راع، وفي شرقيها جبل كبير غير بعيد يسمى كيسون، وفي قبليها بنحو ثلاثة أميال أيضا جبل كبير يسمى الأربعين.
وهي الآن مركز للمتصرفية، ولها ثلاث أفضية أعظمها حمص ثم سلمية ثم مصياف، وتسمى الآن العمرانية، ولها نواح أيضا.
أما القرى التابعة لمركز اللواء فهي مائة قرية وقرية، منها الكبيرة ومنها الصغيرة. أما التابعة لمصياف وسلمية وحمص فكثيرة جدا ويمكن أن تزيد بمقدارها لاتساع أراضي هذا اللواء.
وقد كان من أهم القرى التابعة لحماة في الزمن السالف - وكانت تسمى مقاطعة - لطمين وصوران وأندرين. أما بعرين فكانت مدينة كبيرة. أما القرى القريبة من البلد جدا على كتف العاصي فهي سريحين فالدجاجية فكازو فالظاهرية. وفي بر حماة عشائر عديدة من البدو الذين هم في الأصل من عرب كندة، والآن قد ذهب الاسم الأول وبدل بغيره، وصاروا فصائل متعددة يشنون الغارة على بعضهم فيربحون من أموالهم ما ينهبونه وتلك عادة جارية عندهم.
العاصي
هو من الأنهر القديمة، يخرج من جهة اللبوة من جبال الشام التي تسمى لبنان القديمة فيصب في جهة الهرمل عند طرف جبل لبنان، يتدفق بقوة عظيمة فيصل إلى جهة حمص، وهناك له سد عظيم تتكون منه بحرة متسعة جدا، ينصب قسم من ماء هذا السد إلى حمص، والقسم الأعظم يسير مارا في واد طويل إلى الرستن فحماة فشيزر ففامية، ثم ينتهي إلى العمق ويجتاز قصبتي جسر الشغور وأنطاكية إلى فرضة السويدية فيصب في البحر الرومي، ويسمى هذا النهر قديما «أورنط» و«أورنطس» و«أورند». قال البحتري:
وكم نفست في حمص من متأسف
غدا الموت منها آخذا بالمخنق
وكم قطعت نهر الأورند إليهمو
كتائب تزجى فيلقا بعد فيلق
ويسمى نهر الميماس أيضا. قال أبو العلاء المعري:
إذا كنت ذا لب حصيف فلا تقس
بحمصك والميماس دجلة والكرخا
ويسمى النهر الكبير والمقلوب، ويسمى الآن العاصي لاستعصاب أخذ مائه بغير النواعير، يصل إلى حماة فيقسمها شطرين، وتؤخذ منه جداول يسقى بها بعض القرى وقناة عظيمة في حماة، وتدور عليه النواعير داخل البلد وخارجها فتسقي البيوت والبساتين والحمامات والمساجد. ولا كبير فائدة لذات مدينة حماة من هذا النهر؛ لأنه وإن كان يسقي بساتينها الكثيرة فإن السكان لا يشربون ماء هنيئا يأتي بسهولة خاليا عن الأقذار فإنها تنصب عليه بكثرة.
النواعير
قلنا إن النواعير من صنع الرومانيين، والموجود منها الآن ضمن البلد في جهة الشرق أربع: اثنتان تسميان العثمانيات، واثنتان - وهما الأكبر - تسميان البشريات
7
تسقي البساتين. ثم عند جسر السرايا أربع: التي في جانب الجسر قبيل دار الحكومة تسمى الجسرية
8
تسقي قسما من بيوت الحاضر وقسما من البساتين، وبعدها ناعورة المأمورية
9
تسقي جهة السوق من بيوت وحمامات ومساجد. ووراء هذه الناعورة اثنتان صغيرتان: إحداهما المؤيدية،
10
والثانية العثمانية.
11
ثم عند جسر بيت الشيخ ثلاث نواعير: أكبرهن تسمى الجعبرية
12
تسقي جامع النوري وحمام السلطان وبعض البساتين والبيوت، وأمامها ناعورة الصهيونية،
13
وناعورة صغيرة تسمى الكيلانية.
14
ثم في غربي محلة باب الجسر ثلاث نواعير: أكبرهن ناعورة الخضر،
15
وفي جانبها ناعورة الدوالك،
16
ويقابلهن ناعورة الدهشة.
17
وفي باب النهر ناعورة كبيرة جدا تسمى المحمدية
18
تسقي الجامع الأعلى وبعض بساتين ودور، ووراءها ناعورة المقصف، ثم ناعورة العونية،
19
ثم ناعورة البركة.
20
وفوق البلد ووراءها نواعير كثيرة تسقي البساتين الكثيرة. وقد أكثر الأدباء من ذكر النواعير نظما ونثرا مع التورية الجميلة، ومن أحسنها قول بعضهم:
وإني على نفسي لأجدر بالبكا
إذا كانت الأخشاب تبكي على العاصي
ومنها:
وناعورة أنت فقلت لها اقصري
أنينك هذا زاد للقلب في الحزن
فقالت أنيني إذ ظننتك عاشقا
ترق لحال الصب قلت لها إني
ومنها:
ناعورة في سيرها
قد أصبحت كالحائره
قد ضاع منها قلبها
فهي عليه دائره
ومنها:
أيها السائل عني
سلبوا العادة مني
كنت أسقى وأغنى
صرت أسقي وأغني
ومن ذلك شيء كثير مذكور في كتب الأدب.
الأرحية
لحماة إحدى وثلاثون رحى للطحن يسيرها الماء، منها في داخل حماة: الغزالة، فالمسرودة، فالحلوانية، فالقاسمية، فالحجرين، فالعونية. وفي داخل البلد أيضا اثنتان بخاريتان والبقية ما قبل البلد وما بعدها.
الجسور
قلنا إن العاصي يفصل حماة إلى قسمين: أحدهما الحاضر من جهة الشرق، والآخر السوق من جهة الغرب، ويصل هذين القسمين ببعضهما جسر السرايا،
21
وجسر بيت الشيخ،
22
وجسر باب الجسر،
23
وجسر المحمدية،
24
وأعظم هذه الجسور ارتفاعا جسر باب الجسر؛ لأنه لم يطغ عليه النهر أبدا بخلاف البقية.
وبقيت جسور مطموسة في الماء: أحدها قبلي جسر باب الجسر كان متصلا بالطريق القديم الآخذ إلى ما تحت العقد شرقي الجسر. وجسر آخر آخذ من طرف بستان السعادة الشمالي حتى المكان المسمى عاصي السقاية في محلة بين الحيرين، وآخر عند الشريعة قبيل البشريات، هذه ما عدا المبنية سدا للنهر لأجل الأرحية والنواعير كالذي عند البشريات والدهشة والعونية وغير ذلك.
المحلات
في قسم السوق نصف محلة باب الجسر: الباشورة ،
25
الدباغة ،
26
المدينة،
27
الباب القبلي،
28
الجراجمة،
29
الوادي،
30
الجعابرة،
31
سوق الشجرة،
32
الحوارنة،
33
دار الغنم، المحالبة، المشارقة، الفراية، جورة حوا،
34
المرابط،
35
العليليات،
36
أما قسم الحاضر فهو نصف باب الجسر من شمال العاصي: بين الحيرين،
37
الشمالية، السخانة،
38
العصيدة، الزنبقي، والجورة، البارودية،
39
الشرقية،
40
الجديدة، المناخ. فالجملة ست وعشرون محلة منها الكبيرة ومنها الصغيرة. وقسم الحاضر في مكان مرتفع هواؤه جيد وماؤه قليل.
عدد النفوس
عدد نفوس الساكنين في حماة وقراها من ذكور وإناث.
ذكور
إناث
إسلام
18749
17819
روم
1634
1440
بروتستانت
71
59
سريان قديم
261
237
سريان كاثوليك
85
82
20800
19637
القرى.
ذكور
إناث
إسلام
10356
13738
روم
2997
2021
بروتستانت
120
76
13473
15835
إجمال.
ذكور
إناث
حماة
20800
19637
القرى
13473
15835
34273
35472
هذا تعديل الحكومة في قيودها، وأما التعديل الحقيقي فالمكتومون في البلد قليلون، وإن قدرناهم بألف فيجدر أن نقدر أن نفوس سكان القرى مقيد من المائة عشرة - وعلى الكثير عشرون - والبقية مكتومون.
أما عربان البادية فليسوا بمقيدين مطلقا لأنهم لا يستقيمون في مكان.
عدد المساكن في حماة.
مستشفى عسكري
1
خان عسكر
4
جامع
25
تكية وزاوية
6
كنائس
3
نزل مسافرين
3
خان
36
حمام
12
رحى بخارية
2
رحى مائية
31
فرن وتنور
25
دكاكين
2145
دور كبيرة
120
دور صغيرة
5880
دور للأجرة
1676
دار الحكومة
1
مخفر للحكومة
1
جوامعها
منها الكبير والوسط والصغير، وهي:
جامع الكبير في محلة المدينة:
هو عمري وجد من زمن أبي عبيدة - رضي الله عنه - وكان فيما يقال كنيسة، وكان يسمى الجامع الأعلى، ولم يكن على هذه الصورة فإن المهدي العباسي زاد فيه وحسنه، ثم جاء المظفر عمر فزاد فيه وبنى مدرسة بجواره، ثم جاء إبراهيم الهاشمي فأنشأ منارته الشمالية.
41
جامع الحيات في باب الجسر:
كان يسمى جامع الدهيشة، وكان متسعا، وقد هدم من جهة الغرب فذهب نصفه، وعدا عليه الجوار فأخذوا من أرضه الشرقية مقدار ربعه. بنى الملك المؤيد هذا الجامع، وعمل لحرمه من جهة الشرق شباكين كبيرين بينهما عمود كبير من الرخام على شكل أفاع ملتفة ولهذا سمي جامع الحيات، وقد نقش حرمه بالذهب والفسيفساء والرخام الملون في جدرانه وأرضه، وعمل له من الغرب شباكين مثل ما في الشرق غير أنهما هدما ودخلا في البستان المجاور له، وقد عمل فيه خزانة كتب وقف لها سبعة آلاف مجلد، وكل هذه ذهبت ما عدا الشباكين الشرقيين.
42
جامع السلطان:
هو في محلة الدباغة، جامع كبير متسع، بناه السلطان بدر الدين حسن شقيق أبي الفداء على هيئة جامع الدهيشة، ففي كل منهما حجارة رخامية محفورة بالآيات القرآنية من يد كاتب واحد، وفي كل منهما حجر سوداء في الجدار القبلي مدورة تذكارا للحجر الأسود، ولهذا الجامع رواق كبير
43
وفي محرابه خط كوفي،
44
وكانت النظارة عليه لآل وفا بن الأمير ملك،
45
وقد اندرست أوقافه القديمة إلا بقايا تقوم بما يلزمه الآن.
جامع نور الدين:
في محلة باب الناعورة،
46
جاء نور الدين رحمه الله إلى هذه البلاد بعد الزلزلة الكبرى فجدد ما تهدم، وكانت له اليد الطولى في إعمار المساجد والتكايا والمدارس وما به خدمة الدين فبنى هذا الجامع ووقف له أوقافا كثيرة،
47
وكان له باب شاهق من جهة الغرب،
48
وله باب آخر من الشرق باق حتى اليوم، وبين هذين البابين تاريخ بناء الجامع محفور بخط جميل وحروف ضخمة،
49
وقد كان لهذا الجامع شأن عظيم، وأصبح بحالة يرثى لها على أنه باق للآن ولكنه فقير. وفوق الباب الموجود حجر محفور.
50
جامع العزي:
في محلة باب الجسر في طريق رحى الحلوانية، بناه محمد بن حمزة العزي سنة 723، وكان لهذا الجامع أوقاف كثيرة
51
وهو اليوم مهجور.
جامعا الشيخ إبراهيم:
أحدهما في السوق جيد وهو من بناء الشيخ إبراهيم الكيلاني، وثانيهما جامع آخر بهذا الاسم في جهة الحاضر وذلك سنة 1071.
جامع الأحدب:
في جهة السوق لا يعلم بانيه.
جامع الأشقر:
في السوق أيضا وهو من بناء الملا ناصر بن حسن الأشقر العقيلي في حدود الألف.
جامع الجديد:
في السوق متسع بناه أحد عمال حماة المسمى يوسف باشا سنة 1225.
جامع المسعود:
في الموقف القديم وهو كبير جدا وبانيه عبد الرحمن بن مسعود.
52
جامع باب البلد:
من بناء آل ملك.
الزاوية السفاحية:
من بناء السفاح الحلبي.
جامع المرابط:
من بناء بني الأعوج.
جامع العجمي:
في سوق الشجرة.
53
الدنوك:
في الجعابرة.
54
جامع الشيخ علوان:
في العليليات مجهول بانيه، وفي هذه المحلة جامع صغير أيضا.
جامع طوسون:
في محلة الجسر
55
الأربعين في المشارقة لا يعرف بانيه.
جامع الأربعين:
في جورة حوا لا يعرف بانيه أيضا.
جامع الحسنين:
في محلة المدينة قديم جدده نور الدين.
جامع حسان:
في باب الجسر.
56
الحراكي:
في بين الحيرين.
الشيخ حسين:
فيها أيضا.
الشيخ زين:
في محلة الشمالية.
الدربزون:
في الحاضر.
الأربعين:
فيه أيضا.
كذا جامع الأفندي:
في الحاضر أيضا.
57
البحصا:
فيه أيضا بناه الأمير عبد الوهاب بن شيخ الأكراد في القرن العاشر.
زاوية القاري:
في البارودية.
جامع الشرقي:
في محلة الشرقية قديم، وفيها جامع آخر.
جامع الحميدية:
في محلة الجديدة في الحاضر حديث بناؤه.
جامع النبي حام:
في الباشورة قديم. القان فيها أيضا قديم.
58
جامع قرب البارزي: (كان يسمى جامع أبي العلا، وأمامه حوض كان يسمى بهذا الاسم أيضا).
جامع الخانقاه:
في هذه المحلة أيضا وهو قديم.
جامع المدفن:
قرب جسر السرايا.
59
وهذه الجوامع منها الكبير ومنها الصغير وبعضها غني وبعضها فقير.
أما المندرسة أو التي كادت تندرس فهي: جامع العمري في باب المغار بمحلة المدينة
60
ولم يبق منه غير جدار الباب. وجامع في محلة المسيحيين مهجور. وجامع الدخان تابع الجراجمة. وجامع الشيخ شمس تابع محلة القطانة. وجوامع أخر لا فائدة بذكرها.
الزوايا:
الزاوية السعدية في محلة جورة حوا قديمة وهي من بناء بني الشرابي،
61
الزاوية الكيلانية،
62
الزاوية الحريرية،
63
زاوية الشيخ عثمان الحوراني،
64
وليس في حماة تكايا الآن.
مدارسها
كانت المدارس في حماة كثيرة وقد اندرست الآن ولم يبق منها واحدة، ولنذكرها ليعرف أبناء اليوم كيف كانت عناية السالفين بالعلم والحضارة، وكل هذه المدارس كانت لطلاب العلم.
المدرسة الخاتونية:
في محلة المدينة، كانت دارا لمؤنسة خاتون بنت الملك المظفر محمود عمة أبي الفداء، وكانت تسمى دار الإكرام، وقفتها مدرسة، ووقفت لها كتبا وأوقافا كثيرة، هي الآن بستان في مبدأ طريق محلة الجراجمة على يسار المنحدر إلى عاصي باب النهر.
المدرسة الطواشية:
في محلة المدينة، وقفها الطواشي مرشد الذي كان يقوم مقام الملك المنصور حين تغيبه عن حماة، وموقعها تجاه باب الجامع الكبير الشمالي في جانب حمام الذهب الشرقي، وقد اندرست الآن ولم يبق إلا آثار الجدران في البستان،
65
وكان لها أوقاف كثيرة.
المدرسة البارزية:
معروفة في مكانها، خالية من سكانها، ليس فيها سوى قبر أحد البارزيين، وكانت لطلب الفقه الشافعي.
المدرسة العصرونية:
هي الدار في المكان المسمى باب حمص على كتف العاصي قرب بستان الجبل، كانت لتعليم القرآن، وكان لها جامع وداران متصلان بها، وفي جدارها كتابة حجرية
66
يستدل منها على المقصود، وقد كان لها أوقاف كثيرة فوق الحد سيما في جهة شيزر.
المدرسة العزية:
في محلة باب الجسر، بناها محمد بن حمزة العزي بجوار جامع العزي - المذكور سابقا - من شرقيه، وكانت متسعة، ولم يبق من آثارها الآن سوى ما هو مرسوم على جدار الجامع وهو: أنشأ هذه المدرسة المباركة محمد بن حمزة العزي في شهور سنة سبع وعشرين وسبعماية.
المدرسة النورية:
كانت قريبة من جامع نور الدين الشهيد، وقد اندرست ولم يبق لها ذكر.
المدرسة الحنفية:
هي القطعة الشرقية من حرم جامع نور الدين، بناها الملك المؤيد أبو الفدا
67
فألحقت بحرم الجامع. وقد ذكر ابن جبير في رحلته أن المدارس حذاء المارستان ثلاث. قلت: إحداهما الحنفية، والثانية النورية، والثالثة لا يدرى مكانها.
مدرسة الشيخة:
هي الزاوية السفاحية في الموقف، بناها قاضي القضاة نجم الدين عبد الظاهر بن السفاح الحلبي، وكانت تسمى مدرسة الشيخة، وقد وقف لها حولها أوقافا كثيرة، وكان وكيل ذريته يقدم من حلب في كل سنة لإيجار عقاراتها.
المدرسة المظفرية:
هي في جانب الجامع الكبير من جهة الغرب في محلة المدينة، بناها الملك المظفر تقي الدين عمر، وكان لها أوقاف كثيرة في قرية الدجاجية وغيرها.
68
المارستان:
هو المستشفى الوحيد في حماة، بناه المرحوم السلطان نور الدين محمود دارا للمرضى - لا للمجانين كما يظن العوام - ووقف له أوقافا مدهشة. وكانت النظارة عليه لبني القرناص، ثم من بعدهم لبني الماوردي، ثم تولاه آخر الأمر محمود چلبي سنة 972، ثم كانت التولية عليه سنة 1000 للشيخ صفا العلواني. وقد كان لهذا المستشفى أطباء وخدمة ومصارف كلية، فمما كان على زمن متوليه الشيخ صفا العلواني من الموظفين والمصرف اليومي:
عثماني
ناظر الشيخ عبد الله
19
طبيب كمال الشرابي
16
كاتب محمد بن الشيخ يونس
4
وكيل خرج أحمد بن الشيخ يوسف
8
جابي وبواب داخلي أحمد بن الشيخ يحيى
8
طباخ أشربة قاسم الشفري
8
جراح ناصر أبو الخير
4
مفرق أشربة وفا بن معروف
2
بواب خارجي الشيخ أبو بكر
5
خازن أحمد بن الشيخ حسين
4
خادمة نساء فاطمة أخت الشيخ وفا
2
فراش الشيخ محمد ربيع
1
فراش ثاني حسين بن محمد
2
متولي صفا العلواني
5
88
فيكون مجموع المصروف اليومي ثمانية وثمانين عثمانيا. أما المارستان الآن فهو خال من كل فائدة شبيه بالمندرس يستعمله بعض الناس دارا للسكن، على أن أوقافه قد ذهبت ولم يبق له سوى مقدار ثمانية آلاف قرش سنويا. وقد كانت المعارف وضعت يدها عليه فجعلته مكتبا وجعلت ريعه من جملة وارداتها. ثم سعى بعض الحمويين بأخذه من دائرة المعارف فأخذ منها، ونصب عليه القاضي متوليا
69
ليجبي أمواله ويجمعها كي يعاد بها إلى ما كان، نسأل الله أن يوفق كل عامل خير إلى أحسن المقاصد.
الحمامات
حمام الذهب: في محلة المدينة وهي قديمة مجهول بانيها. حمام القاضي: في محلة جورة حوا بانيها القاضي سراج الدين بن مغلي.
70
حمام الأدربك: في الموقف.
71
الدرويشية: في محلة المرابط بناها بنو الأعوج. الأسعدية: في السوق.
72
الحلق: في الدباغة هي قديمة. العثمانية: في الباشورة.
73
المؤيدية: في الباشورة.
74
حمام الشيخ.
75
حمام السلطان: عند جامع نور الدين، بناها الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر وكانت حمامه الخاصة به، وقد عمل له شيخ شيوخ حماة عبد العزيز الأنصاري بيتين حفرا على الجرن وهما:
كملت حسنا وصفات على
ما في من أوصافي الحلوه
لأجل هذا صرت أهلا لأن
أجالس السلطان في الخلوه
حمام العبيسي: في الحاضر هي من بناء الملك المؤيد عماد الدين أبي الفدا. حمام المدار: في الحاضر من بناء الأمير عبد الوهاب ابن شيخ الأكراد
76
بناها سنة 962.
أما الحمامات المندرسة فهي؛ حمام العرايس: كانت في محلة العليليات السفلى. حمام الزهور: كانت في باب الجسر في طريق رحى العونية، وهي الآن بستان صغيرة على كتف العاصي، وكانت وقفا لجامع الشيخ محمود المتهدم.
77
حمام الحسام: كانت في باب النهر قرب جامع الدهيشة جانب طريق حلب القديم وهي بستان الآن تسمى الآتون. حمام الباشا: كانت في جانب جامع المدفن.
وقد اندرست معالم كثيرة وبيعت - وهي عامرة - للحجارين يهدمونها ليبيعوا حجارتها كدار الفرح في محلة باب الجسر،
78
كذا الخان الذي كان يسمى الخان الجديد - بيد الحكومة الآن - فإن معالمه قد اندرست،
79
ويقال إن الخان في المرابط كان للمولويين، وكذا المدرسة الجلدكية والمدرسة الخطيبية - لم يعلم محلهما - وشيء من ذلك كثير.
ارتفاع حماة
ترتفع عن سطح البحر مائتين وسبعين مترا، وترتفع محطة القطار عن البلد خمسة وثلاثين مترا.
الطول والعرض
أما عرضها - أي بعدها عن خط الاستواء - فخمس وثلاثون درجة وثلثا الدرجة، وطولها - أي بعدها عن آخر العمران باعتبار المقياس الأول - اثنتان وستون درجة.
أحوالها الصحية
تتعاقب عليها الفصول الأربع كبقية البلاد السورية، وأعدل هذه الفصول فيها فصل الربيع؛ يعتدل فيه الهواء وتنتعش النفوس وتزهر المناظر بالزهر. أما الصيف فإنه يختلف في بعض السنين حرارة واعتدالا، وقد يشتد الحر فيتراوح ميزان سنتغراد من الثلاثين إلى الأربعين درجة، وهذا الفصل تكثر فيه أمراض العيون بصورة مدهشة؛ نظرا لكثرة الغبار والحر وعدم الاعتناء بأسباب حفظ الصحة. على أن أمراض العيون يوجد في كل مائة ثمانون مصابون بالحبيبات الجفنية التي ينشأ عنها العمى في الغالب. ولا يعسر حسم هذه الأدواء فإن حسمها موقوف على العناية بحفظ الصحة. أما فصل الخريف فهو غير جيد إذ تكثر فيه الحميات المتقطعة والمرزغية، والسبب في ذلك كالسابق، وزيادة على ذلك عدم استقامة الهواء على حالة واحدة من برودة لحرارة لرطوبة. أما فصل الشتاء فحينا يكون برده شديد الوطأة وحينا متوسطا والأمراض فيه أقل من بقية الفصول.
الماء
ليس لحماة ماء غير العاصي - كما قدمنا - وماء العاصي من أحسن المياه لو صفي من الجراثيم الخبيثة التي تنصب إليه من ماء المراحيض ولا يخلو منها ماء. على أن الأقذار أيضا والجيف والتراب والأوساخ تلقى في نهر العاصي - دع ما يعكر ماءه من السباحة وسقي الدواب وغير ذلك - فتحتاج حماة إلى ماء للشرب خصوصا يكون خلوا من هذه القذارات.
هواؤها
معتدل جيد رطوبته قليلة. ينام الناس في الصيف على سطح بيوتهم بغير غطاء - أحيانا - مدة الصيف ولا يجدون مضرة، غير أن الهواء حينما يصل البلد يختلط ببخار المراحيض المكشوفة في الطرق ويمتزج بالغبار الناعم المتراكم في محلاتها فيضر في العيون والرئة، لكن ذلك نادر لا يكون إلا حينما يكون الريح شديدا.
تجارتها
حماة بلدة زراعية أكثر منها صناعية. وموارد تجارتها من الحنطة، والشعير، والذرة الصفراء والبيضاء، والحمص، والعدس، والعنب، والبطيخ بنوعيه الأصفر والأخضر، والصوف، والسمن، والغنم، والكمون. يكثر اللبن الخاثر والحليب واللحم والسمن في فصل الربيع والبقية في الصيف، فإذا شحت السماء أجدبت الأرض من أكثر هذه الأصناف وأخذت الثروة تتناقص إذ معظم معيشة الحمويين منها؛ فإن حماة بعيدة عن البحر وتجارته، وليس حولها مدن كبيرة تأخذ منها حوائجها ليكون سوق التجارة رابحا فيها، فالسكان مضطرون لمعاملة المزارع والبادي فإذا غنم غنموا وإن خسر خسروا؛ لهذا لا تنمو ثروة الباعة في حماة فإنهم إذا ربحوا مدة خسروا مثلها وليست كل السنين جيدة.
الصنائع
أما الصنائع فلا تمتاز حماة عن غيرها بها إلا ما هو مسمى بالبياض
80
وبعض المنسوجات الحريرية.
81
أما بقية الصنائع كالحدادة والنجارة والحياكة وغير ذلك فهي باقية على ما كانت عليه من عدم الرقي والتحسين.
إجمال
حماة يفتقر أهلها إلى مؤازرة بعضهم وقيام المفكرين منهم يدا واحدة إلى ما يصلح شئونهم من إعمار المدارس لتربية أبناءهم تربية علمية يعلمون بها الضار من النافع والخير من الشر؛ فإن بلدا كحماة ليست فيها مدرسة يقال لها مدرسة لدليل على شدة انحطاط الأخلاق، فإنهم إن داموا على هذا الحد سبقهم كل أحد ويندمون ولا ينفع الندم. من الضروري أن توجد مدرسة تنقذ الأبناء من الطرق وعلى حافتي النهر وفي البساتين، تنقذهم من الكتاتيب التي اعتاد أصحابها على الضرب المهلك والشتم القبيح. تهذب أخلاقهم، تؤهلهم لأن يكونوا رجالا في مستقبل حياتهم. تفتقر حماة إلى عناية بلديتها بطرقها ونظافتها، وتفقد شئون الباعة الذين لا يكادون يبيعون صنفا إلا مغشوشا سيما المأكولات منها، وربما كانت هذه المأكولات سببا لمضرة كثيرين في أجسامهم؛ وذلك إما لعدم نظافة الآنية الموضوعة فيها، أو لطول مكثها فيتغير طعمها، أو لعدم النضج في الفاكهة وأمثالها مما لا تهضمه المعدة، أو لوضعها على الأرض القذرة مما يدل على جهل في طباع بعض من يعانون هذه الحرف.
هوامش
أفاضل حماة
من البديهي أن المؤرخين لا يعنون في كتب التراجم بذكر غير أولي الفضل من الملوك والعلماء والشعراء ومشاهير الرجال؛ لأنهم هم الرجال الحقيقيون لا غيرهم، وإذا كان لحماة الحظ الأوفر من هؤلاء الرجال فقد ذكرنا من تراجمهم ما أوصلنا البحث والتنقيب إليه، مع الاعتراف بأن رجالا كثيرين لم تصل إلينا أخبارهم فإنها درست بتقادم الزمن. هذا وإننا لا نتجاوز القرن الثالث عشر في تراجم الرجال تاركين رجال القرن الرابع عشر لفرصة أخرى، وبالله التوفيق.
الملك المظفر
تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، صاحب الأوقاف والمدارس الكثيرة في حماة وغيرها. بنى في الفيوم من مصر مدرستين، وبنى مدرسة في الرها. كان أديبا فاضلا شجاعا محدثا، سمع الحديث من الحافظ السلفي وأبي طاهر بن عوف وغيرهما، وله نظم حسن، وقد مدحه الشعراء بأبدع القصائد، ومن الشعراء الذين مدحوه أسعد بن مماتي، قال:
وافى سحر. طيف سحر. ثم نفر. فلا خبر. ولا أثر.
ولو صبر. نلت الوطر. فيا قمر. ليلي سقر. طال السهر.
ولا سمر. إلا الفكر. فلم هجر. وما عذر. هل من قدر.
ينجي الحذر. شيبي ظهر. لا من كبر. بل من خطر.
ريم خطر. ثم زجر. هلا اغتفر. لما اقتدر.
إلى أن قال:
قال البشر. كم لعمر. يوم أغر.
وهكذا مشى في مدحه على هذا النمط. وقد قضى هذا الملك أيامه في الحروب، توفي سنة 587، وقد مر ذكره، وهو الذي حفر خندق قلعة حماة مائة ذراع وفصل الباشورة عن القلعة.
الملك المنصور
محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر، ملك كريم النفس شجاع، عالم يحب العلماء، سمع الحديث في الإسكندرية من الحافظ السلفي، وجمع من الكتب ما لا مزيد عليه، وممن كان يلازمه من العلماء سيف الدين الآمدي، وكان في خدمته في حماة قريب من مائتي عالم من نحاة وفقهاء. كانت حماة في أيامه زاهرة بالعلم. وله باع طويل في التأليف، فمن تآليفه تاريخ كبير على عدد السنين في عدة مجلدات فيه فوائد عظيمة. وكتاب مضمار سر الحقائق وسير الخلائق كبير نفيس يدل على فضل مؤلفه. قال صاحب فوات الوفيات: لم يسبق الملك المنصور إلى هذا الكتاب. وقال الشيخ شهاب الدين القوصي: قرأت على الملك المنصور قطعة من كتاب مضمار سر الحقائق فوجدته لم يسبق إلى مثله.
وله كتاب طبقات الشعراء في عشرة مجلدات. وكان مع ذلك له عناية كبرى بإعمار بلده والنظر في مصالحها، وكان له نظم جميل منه:
سحا الدموع فإن القوم قد بانوا
وأقفر الصبر لما أقفر البان
وأسعداني بدمع بعد بينهم
فالشأن لما نأوا عني له شان
لا تبعثوا في نسيم الريح نشركمو
فإنني من نسيم الريح غيران
سقاهم الغيث من قبلي كاظمة
سحا وروى ثراهم أينما كانوا
ومنه:
ادعني باسمها فإني مجيب
وادر أني مما تحب قريب
حكم الحب أن أذل إليها
نخوة الحب والغرام عجيب
قال أبو الفداء: وتوفي سنة 617. وكانت وفاته في قلعة حماة، ودفن في تربة أبيه بجانب الجامع الأعلى، وهو الذي بنى جسر المراكب.
1
ومن أعماله الجميلة بناء السوق الموجود الآن، سمي سوق المنصورية باسمه ثم نسي الناس هذا الاسم فصاروا يطلقون عليه السوق. وقد رتب فيه الباعة حينما بناه فجعل كل أصحاب حرفة في جهة. وكان لهذا السوق في جهة الموقف قوس
2
كتب عليه المنصور نحتا بالحجارة ما معناه أنه أبطل المكوس والبدع من خراج السمن والعسل والقطن والعصفر والعفص وغير ذلك، ولعن من بدله أو غيره. ومن أثاراته: حمام السلطان الباقية للآن، وقد ظلت في يد الأيوبيين حتى ورثتها فاطمة خاتون بنت بدر الدين حسن، ثم انتقلت لورثتها
3
فبقيت في أيديهم حتى أحكرها محمد بن جهانشاه بن الأمير فرج
4
للعائلة الكيلانية قبيل الألف.
الملك المظفر محمود
ابن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، كان ملكا على حماة، شهما شجاعا فطنا ذكيا، وكان يحب أهل الفضل والعلم، واستخدم الشيخ علم الدين قيصر تعاسيف العالم الفلكي المهندس الفاضل في العلوم الرياضية، فبنى للملك المذكور أبراجا فلكية وطاحونا على النهر العاصي بصورة هندسية عمل لها صورة أسد من حجر نافر، وحجز الماء بحواجز؛ ليعلم أصحاب جميع الأرحية من هذا الحجر سير أرحيتهم إذا طغى النهر، فمتى غمر هذا الحجر بالماء لا تبقى رحى دائرة، ومتى غيض الماء عنها علموا أن الأرحية مشت، وهي باقية إلى الآن تسمى الغزالة. وعمل له تعاسيف أيضا كرة من الخشب مدهونة رسم عليها جميع الكواكب المرصودة. قال القاضي جمال الدين بن واصل: وساعدت الشيخ علم الدين على عملها، وكان المظفر يحضر ويسألنا عن مواضع دقيقة فيها. فهو عالم بالنجوم أيضا، ولما توفي كان عمره ثلاثا وأربعين سنة كأبيه. قلت: وهو مدفون بجانب الجامع الأعلى من جهة الغرب وعلى قبره تابوت من الخشب.
5
الملك المنصور
الملك المنصور ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك المظفر محمود بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
كان مولده سنة 632، ويوم ولادته هنأ أباه به شيخ شيوخ حماة عبد العزيز الأنصاري بقصيدة منها:
غدا الملك محروس الذرى والقواعد
بأشرف مولود لأشرف والد
حبينا به يوم الخميس كأنه
خميس بدا للناس في شخص واحد
وسميته باسم النبي محمد
وجديه فاستوفى جميع المحامد
كأني به في سدة الملك جالسا
وقد ساد في أوصافه كل سائد
ووافاك من أبنائه وبنيهم
بأنجم سعد نورها غير خامد
ألا أيها الملك المظفر دعوتي
ستوري بها زندي ويشتد ساعدي
هنيا لك الملك الذي بقدومه
ترحل عنا كل هم معاود
تولى ملك حماة بعد أبيه وكان عمره عشر سنين - كما تقدم - وقام حينئذ بتدبير المملكة شيخ الشيوخ - المذكور آنفا - إلى أن كبر. كان ذكيا فطنا، محبوب الصورة، حليما للغاية يتجاوز عما يكره ويكتمه ولا يفضح قائله.
من ذلك أن الملك الظاهر بيبرس قدم إلى حماة فرفع إليه أهلها عدة قصص يشكون فيها من الملك المنصور، فأمر بيبرس بجعل القصص في منديل ولم يقرأها، وأرسلها للملك المنصور فأخذها، وقال بعض الجماعة: سوف نرى من تكلم بشيء لا ينبغي، وتكلموا بمثل ذلك، فأمر المنصور بإحضار نار وحرق تلك القصص، ولم يقف على شيء منها لئلا يتغير خاطره على رافعها، وله مثل ذلك كثير. توفي سنة 683، ودفن بجانب أبيه في تربة المظفر في جانب الجامع الكبير من جهة الغرب.
6
أبو الفداء
هو الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل أبو الفداء بن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب.
كان شهما فاضلا عالما عظيما، وكان الملك الناصر ملك البلاد المصرية والسورية يكتب إليه، ويبتدئ كتابه بقوله: يقبل الأرض. وما أشبه ذلك من عبارات التكريم. كان المؤيد ذا مكارم وفضيلة تامة، عالما بالفقه والطب والحكمة والتاريخ والهيئة والجغرافيا وعلوم كثيرة غيرها. وكان محبا لأهل العلم مقربا لهم، وممن كان في خدمته أثير الدين الأبهري صاحب كتاب إيساغوجي وقد رتب له ما يكفيه، وممن كان في خدمته أيضا الشاعر الشهير جمال الدين بن نباتة، وصفي الدين الحلي، وقد رتب لكل منهما في السنة ستمائة درهم غير التحف. وله مؤلفات مفيدة جدا، منها التاريخ المشهور وهو مطبوع متداول معتمد، ومنها كتاب تقويم البلدان في مجلد وهو مطبوع طبع أوروبا، وهو معتمد أيضا وقليل الوجود، ومنها كتاب نظم الحاوي في فقه الشافعي، وكتاب الكناش مجلدات كثيرة جمع فيه النحو والصرف والمنطق وعلم الهيئة وغيرها من العلوم وهو غير مطبوع وقليل الوجود، وكتاب الموازين في علوم كثيرة وهو مفقود . وبالجملة فإن محاسنه كثيرة. وكان له نظم جليل، فمنه:
اقرأ على طيب الحيا
ة سلام صب مات حزنا
أعلم بذاك أحبة
بخل الزمان بهم وضنا
لو كان يشرى قربهم
بالروح والأموال جدنا
متجرع كأس الفرا
ق يبيت للأشواق رهنا
حب قضى وجدا ولم
يقضى له ما قد تمنى
وله:
سرى مسرى الصبا فعجبت منه
من الهجران كيف صبا إليا
وكيف ألم بي من غير وعد
وفارقني ولم يعطف عليا
وله:
أحسن به طرفا أفوت به القضا
إن رمته في مطلب أو مهرب
مثل الغزالة ما بدت في مشرق
إلا بدت أنوارها في المغرب
وله غير ذلك موشحات وسواها. ولابن نباتة ديوان على حدة مطبوع في مدائحه، ومما قاله في رثائه:
ما للندى لا يلبي صوت داعيه
أظن أن ابن شادي قام ناعيه
ما للرجاء قد استدت مذاهبه
ما للزمان قد اسودت نواحيه
نعى المؤيد ناعيه فوا أسفي
للغيث كيف غدت عنا غواديه
كان المديح له عرس بدولته
فأحسن الله للشعر العزا فيه
يا آل أيوب صبرا إن إرثكم
من اسم أيوب صبرا كان ينجيه
هي المنايا على الأقوام دائرة
كل سيأتيه منها دور ساقيه
وله أيضا يرثيه ويهنئ ابنه الأفضل بالملك:
هناء محا ذاك العزاء المقدما
فما عبس المحزون حتى تبسما
ثغور ابتسام في ثغور مدامع
شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما
نرد مجاري الدمع والبشر واضح
كوابل غيث في ضحى الشمس قد همى
سقى الغيث عنا تربة الملك الذي
عهدنا سجاياه أعز وأكرما
ودامت يد النعمى على الملك الذي
تدانت به الدنيا وعز به الحمى
مليكان هذا قد هوى لضريحه
برغمي وهذا للأسرة قد سما
وروضة أصل شادوي تكافأت
فغصن ذوى منها وآخر قد نما
فقدنا لأعناق البرية مالكا
وسمنا لأنواع الجميل متمما
كأن ديار الملك غاب إذا انقضى
به ضيغم أنشا به الدهر ضيغما
كأن عماد الدين غير مقوض
وقد قمت يا أزكى الأنام وأحزما
فإن يك من أيوب نجم قد انقضى
فقد أطلعت أوصافك الغر أنجما
وإن تك أيام المؤيد قد مضت
فقد جددت علياك وقتا وموسما
هو الغيث ولى بالثناء مشيعا
وأبقاك بحرا بالمواهب منعما
وقد رثاه الصفي الحلي بقصائد، منها أنه خمس قصيدة ابن زيدون فقلبها للرثاء، ومما قاله فيه سنة 732:
كان الزمان بلقياكم يمنينا
وحادث الدهر بالتفريق يثنينا
فعندما سمحت فيكم أمانينا
أضحى التنائي بديلا عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
منها:
لم يرضنا أن دعا بالبين طائرنا
شق الجيوب وما شقت مرائرنا
يا غائبين ومأواهم سرائرنا
تكاد حين تناجيكم ضمائرنا
يقضي علينا الأسى لولا تأسينا
منها:
يا سادة كان مغناهم لنا حرما
وكان ربع حماة للنزيل حما
كم قد سقيتم مياه الجود رب ظما
ليسق عهدكم عهد الغمام فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
منها:
نعى المؤيد قوم لو دروا ووعوا
أي الملوك إلى أي الكرام نعوا
أظنه إذ سقانا الود حين سعوا
غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نغص فقال الدهر آمينا
منها:
إذا ذكرت حمى العاصي وملعبه
والقصر والقبة العليا
7
بمرقبه
أقول والبرق سار في تلهبه
يا ساري البرق غاد القصر فاسق به
من كان صرف الهوى والود يسقينا
يا غادي المزن إن وافيت حلتنا
على حماة فجز فيها محلتنا
واقر السلام بها عنا أحبتنا
ويا نسيم الصبا بلغ تحيتنا
من لو على البعد حيا كان يحيينا
سلطان عصر إله العرش بوأه
من المعالي وللخيرات هيأه
براه زينا ومما شان برأه
ربيب ملك كأن الله أنشأه
مسكا وقدر إنشاء الورى طينا
ومنها يعرض بذكر ابنه من بعده:
خلفت بعدك للدنيا وآملها
نجلا يسر البرايا في تأملها
فلم تقل لك نفس في تململها
يا جنة الخلد بدلنا بسلسلها
والكوثر العذب زقوما وغسلينا
وللصفي الحلي في ديوانه المطبوع شيء كثير من مدائحه في أبي الفداء، فمن ذلك قوله من موشح:
أما قال الذي في الحسن زيد
ومن وجد الندى قيدا تقيد
فها أنا في حمى الملك المؤيد
منيع العز ذي مجد مشيد
عماد الدين مغني كل بائس
ومن تغدو الأسود له فرائس •••
أيا ملكا حماني من زماني
وأعطاني أماني والأماني
خفضت برفع شأني كل شأني
وشيدت المعالي والمعاني
ولولا أنت يا مردي الفوارس
لأضحى العلم بين الناس دارس •••
تجرأ من لجودك رام حدا
ومن بالغيث قاسك قد تعدى
وكيف تقاس بالأنواء حدا
وكفك للورى أدنى وأندى
لأن الغيث يسأل وهو حابس
وليس يجود إلا وهو عابس •••
جعلت البيض دامية المآقي
وسمر الخط ترقى في المراقي
مساع للعلى أضحت مراقي
وتلك الصالحات هي البواقي
فترجل فارس الحرب الممارس
وتجعل راجل الإملاق فارس •••
حمدت إليك ترحالي وحالي
وزاد لديك إقبالي وبالي
وقد ضاعفت آمالي ومالي
فلست أطيل عن آلي سؤالي
أفضت علي للنعما ملابس
فصار لدي رطبا كل يابس •••
أأزعم أنني بالمدح جازي
وهل تجزى الحقيقة بالمجاز
ولكن في ارتجالي وارتجازي
إذا قصرت فالله المجازي
فلو نظمت في مدحي نفائس
فإني من قضاء الحق آيس
وكان قد حضر وفاته في حماة فبكى. ولابن نباتة المصري - كما قدمنا - مدائح فيه جميلة، فمن غرر قصائده قوله من قصيدة طويلة:
نرعى عهودك في حل ومرتحل
رعى ابن أيوب حال اللائذ الشاكي
العالم الملك السيار سؤدده
في الأرض سير الدراري بين أفلاك
هذا الذي قالت العليا لأنعمه
لا أصغر الله في الأحوال مهناك
له أحاديث تغني كل مجدبة
عن الحياء وتجلي كل أحلاك
ما بين خيط الدجى والفجر لائحة
كأنها درر من بين أسلاك
كفاك يا دولة الملك المؤيد عن
بر البرية من للفضل أعطاك
لك الفتوة والفتوى محررة
لله ماذا على الحالين أفتاك
أحييت ما مات من علم ومن كرم
فزادك الله من فضل وحياك
ومن يجمع ما جمعت من شرف
في الخافقين ومن يسعى كمسعاك
أنسى المؤيد أخبار الألى سلفوا
في الملك ما بين رهاب وفتاك
ذو المكرمات التي افترت مباسمها
والغيث بالرعد يبدي شهقة الباكي
قل للبدور استجني في الغمام فقد
محا سنا ابن علي حسن مرآك
ومن شعرائه الشيخ شهاب الدين محمود، مدحه بقصيدته التي مطلعها:
أترى محبك بالخيال يفوز
ولنومه عن مقلتيه نشوز
وبالجملة فقد كان أبو الفداء آية باهرة وفردا من أفراد الرجال. ومن آثاره جامعه - المار الذكر - ومقبرة باب الجسر التي وقفها في حياته، وحمام العبيسي الباقية للآن، وقطعة حرم جامع نور الدين الشرقية التي بناها مدرسة للحنفية. وتآليفه النافعة المعتبرة في أقطار الأرض. تولى ابنه الملك الأفضل بعده أوقافه وأوقاف نور الدين حسن مدة حياته، ثم تبعثرت تلك الأوقاف بعده وما زالت تفقد وتتناقص حتى غيرت معالمها وبدلت رسومها. توفي سنة 732، ودفن في جامعه - المشهور بجامع الحيات الآن - بحجرة صغيرة، وتحت هذه الحجرة مغارة كبيرة فرشت أرضها بالرمل الحجازي، وفي وسط الحجرة قبر من حجر الرخام محفور بعض حجارته بالآيات القرآنية، وعند رأسه حجر محفور بما صورته: هذا ضريح العبد الفقير إلى رحمة ربه الكريم إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر شاهنشاه بن أيوب بن عمر في شهور سنة 727. ومن العجائب أن تاريخ القبر سابق تاريخ الوفاة فالذي يظهر أنهم كانوا يهيئون القبر قبل الموت زهدا في الدنيا.
السلطان حسن
بدر الدين حسن شقيق الملك المؤيد المذكور، كان شهما أديبا فاضلا زكيا صاحب خيرات ومبرات، ومن آثاره جامع السلطان وجامع الحسنية
8
وغير ذلك، وقد توفي سنة 726 ومكان لحده مجهول.
شيخ الشيوخ
الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري بن محمد بن عبد المحسن المعروف بشيخ الشيوخ بحماة، كان مولده بجمادى الأولى سنة 586، وكان دينا فاضلا متقدما عند الملوك، وله النثر البديع والنظم البديع، غزير العقل عارفا بتدبير المملكة. ومما وصفه به صاحب فوات الوفيات قوله: هو الإمام العلامة الأديب الشاعر ابن القاضي عبد الله الأنصاري، رحل فيه والده وأسمعه المسند كله من عبيد الله بن أبي المجد الحربي، وقرأ كثيرا من كتب الأدب على الكندي، وسمع من جماعة، وبرع في العلم والأدب، وكان من الأذكياء المعدودين، وله محفوظات كثيرة. سكن ببعلبك مدة، وسكن دمشق، ثم سكن حماة. وكان صدرا كبيرا نبيلا معظما وافر الحرمة كبير القدر. روى عنه الدمياطي، وأبو الحسن اليونيني، وابن الظاهري، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة. وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: لا أعرف في شعراء الشام بعد الخمسمائة وقبلها من نظم أحسن منه ولا أجزل ولا أفصح ولا أصنع ولا أسرى ولا أكثر؛ فإن له في لزوم ما لا يلزم مجلدا كبيرا، وما رأيت له شيئا إلا وكتبته لما فيه من النكت والتوريات الفائقة والقوافي المتمكنة والتركيب العذب واللفظ الفصيح والمعنى البليغ. فمن ذلك قوله:
أفنيت عمري في دهر مكاسبه
نطيع أهواءنا فيه وتعصينا
تسعا وعشرين مد الهم شقتها
حتى توهمتها عشرا وتسعينا
قلت: وكتب الأدب طافحة بأشعاره، ففي خزانة الأدب وبديعية النابلسي منها شيء كثير، وقد رأيت في حماة جزءا مختصرا من أشعاره غير مطبوع. وقال السبكي في الطبقات: ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة، كان من أذكياء بني آدم، وسمع من ابن كليب، ومن أبي اليمن الكندي، وأبي أحمد بن سكينة، ويحيى بن الربيع الفقيه وغيرهم، وبرع في الفقه والشعر وحدث كثيرا، وتوفي سنة اثنتين وستين وستمائة. ومن بديع قوله:
يا نظرة ما جلت لي حسن طلعته
حتى انقضت وأدامتني على وجل
عاتبت إنسان عيني في تسرعه
فقال لي خلق الإنسان من عجل
وقد مر له في هذا التاريخ بعض من شعره.
ابن بكران
محمد بن المظفر بن بكران بن عبد الصمد بن سليمان الحموي. قال السبكي في الطبقات: هو الزاهد الورع علم الأئمة، ولد بحماة سنة 400، ورحل إلى بغداد فسكنها وتفقه بها على أبي الطيب الطبري. وسمع الحديث من عثمان بن دوست، وأبي القاسم بن بشران، وأبي طالب بن غيلان، وأبي الحسن العتيقي وآخرين. وروى عنه أبو القاسم السمرقندي، وإسماعيل بن محمد الحافظ، وهبة الله بن طاووس المقري وغيرهم. وكان أحد المتقنين لمذهب الشافعي، ورعا زاهدا متقنا. وكان قاضي القضاة ببغداد، ولي هذا المنصب بعد وفاة الدامغاني سنة 478، ثم تغير عليه الخليفة المقتدي بالله العباسي، ثم خلع عليه واستقام أمره. قال ابن سكرة: لو رفع مذهب الشافعي من الأرض لأمكن أن يمليه ابن بكران من صدره.
لما أراد الخليفة توليته قضاء القضاة امتنع من القبول فما زالوا يرجونه حتى قبل وشرط عليهم أن لا يأخذ رزقا عليه ولا يقبل شفاعة ولا يغير ملبوسه، فأجيب إلى ذلك، فلم يتبسم في مجلسه قط، وكان لا يقبل من سلطان عطية ولا من صديق هدية، ويسوي بين الرفيع والوضيع في الحكم، ويحافظ على جاه الشرع الشريف. وجاء يوما الخليفة مدعيا، فسأله البينة، فقال الخليفة: بينتي فلان والمشطب. فقال قاضي القضاة: لا أقبل شهادة المشطب لأنه يلبس الحرير. قال الخليفة: إن السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك يلبسان الحرير. قال: ولو شهدا عندي ما قبلت شهادتهما أيضا. وما زال قاضي القضاة حتى توفي 488، وكان يلقب بالشامي.
الشيخ مسلم
ابن خضر بن قسيم الحموي، كان من الشعراء المجيدين، ومن قوله يمدح عماد الدين زنكي حينما حاصر الروم قلعة شيزر في سنة 533 أربعة وعشرين يوما، فجاءهم زنكي ونزل على العاصي بين شيزر وحماة، وفك شيزر من الحصار، وغنم من الروم غنائم كثيرة، فقال مسلم يمدحه:
لعزمك أيها الملك العظيم
تذل لك الصعاب وتستقيم
ألم تر أن ملك الروم لما
تبين أنه الملك الرحيم
وقد نزل الزمان على رضاه
ودان لخطبه الخطب العظيم
فحين رميته بك عن خميس
تيقن فوت ما أمسى يروم
كأنك في العجاج شهاب نور
توقد وهو شيطان رجيم
أراد بقاء مهجته فولى
وليس سوى الحمام له حميم
توفي سنة 543.
البرمكي الحموي
تاج الدين محمد بن هبة الله البرمكي الحموي، سافر من حماة إلى مصر في زمن صلاح الدين الأيوبي وتوطن فيها، كان فقيها فرضيا نحويا ممتلكا إماما من أئمة المسلمين. قال السبكي: إليه مرجع الديار المصرية في فتاويهم. وله نظم كثير، منه أرجوزة سماها حدائق الفصول وجواهر الأصول، صنفها للسلطان صلاح الدين، وهي حسنة جدا عذبة النظم، قال في خطبتها:
فهذه قواعد العقائد
ذكرت فيها معظم المقاصد
حكيت منها أعدل المذاهب
لأنه أشهى مراد الطالب
جمعتها للملك الأمين
الناصر الغازي صلاح الدين
وقال في آخرها:
ثم انتهى تحريرها في شهر
ربيع الأول بعد عشر
وقد مضى من هجرة النبي
محمد ذي الشرف العلي
سبعون عاما قبلها خمسمائة
فاعجب من اللفظ وفضل منشئه
وله أرجوزة أخرى في الفرائض نظمها للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني سماها روضة المرتاض ونزهة الفراض، وكان مدرسا بالمدرسة الصلاحية وخطيبا بالقاهرة كثير الاشتغال بالعلم، وله ديوان خطب أيضا وتعليقات مهمة.
ابن رزين
محمد بن الحسن بن رزين موسى بن عيسى بن موسى العامري الحموي، قاضي القضاة بالديار المصرية، لقبه تقي الدين، وكنيته أبو عبد الله، ولد سنة 603 بحماة. قرأ بعضا من كتاب التنبيه في صغره، ثم انتقل إلى الوسيط فحفظه كله، وحفظ المفصل كله، والمستصفى للغزالي كله، وكتاب ابن الحاجب في الأصول والكافية في النحو. وسافر إلى حلب فقرأ المفصل على موفق الدين بن يعيش، ثم قدم دمشق فلازم الشيخ تقي الدين بن الصلاح وأخذ عنه، وقرأ القراءات على السخاوي وسمع منه ومن كريمته، وحدث عنه قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وآخرون. وولي بدمشق إعادة دار الحديث الأشرفية، ثم تدريس الشامية البرانية، ثم وكالة بيت المال بدمشق، ثم انتقل إلى القاهرة وأعاد بقبة الشافعي رحمه الله، ثم درس بالظاهرية، ثم ولي قضاء القضاة وتدريس الشافعي، وامتنع أن يأخذ على القضاء معلوما. وكان فقيها فاضلا، حميد السيرة، كثير العبادة، حسن التحقيق، ذا علوم كثيرة، مشارا إليه بالفتوى من النواحي البعيدة. توفي في 3 رجب سنة 680.
ابن أبي الدم
إبراهيم بن أبي الدم، ولد في حماة سنة 583 ونشأ فيها، ثم سافر إلى بغداد فسمع الحديث من ابن سكينة وغيره، وحدث بحلب والقاهرة. وله تآليف جليلة، منها: شرح الوسيط، وكتاب أدب القضاة وتاريخ جليل. وله في مذهب الشافعي أقوال مهمة ذكر بعضها في طبقات الشافعية. كان آية باهرة، ورجلا مفردا ملأت شهرته البلاد، وانتفع الناس بتآليفه المنيرة، وكان محترما جليلا مهابا عفيفا ورعا لا يعرف الهزل في قول ولا فعل. توفي سنة 642.
ابن الفقيه
إبراهيم بن نصر بن طاقة المعروف بابن الفقيه، ولد في حماة سنة 572 ونشأ فيها، ثم رحل في طلب العلم، وقرأ على ابن الجوزي، ثم سكن مصر ولقب بالمصري، وكان فقيها أديبا رئيسا وجيها، سمع منه الحديث الحافظ المنذري وغيره، وولي نظر الأحباس ونظر ديوان الأعمال القوصية. وكان له شعر جميل، فمنه في مدح الملك الكامل:
إليك وإلا دلني كيف أصنع
وفيك وإلا فالثناء مضيع
ومنك استفدنا كل مجد وسؤدد
وعنك أحاديث المكارم تسمع
ومن شعره:
أشكو إليك وأنت أر
حم من شكوت إليه حالي
ضاقت علي ثلاثة
رزقي وصدري واحتمالي
وعدمت حسن ثلاثة
جلدي وصبري واحتيالي
وقد امتحن في أيام الصالح نجم الدين أيوب وعوقب بالضرب حتى مات في سنة 638 على أمور تافهة، وكان نادرة زمانه.
ابن بركات
جمال الدين بن بركات الحموي، من أفاضل الرجال، ومن أجل العلماء. له نفس عال في التآليف المفيدة. ومما ألفه من الكتب النافعة كتاب مختصر سر الأوائل والملوك ووسيلة العبد المملوك، ألفه في أواخر القرن السابع، وهو تاريخ نافع. ابتدأ فيه من زمن الجاهلية، وختمه بخلافة المهتدي سنة 255، وهذا التاريخ توجد نسخة منه في باريس. وله تاريخ آخر جميل سماه التاريخ المنصوري وتوجد منه نسخة في بطرسبرج، وله تآليف غيرها.
قاضي القضاة ابن واصل
هو الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن سالم بن واصل قاضي القضاة بحماة، كان مولده سنة 604، وكان فاضلا إماما مبرزا في علوم كثيرة مثل المنطق والهندسة وأصول الدين والفقه والهيئة والتاريخ. وله مؤلفات حسنة منها: مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، ومنها الأنبروزية في المنطق صنفها للإمبراطور ملك الصقالبة - إيطاليا - المسمى فردريك، حينما أرسله الملك الظاهر بيبرس رسولا إلى الإمبراطور المذكور. ومنها: مختصر كتاب الأغاني. قال أبو الفداء: ترددت إليه في حماة مرارا كثيرة، وكنت أعرض عليه ما أحله من أشكال إقليدس في الهندسة وأستفيد منه، وكذلك قرأت عليه منظومة ابن الحاجب في العروض؛ فإن جمال الدين صنف لهذه المنظومة شرحا حسنا مطولا فقرأته عليه، وصححت أسماء من لهم ترجمة في كتاب الأغاني عليه، فرحمه الله ورضي عنه. قلت: ومن كان أبو الفداء تلميذه فهو من أعلم العلماء. توفي الشيخ جمال الدين المذكور سنة 697، ودفن في حماة وقبره مجهول.
ابن رواحة
أبو علي الحسين بن عبد الله خطيب حماة الشهير بابن رواحة، كان أديبا ناثرا شاعرا فاضلا، وقد نسب إليه ابن حجة في خزانة الأدب قوله:
بروحي من لو مر برد بنانه
على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل شيء وهبته
فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
وذكر له صاحب فوات الوفيات قوله:
إن كان يحلو لديك قتلي
فزد من الهجر في عذابي
عسى يطيل الوقوف بيني
وبينك الله في الحساب
وقوله أيضا:
لاموا عليك وما دروا
أن الهوى سبب السعاده
إن كان وصلا فالمنى
أو كان هجرا فالشهاده
وقد كان في القرن السادس ولم أطلع على ذكر مولده ووفاته رحمه الله.
قاضي القضاة ابن جماعة
محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر. قال السبكي في الطبقات: هو شيخنا قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي، حاكم الإقليمين مصرا وشاما، وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى، متحل بالعفاف، منحل إلا عن مقدار الكفاف، محدث فقيه، ذو عقل لا يقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه. مولده سنة 639 بحماة. ولي قضاء القدس مدة، ثم درس بالقيمرية بدمشق، ثم ولي قضاء القدس وخطابتها، ثم أعيد إلى قضاء القضاة بالديار المصرية، وسار في القضاء سيرة حسنة. سمع بديار مصر من أصحاب البوصيري ومن ابن القسطلاني، وأجازه ابن مسلمة وغيره، وقرأ بدمشق على أصحاب الخشوعي، وسمعنا الكثير عليه. ومات في مصر سنة 733 ودفن بالقرافة. قلت: وقد كان له نظم بديع. قال السبكي: ومن شعر قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة ما أنشدنيه ولده سيدنا قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز بقراءتي عليه في القاهرة، قال: أنشدنا والدي لنفسه:
جهات أموال بيت المال سبعتها
في بيت شعر حواها فيه كاتبه
خمس وفيء خراج جزية عشر
وإرث فرد ومال ضل صاحبه
وله أيضا:
أحن إلى زيارة حي ليلى
وعهدي من زيارتها قريب
وكنت أظن قرب العهد يطفي
لهيب الشوق فازداد اللهيب
وقال:
أهني بشهر الصوم من لو بثثته
عظيم اشتياقي رق مما أعانيه
وأشكو إليه حسدا لو بلي بهم
شوامخ خمس هدها ما تقاسيه
ومن كان لا يرضيه من حالتي سوى
خلاف مراد الله ما حيلتي فيه
وله تآليف حسنة، منها: رسالة في الأسطرلاب، ومنها كتاب جليل سماه كشف المعاني بحث فيه عن معاني آي القرآن، فمن بحثه قوله: قال في البقرة:
رب اجعل هذا بلدا آمنا ، وفي إبراهيم:
رب اجعل هذا البلد آمنا ؛ لأن آية البقرة دعا بها إبراهيم عند ترك إسماعيل وهاجر في الوادي قبل بناء مكة، وآية سورة إبراهيم بعد عوده إليها وبنائها. وهكذا مشى في هذا النحو مما لم يسبق إليه. وخلف من الأولاد ابنه الآتية ترجمته.
قاضي القضاة ابن جماعة
عبد العزيز بن محمد بن جماعة ولد سنة 694 بدمشق بالمدرسة العادلية الكبرى بمنزل والده المتقدم الذكر، كان ذا ديانة وتصون وطلب للحديث، سمع كثيرين، ورحل من مصر إلى الشام، وسمع الحديث من أبي المعالي الأبرقوهي وابن عساكر. وولي قضاء القضاة بالديار المصرية، وتدريس زاوية الإمام الشافعي في مصر، وتدريس الفقه والحديث بجامع طولون، وتدريس جامع الأقمر ونظره وغير ذلك من الوظائف، ثم عزل عن قضاء القضاة ثم أعيد إليها بعد ثمانين يوما، واستمر يظهر القلق من هذا المنصب ويؤثر الانقطاع والعزلة ويطلب الإقالة فلا يجاب حتى عزل بعد ذلك نفسه سنة 766. واتفق له ما لم يتفق لغيره، فإن الأمير الكبير يلبغا مدبر المملكة نزل بنفسه - وهو ملك البسيطة - إلى داره ودخل عليه ورجاه أن يعود فأبى، واستمر على الزاوية وجامع طولون وجامع الأقمر، وانفصل عن قضاء القضاة وما يتعلق بهذه الوظيفة، ثم توجه إلى الحجاز وبعد الزيارة عاد إلى مكة فتوفي فيها سنة 767. وبالجملة فإنه كان محبا للحديث ولسماعه معمور الأوقات بذلك، نافذ الكلمة عند الملوك، كثير العبادة، كثير الحج، ونال ما لم ينله أحد من مزيد السعد مع حسن الشهرة ونفاذ الكلمة وطول المدة، وقد كان والده قبل رحيله من حماة يسكن في محلة الباشورة قرب جامع القان.
ابن العديم
هو نجم الدين أبو القاسم عمر بن الصاحب كمال الدين العقيلي الحنفي المعروف بابن العديم، كان علامة زمانه وزينة دهره. مجيدا في أكثر العلوم. عنده من الفنون وعلوم الأدب ما قل أن يكون لغيره. وكان جيد الخط والشعر ذا مروة طبيعية وتحفظ عجيب بحيث إنه لم يحفظ عنه أنه شتم أحدا مدة ولايته. وكان قاضي حماة معتبرا عند الملوك ذا مكانة عظيمة. مشى أهل البلد كلهم في جنازته يوم توفي سنة 734. ورثاه ابن الوردي بأبيات جيدة، منها:
قد كان نجم الدين شمسا أشرقت
بحماة للداني بها والقاصي
عدمت ضياء ابن العديم فأنشدت
مات المطيع فيا هلاك العاصي
وقد آثر صاحب حماة بعد وفاة ابن العديم أن لا ينقطع أمر تولية القضاء من هذا البيت لأهل حماة، فولي بعده ابنه جمال الدين عبد الله وهو شاب أمرد لا نبات بعارضيه.
ابن الفارض
شرف الدين عمر بن المرشد الحموي الأصل، كان لآبائه بيت في حماة ومجد، ثم رحل والده إلى مصر فولد له عمر - المذكور - ونشأ فيها تقيا عابدا زاهدا شاعرا مجيدا، وديوانه مطبوع مرارا، وشعره أشهر من أن يذكر، وتائيته الكبرى لها شروح عديدة، ولديوانه شروح كثيرة. كانت ولادته سنة 576، ووفاته سنة 632.
يحكى أن السلطان محمد الملك الكامل كان يحب أهل العلم ويحاضرهم في مجلس مختص بهم، وكان يميل إلى فن الأدب فتذاكروا يوما في أصعب القوافي. فقال السلطان: من أصعبها الياء الساكنة فمن كان منكم يحفظ شيئا منها فليذكرها. فتذاكروا في ذلك فلم يتجاوز أحد منهم عشرة أبيات. فقال السلطان: أنا أحفظ منها خمسين بيتا قصيدة واحدة وذكرها. فاستحسن الجماعة ذلك. فقال القاضي شرف الدين كاتب سره: أنا أحفظ منها مائة وخمسين بيتا قصيدة واحدة. فقال السلطان: يا شرف الدين، جمعت في خزائني أكثر دواوين الشعراء في الجاهلية والإسلام، وأنا أحب هذه القافية فلم أجد فيها أكثر من الذي ذكرته لكم، فأنشدني هذه الأبيات التي ذكرت ، فأنشده قصيدة الشيخ اليائية التي مطلعها:
سائق الأظعان يطوي البيد طي
منعما عرج على كثبان طي
فقال السلطان: يا شرف الدين، لمن هذه القصيدة فلم أسمع بمثلها؟ وهذا نفس محب. فقال: هذه من نظم شرف الدين عمر بن الفارض. فقال: وفي أي مكان مقامه؟ فقال: كان مجاورا بالحجاز وفي هذا الزمن حضر إلى القاهرة وهو مقيم بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر. فقال السلطان: يا شرف الدين، خذ منا ألف دينار وتوجه إليه وقل عنا: ولدك محمد يسلم عليك ويسألك أن تقبل هذه منه برسم الفقراء الواردين عليك. فإذا قبلها فاسأله الحضور إلينا لنأخذ حظنا من بركته. فقال: مولانا السلطان يعفيني من ذلك، فإنه لا يأخذ الذهب ولا يحضر، ولا أقدر بعد ذلك أن أدخل عليه حياء منه. فقال السلطان: لا بد من ذلك. فأخذ القاضي الذهب وتركه مع إنسان في صحبته وقصد مكان الشيخ فوجده واقفا على الباب ينتظره. فابتدأه بالكلام وقال: يا شرف الدين، ما لك ولذكري في مجلس السلطان؟ رد الذهب ولا تجئني إلى سنة. فرجع وقال للسلطان: وددت أن أفارق الدنيا ولا أفارق رؤية الشيخ سنة. فقال السلطان: مثل هذا الشيخ يكون في زماني ولا أزوره فلا بد لي من زيارته ورؤيته. فنزل السلطان في الليل إلى المدينة مستخفيا هو وفخر الدين عثمان الكاملي وجماعة من الأمراء الخواص عنده. فلما أحس بهم الشيخ خرج من الباب الآخر الذي بظاهر الجامع وسافر إلى الإسكندرية وأقام بالمنار أياما ثم رجع إلى الجامع الأزهر. فبلغ السلطان حضوره وأنه متوعك المزاج، فأرسل إليه مع فخر الدين الكاملي يستأذنه أن يجهز له ضريحا عند قبر أمه بقبة الإمام الشافعي فلم يأذن له الشيخ، ثم سأله أن يبني له تربة تكون مزارا مختصا به فلم ينعم له بذلك، ثم نصل من ذلك التوعك وعافاه الله.
عبد الرحيم البارزي
هو عبد الرحيم نجم الدين بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة بن حسان نجم الدين الجهني الحموي الشافعي البارزي، قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها، ولد في حماة، كان إماما فاضلا فقيها أصوليا خيرا، له في العلوم النقلية والعقلية باع طائل ونظر عال، ونال قضاء القضاة في الديار الحموية، ولم يأخذ على القضاء رزقا، وكان مشكور الأحكام وافر الدراية والديانة محبا للفقراء والصالحين. درس وأفتى وصنف التصانيف الحسنة، حدث عن موسى بن الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من أبيه الشيخ إبراهيم البارزي. قال الذهبي: كان عبد الرحيم البارزي إماما فاضلا فقيها، ومن مشايخه القاسم بن رواحة الحموي، توفي سنة 683 في تبوك على طريق الحج ونقل فدفن في البقيع. وكان له شعر حسن، فمنه:
يقطع بالسكين بطيخة ضحى
على طبق في مجلس لأصاحبه
كبدر ببرق قد شمس أهلة
لدى هالة في الأفق بين كواكبه
ومنه يخاطب الملك المنصور صاحب حماة:
خدمتك بالشباب وها مشيبي
أكاد أحل منه اليوم رمسا
فراع لخدمتي عهدا قديما
وما بالعهد من قدم فينسى
ومنه:
إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا
فلا أضلعي تهدا ولا عبرتي ترقا
وإن ناح فوق البان ورق حمائم
سحيرا فنوحي في الدجى علم الورقا
فرفقا بقلب في ضرام غرامه
حريق وأجفان بأدمعها شرقا
سميري من سعد خذا نحو أرضهم
يمينا ولا تستبعدا نحوها الطرقا
وعوجا على أفق توشح شيحه
بطيب الشذا المسكي أكرم به أفقا
فإن به المغنى الذي نزلوا به
ومن ذكره يشفى الفؤاد ويسترقى
ومن دونهم عرب يرون نفوس من
يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا
بأيديهم بيض بها الموت أحمر
وسمر لدى هيجائهم تحمل الزرقا
وقولا محب حل بالشام جسمه
ومنه فؤاد بالحجاز غدا ملقى
تعلقكم في عنفوان شبابه
ولم يسل من ذاك الغرام وقد أنقى
وكان يمني النفس بالقرب فاغتدى
بلا أمل إذ لا يؤمل أن يبقى
قلت: والبارزيون كانوا هم آل المجد والعلم في حماة وإليهم يشار بالبنان، وقد ظهر للوجود منهم فضلاء عديدون، وكانت لهم الدرر النفيسة من العقارات الجيدة، وقد داموا في حماة إلى القرن الحادي عشر، ثم رحل أواخرهم إلى دمشق الشام فسكنوا في الصالحية، ولم يبق في حماة إلا من ينتسب إلى أولئك نسبة ضعيفة
9
وهم يسكنون في محلة سوق الشجرة.
قاضي حلب البارزي
هو فخر الدين عثمان بن كمال الدين محمد بن البارزي الجهني الحموي، نشأ في حماة وقرأ فيها العلوم على آبائه، ثم عين قاضيا لحلب وفيها توفي فجأة سنة 730 بعد أن توضأ وجلس في مجلس الحكم ينتظر إقامة العصر، وكان يحفظ كتاب الحاوي في الفقه وله عليه شرح جميل في ستة مجلدات، وكان يحفظ الحاجبية في النحو والتصريف أيضا، وكان ذا عفة وشهامة وورع وصداقة، وحينما توفي أسف عليه الحلبيون والحمويون أسفا شديدا رحمه الله تعالى.
شرف الدين البارزي
هو قاضي القضاة شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة عبد الرحيم نجم الدين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي القضاة شمس الدين أبي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد بن البارزي الجهني الحموي الشافعي، علم الأئمة وعلامة الأمة. تعين عليه القضاء في حماة فقبله، وتورع عن المعلوم من بيت المال فما أكله، بل فرش خده لخدمة الناس، ولم يعزر أحدا ولا ضربه ولا أسقط شاهدا، هذا مع نفوذ أحكامه وقبول كلامه، والمهابة الوافرة والجلالة الظاهرة، والتواضع للفقراء والمساكين. أفنى شبيبته في التقشف والعبادة وطلب العلم، وشيخوخته في تصنيف الكتب الجيدة، وطلب مرات لقضاء الديار المصرية فأبى وقنع بمصره، واجتمع عنده من الكتب ما لم يجتمع لأهل عصره، وشدت إليه الرحال من البلاد البعيدة يتعلمون منه، وصار المعول في الفتاوى عليه، واشتهرت مصنفاته في حياته بخلاف العادة. قال في طبقات الشافعية: وسمع من أبيه وجده، ومن الشيخ عز الدين الفاروثي والشيخ جمال الدين بن مالك. وأجازه الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والشيخ نجم الدين البادراني، والحافظ رشيد الدين العطار وأبو شامة. وانتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام، وقصد من الأطراف، وكان إماما بالمذهب وفنون كثيرة. وقال الذهبي في المعجم: كان عديم النظير، وله خبرة تامة بمتون الأحاديث، وانتهت إليه رياسة المذهب.
وله التصانيف الكثيرة. فمن مؤلفاته: كتاب البستان في التفسير 6 مجلدات، وكتاب روضات المحبين اثنا عشر مجلدا، وكتاب المجتبى مختصر جامع الأصول في الحديث، وكتاب الوفا في أحاديث المصطفى، وكتاب المجرد من المسند أربع مجلدات، وكتاب إظهار الفتاوي في شرح الحاوي في الفقه، وكتاب تيسير الفتاوي من تحرير الحاوي، وكتاب شرح نظام الحاوي أربع مجلدات، وكتاب المغني مختصر التنبيه، وكتاب تمييز التعجيز، وكتاب توثيق عرى الإيمان، وكتاب السرعة في القراءات السبعة، وكتاب الدراية لأحكام الرعاية. ومن نثره الذي يقرأ عكسا وطردا قوله: «سور حماه بربها محروس.» ولد سنة 645 بحماة، وتوفي سنة 738.
ولما بلغ زين الدين بن الورد خبر وفاته رثاه بقصيدة، منها يخاطب ابن بنته القاضي نجم الدين البارزي:
برغمي أن بيتكم يضام
ويبعد عنكم القاضي الإمام
سراج للعلوم أضاء دهرا
على الدنيا لغيبته ظلام
تعطلت المكارم والمعالي
ومات العلم وارتفع الطغام
عجبت لفكرتي سمحت بنظم
أيسعدني على شيخي نظام
وأرثيه رثاء مستقيما
ويمكنني القوافي والكلام
ولو أنصفته لقضيت نحبي
ففي عنقي له نعم جسام
حشا أذني درا ساقطته
عيوني يوم حم له الحمام
لقد لؤم الحمام فإن رضينا
بما يجني فنحن إذن لئام
ألا يا عامنا لا كنت عاما
فمثلك ما مضى في الدهر عام
ومنها:
ولما قام ناعيه استطارت
عقول الناس واضطرب الأنام
ولو يبقى سلونا من سواه
فإن بموته مات الكرام
أألهو بعدهم وأقر عينا
حلال اللهو بعدهم حرام
فيا قاضي القضاة دعاء صب
برغمي أن يغيرك الرغام
ويا شرف الفتاوى والدعاوى
على الدنيا لغيبتك السلام
ويا ابن البارزي إذا برزنا
بثوب الحزن فيك فلا نلام
سقى قبرا حللت به غمام
من الأجفان إن بخل الغمام
إلى من ترحل الطلاب يوما
وهل يرجى لذي نقص تمام
ومن للمشكلات وللفتاوى
وفصل الأمر إن عظم الخصام
وكان خليفة في كل فن
وعينا للخليفة لا تنام
ألا يا بابه لا زلت قصدا
لأهل العلم يغشاك الزحام
فإن حفيد شيخ العصر باق
يقل به على الدهر الملام
أنجم الدين مثلك من تسلى
إذا فدحت من النوب العظام
وفي بقياك عن ماض عزاء
قيامك بعده نعم القيام
إذا ولى لبيتكم إمام
عديم المثل يخلفه إمام
وفي خير الأنام لكم عزاء
وليس لساكن الدنيا دوام
أنا تلميذ بيتكم قديما
بكم فخري إذا افتخر الأنام
وإن كنتم بخير كنت فيه
ويرضيني رضاكم والسلام
لكم مني الدعاء بكل أرض
ونشر الذكر ما ناح الحمام
وبالجملة فقد كان رحمه الله تعالى محبوبا ممدوحا عالي الجناب.
محمد البارزي
هو ناصر الدين محمد بن البارزي الجهني صاحب دواوين الإنشاء في البلاد الإسلامية، نشأ في حماة وغذي لبان العلم فيها، وطبقت شهرته البلاد الشاسعة، وهو الذي أمر تقي الدين بن حجة بتأليف كتاب خزانة الأدب، ولابن حجة فيه مدائح بديعة ذكر بعضها في خزانة الأدب، فمنها وقد كتب بها من مصر سنة 802 إلى حماة:
يا ساكني مغنى حماة وحقكم
من بعدكم ما ذقت عيشا طيبا
ومهالك الحرمان تمنع عبدكم
من أن ينال من التلاقي مطلبا
وإذا اشتهيت السير نحو دياركم
قرأ النوى لي في الأواخر من سبا
وقد التفت إليك يا دهري بطو
ل تعتبي ويحق لي أن أعتبا
قررت لي طول البعاد وظيفة
وجعلت دمعي في الخدود مرتبا
وأسرتني لكن بحق محمد
يا دهر كن في مخلصي متسببا
فمحمد ومدينة قد حلها
لم ألق غيرهما لقلبي مطلبا
مولى إذا قصد الزمان بلحنه
خفضي غدا عن رفع قدري معربا
ذو رتبة نصب السعود بيوتها
من فوق هام الفرقدين وطنبا
وفضائل أرست على حلل العلو
م برقمها الزاهي طرازا مذهبا
وكتابة منسوبة لكن إلى
عين الكمال وحقها أن تنسبا
وإذا تسنم ذروة من منبر
لخطابة فابن الخطيب هنا هبا
من بيت فضل قد علت طبقاته
وأراه للعلم الشريف مبوبا
وإذا وقفت لحاجة في بابه
تلقاه بابا للنجاح مجربا
يا كاتب الأسرار يا من فضله
قد جمل الدنيا وزان المنصبا
أقلامك السمر الرشاق إذا انثنت
أغنت نهار الخطب عن بيض الظبا
سود العيون كأنما ألحاظها
قد كحلت بسواد أحداق الظبا
ومما مدحه فيه قوله من قصيدة أولها:
خل التعلل في حمى يبرين
فهوى حماة هو الذي يبريني
وأطع ولا تذكر مع العاصي حمى
ما في وراء النهر ما يرضيني
ومنها:
يا نازلين حمى حماة نعمتم
فيها صباحا نوره يهديني
قد كنت أنساها برؤيتكم وقد
صرتم بها فالصبر غير معيني
غبتم وهذا محضري لي شاهد
بالعسر من صبر وبالمضمون
وحللتم دار السعادة بالحمى
فبحقكم بالبعد لا تشقوني
ذنبي عظيم لانقطاعي عنكم
فلأجله في مصر لا تبقوني
وتكونت نار اشتياقي في الحشا
لفساد تكويني فدع تكويني
وعجزت ضعفا عن وفا دين اللقا
فترفقوا بفؤادي المرهون
فعسى يزول ظلام بعدي عنكم
وأرى ضياء القرب من شمسين
ولرقة فيكم أظن بأنكم
حنيتم طربا لرجع حنيني
هذي غراميات صب ما له
أرب بتورية ولا تضمين
لكن إذا ذكروا بديع مدائح
في البارزي فكل فوق دوني
ما القصد فخري إنما أنا عبده
فالشك أدفعه بحسن يقين
الغصن نسقيه وغصن يراعه
يسقي الورى لكن أنا ينشيني
والطرس وهو مطوق بيمينه
ينسي السواجع معرب التلحين
هو كامل في فضله وعلومه
والله أعطاه كمال الدين
حسنت لياليه وأيام له
فهدى الزمان بطرة وجبين
يا صاحب البيت الذي عن وصفه
قد أحجمت شعراء هذا الحين
إن جاء نظمي قاصرا عن وصفه
عذرا فهذي نشطة الخمسين
ونعم كبرت وبان عجزي إنما
كانت مسرات اللقا تصبيني
وحجبتموني عن حماة وغبتمو
عني فهذا من فنون جنوني
لا زلتم بكمالكم في نعمة
مقرونة بالنصر والتمكين
وكانت وفاته في أواسط القرن التاسع.
ابن حماد
هو العلامة الخطيب جمال الدين يوسف بن محمد بن مظفر بن حماد الحموي الشافعي، كان خطيبا في الجامع الأعلى، دينا عالما فاضلا، قرأ على مؤمل البالسي والمقدار القيسي، وحفظ كثيرا من الأحاديث، وحدث واشتغل وأفتى، وكان على قدم عال من العبادة والإفادة رحمه الله. توفي سنة 733.
الخباز الحموي
هو الشيخ يحيى الخباز الحموي، كان فاضلا شاعرا مشهورا، ومن شعره:
لئن وعدت بالوصل سلمى وأخلفت
فسلها عسى العذر المبين يقوم
ولا تبدها باللوم قبل سؤالها
لعل لها عذرا وأنت تلوم
وله غير ذلك أشعار كثيرة أورد بعضها صاحب خزانة الأدب في نوع التورية.
ابن قرناص
محي الدين بن قرناص الأديب الناثر الشاعر، صاحب الباع الطويل في فنون الأدب والشعر، كان له نظم محبوب، فمنه في بعض حدائق حماة:
وحديقة غناء ينتظم الندى
بفروعها كالدر في الأسلاك
والبدر يشرق من خلال غصونها
مثل المليح يطل من شباك
وقوله:
لقد عقد الربيع نطاق زهر
يضم لغصنه خصرا نحيلا
ودب من العشي عذار طل
على نهر حكى خدا أسيلا
وقوله:
من لقلب من جور ظبي هواه
لي شغل عن حاجر والعقيق
خصره تحت أحمر البند يحكي
خنصرا فيه خاتم من شقيق
وقوله:
قد أتينا الرياض حين تجلت
وتحلت من الندى بجمان
ورأينا خواتم الزهر لما
سقطت من أنامل الأغصان
وغير ذلك شيء كثير. وقد تقدم ذكر آل قرناص فيما سبق.
محب الدين الحموي
هو القاضي محب الدين بن تقي الدين الحموي. قال الخفاجي: نزيل الشام وشامة من بها من الوجوه والأعلام، ذو كمال وأدب وعزة من نظم ونثر وكتب وشعر، إذا حل بناد تهلل صدره وانشرح وتزينت بدرر كلماته عقود الملح. قلت: وقد نشأ في حماة وبها تعلم العلم والأدب ثم رحل إلى دمشق وفيها توفي، ومن شعره:
أتينا فسلمنا عليها عشية
فغنا لنا فيها الحمام وحيانا
وأبدى لنا ثغر الأقاحي تبسما
وأحسن ملقانا وأكرم مثوانا
وما هي إلا جنة قد تزخرفت
ألم تر فيها العين حورا وولدانا
ومن تحتها الأنهار تجري وكلها
عيون إلى الروضات ترسل غدرانا
وله تآليف منها كتاب شرح شواهد التفسير مختصر، رحمه الله.
مقلد بن منقذ
هو أبو الفتوح مقلد بن منقذ الكناني الملقب بمخلص الدولة. قال ابن خلكان: كان رجلا نبيل القدر رزق السعادة في بنيه وحفدته، وكان مقيما بالقرب من قلعة شيزر عند جسر بني منقذ المنسوب إليهم، وكانت أشغالهم في حماة ولهم فيها عقار نفيس وبيوت. قلت: ومقلد هذا هو والد ملوك شيزر، وقد ذكرته في تراجم الحمويين لأن شيزر من توابع حماة وفي جهتها الغربية. وبالجملة فقد كان هذا الرجل أميرا عظيما. وقد رثاه القاضي أبو يعلى حمزة بن عبد الرزاق أبي الحصين بقصيدة يعلم قارئها حقيقة فضائل المرثي، وهي:
ألا كل حي مقصدات مقاتله
وآجل ما يخشى من الدهر عاجله
وهل يفرح الناجي السليم وهذه
خيول الردى قدامه وحبائله
لعمر الفتى إن السلامة سلم
إلى الحين والمغرور بالعيش آمله
فيسلب أثواب الحياة معارها
ويقضي غريم الدين من هو ماطله
مضى قيصر لم تغن عنه قصوره
وجندل كسرى ما حمته جنادله
وما صد هلكا عن سليمان ملكه
ولا منعت منه أباه سرابله
ولم يبق إلا من يروح ويغتدي
على سفر ينأى عن الأهل قافله
وما نفس الإنسان إلا خزامة
بأيدي المنايا والليالي مراحله
فهل غال بدأ مخلص الدولة الردى
وهل تنزوي عمن سواه غوائله
ولكنه حوض الحمام ففارط
إليه وتال مسرعات رواحله
لقد دفن الأقوام أروع لم تكن
بمدفونة طول الزمان فضائله
سقى جدثا هالت عليه ترابه
أكفهم طل الغمام ووابله
ففيه سحاب يرفع المحل هديه
وبحر ندى يستغرق البر ساحله
كأن ابن نصر سائرا في سريره
حياء من الوسمي أقشع هاطله
يمر على الوادي فتثني رماله
عليه وبالنادي فتبكي أرامله
سرى نعشه فوق الرقاب وطالما
سرى جوده فوق الركاب ونائله
أناعيه إن النفوس منوطة
بقولك فانظر ما الذي أنت قائله
بفيك الثرى لم تدر من حل بالثرى
جهلت وقد يستصغر المرء جاهله
هو السيد المهتز للتم بدره
وللجود عطفاه وللطعن عامله
أفاض عيون الناس حتى كأنما
عيونهم مما تفيض أنامله
فيا عين سحي لا تشحي بسائل
على ماجد لم يعرف الشح سائله
متى سألوه المال تبدو بنانه
وإن سألوه الضيم تبدو عوامله
وكم عاد منه بالخسار مقنع
وكم نال منه قانع ما يحاوله
له الغلب القاضي على كل باسل
يجالده أو كل خصم يجادله
مجالسه في روضة طلها الندى
ولكنه في المجد مات مساجله
فيا عمره أنى قصرت ولم تطل
منازله بل كفه بل حمائله
جرت تحته العلياء ملء فروجها
إلى غاية طالت على من يطاوله
فما مات حتى نال أقصى مراده
كما يستسر البدر تمت منازله
فتى طالما يعتاده الجيش عافيا
فينزله أو عاديا فينازله
صفوح عن الجاني وصفحة سيفه
إذا هي لم تقتله فالصفح قاتله
وأدمى عسيب الطرف بعدك هلبه
وعادته أن يقذف الدم كاهله
فيا طرفه ما كان عجزك حاملا
إذا صارم لو أن ظهرك حامله
لقد كثر الملبوس بعد مروع
جرت ببيان المشكلات شواكله
إذا ظن لا يخطي كأن ظنونه
على ما يظن الناس عنه دلائله
فلا رحلت عنه نوازل رحمة
ضحاه بها موصولة وأصائله
وروى ثراه منهل العفو في غد
فقد روت العافين أمس مناهله
قضى الله أن يردى الأمير وهذه
صوافنه موفورة ومناصله
وكل فتى كالبرق إبريق غمده
إذا شامه أو كالذبابة ذابله
فليت ظباه صلت اليوم خلفه
فظلت على غير الصيام صواهله
بني منقذ صبرا فإن مصابكم
يصاب به حافي الأنام وناعله
لقد جل حتى كل واجد لوعة
إذا لج فيها ليس يوجد عاذله
إذا صوحت أيدي الرجال فأنتم
بني منقذ روض الندى وخمائله
وإن فر من وزر الزمان مقرح
فإنكم أوزاره ومعاقله
وصاحب علي الصبر عنه فما غوى
مصاحب صبر عن حبيب يزايله
وما نام حتى قام منك وراءه
أخو يقظات وافر العزم كامله
كأنكما تومان في فلك العلا
فطالعه هذا وذلك آفله
وما كفلوك الأمر إلا لعلمهم
قيامك بالأمر الذي أنت كافله
سعيت إلى نيل المكارم سعيه
ولو كنت لا تسعى كفتك فواضله
ولم تر أن ترقى بما كان فاعلا
أجل إنما المرفوع بالفعل فاعله
لعمرك إني في الذي عنك كله
شريك عنان ناصح الود ناهله
وكيف خلو القلب من ذلك الهوى
وقد خلدت بين الشغاف دواخله
قال ابن خلكان: وإن كانت طويلة لكنها غريبة قليلة الوجود بأيدي الناس، وما رأيت أحدا قط يحفظ منها إلا أبياتا يسيرة فأحببت ذكرها لذلك. وقد توفي الأمير منقذ سنة 435.
المظفر الشيزري
هو أسامة أبو المظفر بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي [الشيزري] الملقب مؤيد الدولة مجد الدين، من أكابر بني منقذ ملوك قلعة شيزر التابعة حماة، كان عالما شجاعا، وله تصانيف عديدة في فنون الأدب، تنقل في البلاد واجتمع بالأفاضل والملوك، وله شعر بديع، فمنه:
لا تستعر جلدا على هجرانهم
فقواك تضعف عن صدود دائم
واعلم بأنك إن رجعت إليهم
طوعا وإلا عدت عودة راغم
وقال وقد احترقت دار لرجل مصري يسمى ابن طليب:
انظر إلى الأيام كيف تسوقنا
قسرا إلى الإقرار بالأقدار
ما أوقد ابن طليب قط بداره
نارا وكان خرابها بالنار
وقال:
اعجب لضعف يدي عن حملها قلما
من بعد حطم القنا في لبة الأسد
وكتب لأبيه مرشد جوابا على أبياته:
وما أشكو تلون أهل ودي
ولو أجدت شكيتهم شكوت
مللت عتابهم ويئست منهم
فما أرجوهم فيمن رجوت
إذا أدمت قوارصهم فؤادي
كظمت على أذاهم وانطويت
ورحت عليهم طلق المحيا
كأني ما سمعت ولا رأيت
تجنوا لي ذنوبا ما جنتها
يداي ولا أمرت ولا نهيت
ولا والله ما أضمرت غدرا
كما قد أظهروه ولا نويت
ويوم الحشر موعدنا وتبدو
صحيفة ما جنوه وما جنيت
ومنه:
شكا ألم الفراق الناس قبلي
وروع بالنوى حي وميت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي
فإني ما سمعت ولا رأيت
وقال في ضرس قلعه:
وصاحب لا أمل الدهر صحبته
يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فحين بدا
لناظري افترقنا فرقة الأبد
كان مولده سنة 488 في قلعة شيزر، ووفاته سنة 584 في دمشق، ودفن شرقي قاسيون على جانب نهر بردى الشمالي.
سديد الملك
هو أبو الحسن سديد الملك علي بن مقلد بن منقذ الكناني [الشيزري] صاحب قلعة شيزر، كان شجاعا مقداما قوي النفس كريما، وهو أول من ملك قلعة شيزر من بني منقذ، وكانت القلعة بيد الروم فحدثته نفسه بأخذها فنازلها وتسلمها بالأمان في رجب سنة 474، ولم تزل في يده ويد أولاده إلى أن جاءت زلزلة سنة 552 فهدمتها وقتلت كل من فيها من بني منقذ كما تقدم . وكان سديد الملك المذكور مقصودا، وخرج من بيته جماعة نجباء أمراء فضلاء كرماء، ومدحه جماعة من الشعراء كابن الخياط والخفاجي وغيرهما. وكان له شعر جيد أيضا، فمنه قوله وقد غضب على مملوك له وضربه:
أسطو عليه وقلبي لو تمكن من
كفي غلهما غيظا إلى عنقي
وأستعير إذا عاقبته حنقا
وأين ذل الهوى من عزة الحنق؟
وكان موصوفا بقوة الفطنة. وينقل عنه حكاية عجيبة، وهي أنه كان يتردد إلى حلب قبل تملكه شيزر - وملك حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن مرداس - فجرى أمر خاف سديد الملك المذكور على نفسه منه، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام - وصاحبها يومئذ جلال الملك بن عمار - فأقام عنده، فتقدم ملك حلب إلى كاتبه أبي نصر محمد بن الحسن بن علي بن النحاس الحلبي أن يكتب إلى سديد الملك كتابا يتشوقه ويستعطفه ويستدعيه إليه، وفهم الكاتب أنه يقصد له شرا - وكان صديقا لسديد الملك - فكتب الكتاب كما أمر إلى أن بلغ إلى «إن شاء الله تعالى» فشدد النون، فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عرضه على صاحب طرابلس ومن في مجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب واستعظموا ما فيه من رغبة صاحب حلب فيه وإيثاره لقربه، فقال سديد الملك: إني أرى في الكتاب ما لا ترون. ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب: «أنا الخادم المقر بالإنعام» وكسر الهمزة من «أنا» وشدد النون. فلما وصل الكتاب إلى محمود صاحب حلب ووقف عليه الكاتب سر بما فيه، وقال لأصدقائه: قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى على سديد الملك وقد أجاب بما طيب نفسي. وكان الكاتب قصد قول الله تعالى:
إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك ، فأجاب سديد الملك بقوله تعالى:
إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها ، فكانت هذه معدودة من تيقظه. وكانت وفاته سنة 475 رحمه الله.
الخيثمي
قاضي القضاة تقي الدين أبو بكر بن الخيثمي الحنفي الحموي. كان في الغاية القصوى من الفضل وعلوم الأدب. كان يراسله من مصر تلميذه ابن حجة ويمدحه بأبيات جميلة يذكر فيها بعض صفاته الجليلة، فمنها قوله فيه سنة 820:
هواي بسفح القاسمية
10
والجسر
إذا هب ذاك الريح فهو الهوى العذري
وفقري إلى رشف الرضاب الذي حلا
من النهر حلا سائل الدمع في النحر
ولي ثم بين المسجدين
11
معاهد
بها هدمت تلك المعاهد من صبري
يروق امتداد الجسر
12
والقصر
13
فوقه
فيحلو طباق العيش بالمد والقصر
وقد أصبحت تلك الجزيرة
14
جنة
ألم تنظروا الأنهار من تحتها تجري
تفوق عيون الزهر فوق شطوطها
عيون المها بين الرصافة والجسر
وعاص رحيب الصدر قد خر طائعا
ودولابه كالقلب يخفق بالصدر
وقد أشبه الخنساء نوحا وأنة
وها دمعه قد جاء يجري على صخر
فيا جيرة العاصي إذا ذقت ماءكم
أهيم كأني قد ثملت من السكر
ولولا بقايا طعمه في مذاقتي
لما ظهرت هذي الحلاوة في شعري
وكم رام هذا البحر يشبه لطفه
فقلت انزلوا بالله في ساحل البحر
فآها على وادي حماة تأسفا
خلافا لمن قد قال آها على مصر
فكم مر لي فيها حلاوة ليلة
فكانت شبيه الخال في وجنة العمر
وفي غيرها قد صرت أقضي لياليا
تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وإن كان قدري في طرابلس علا
وقد لقيتني وهي باسمة الثغر
فإن فراق الإلف والخل والهوى
وفقد الحمى والأهل صعب على الحر
بلاد بها نيطت علي تمائمي
وحزت بها ما حزت من رفعة القدر
وإن كنت فيها قد أصبت بغلطة
15
من الدهر إني قد صفحت عن الدهر
فيا ساكني مغنى حماة نعمتم
صباحا ولو ألغيتم في الهوى ذكري
فودي ودي مثل ما تعهدونه
ولكن صبري عنكم عاد كالصبر
وقد كنت أخشى هجركم قبل بعدكم
فلما بعدتم قلت آها على الهجر
وإن جلت في ميدان نظمي تشوقا
تسابقني حمر المدامع بالنثر
فإن تعربوا بالفتح باب لقائكم
فقلبي لطول البعد يعرب بالكسر
وشيعي همي كلما رام بعدكم
يحاربني ناديت يالأبي بكر
أياديه بحر وهو بر فهاجروا
إليه تنالوا الخير في البر والبحر
أياد إذا زادت أصابع نيلها
ووفت رأينا الجبر في ساعة الكسر
وتبسم إن جادت بقطر الندى كما
تبسم ثغر الزهر عن شنب القطر
وهذا وكم أبدت إلينا تكاثرا
من العلم دلت أنه واحد العصر
وإن تبع النعمان فهو شقيقه
بزهر علوم أينعت منه في القدر
وقال زماني وهو مثر من الورى
على مثله أصبحت في غاية الفقر
تبارك من أنشاه معنى وصورة
وخص المحيا بالطلاقة والبشر
يعز على قلبي فراق مقامه
وها أنا من بعد المقام بلا حجر
فيا سيدي قاضي القضاة ومن به
سموت إلى دست ابن قادمة النسر
مدحتك لكن زاد مدحي صبابة
إليك وأزكى جمرة الشوق في صدري
وجدد لي وجدا وما كنت ناسيا
ولكنه تجديد ذكر على ذكر
فلاطف عنا قلبي بحق محمد
بطي كتاب تنعش القلب بالنشر
لأني في قيد من البين موثق
ولا زلت تسعى في فكاكي من الأسر
وخذها قصيدا أنت نافث سحرها
قديما وقد جاءتك تنفث بالسحر
فلا زلت في مستقبل العز دائما
وفي كل جال لم تزل ماضي الأمر
خطيب الدهشة
هو الشيخ القدوة العلامة أبو الثناء نور الدين محمود الشافعي خطيب جامع الدهشة بحماة. كان أديبا ذكيا فاضلا عالي الجناب، وقد رزق ذرية مباركة أكثرهم علماء، منهم القاضي الفاضل كمال الدين، ومنهم العلامة محمود.
16
وقد مدح ابن حجة صاحب الترجمة بأبيات، منها:
قلت أعجزتني ولكن في العص
ر خطيبا غدا إمام الفروع
فهو مفتاح باب كل بيان
بجنان ينشي بديع البديع
فإذا ما نظرت زهر معاني
ه تنزهت في زمان الربيع
أنا إن كان قد حلا عذب نظمي
فهو من أصل ذلك الينبوع
ذو علوم تحجبت عن سواه
فتسمت ذات الجناب المنيع
فضله وافر طويل مديد
كامل جاء بالوفاء السريع
بحياء يهدي إلي صنيعا
وكأن الصنيع كان صنيعي
إن علا عود منبر كان يجري ال
ماء في العود من مسيل الدموع
وإذا قال خطبة تنشئ النا
س بإنشاء ذلك التسجيع
يا إماما أضحى لعيني نورا
وغدا حمده بلفظ الجميع
لا برحتم في الناس حلة مدح
من بديع الأوصاف في توشيع
ابن حجة
تقي الدين أبو بكر محمد بن حجة. ولد في حماة ونشأ فيها، وقرأ فنون الأدب على شيخه القضامي والخيثمي. قال السخاوي في الضوء اللامع: كان تقي الدين إماما عارفا بفنون الأدب متقدما فيها، طويل النفس في النثر والنظم، فمن نظمه ما قاله مادحا لملك حماة تمربغاء منطاش الأخضري الأفضلي قائلا من قصيدة:
له مطالعة في الحرب حين يرى
دم العدا فوق طرس الأرض قد سطرا
إن راسل القوم أنشا في رسائله
سجعات ضرب بها الهامات قد نثرا
كتابه السيف والخطي له قلم
والرسل أسهم حتف توضح الخبرا
إن كان قد نظم الأعدا مكيدتهم
فقل لهم إنه من قبلهم شعرا
لأنه ببديع الحسن لف لنا
شملا ولكن لأرقاب العدا نشرا
وخط من فوق ألواح الصدور لهم
بابا من الخوف في أحشائهم وقرا
وصار يكتب بالهندي ويعجم بال
خطي فعل شجاع قد قرا ودرا
تراه بالرمح بدرا حاملا غصنا
وبالتريسة غصنا حاملا قمرا
كأنما الهام أحداق أضر بها
سهد وأسيافه في الحرب طيب كرا
قلت: وقد تقدم من شعره جملة. وله تآليف كثيرة مفيدة منها: كتاب بروق الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم، وكتاب كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام، وقهوة الإنشاء، والثمرات الشهية في الفواكه الحموية، وأمان الخائفين من أمة سيد المرسلين، وثمرات الأوراق في المحاضرات، وكتاب الزاوية مختصر ديوان شيخ الشيوخ الحموي، وديوان شعر لطيف، وكتاب خزانة الأدب شرح بديعيته يستغني فيه مطالعه عن غيره من كتب هذا الفن. وقد رحل ابن حجة من حماة إلى مصر وحاز رتبة كتاب ديوان الرسائل، وكان مشغوفا باستعمال التورية في نظمه ونثره، ثم عاد في آخر حياته إلى حماة وتوفي فيها سنة 837، ودفن في تربة باب الجسر، وبني على قبره قبة بقيت جدرانها إلى نهاية القرن الثالث عشر، فعمل له بعض الناس حجارة على لحده حفر عليها: «إن هذا قبر الغزالي.» والعامة الآن يزورونه باسم الغزالي ويجهلون أنه ابن حجة، على أن الغزالي دفن في مدينة طوس ولا يعرف حماة.
ابن مليك
هو علاء الدين بن مليك الحموي، ذكره الخفاجي في الريحانة وأثنى عليه ووصفه بأنه من الشعراء المجيدين جدا. قلت: وقد نشأ في حماة ولم تطب له فيها المعيشة فرحل إلى دمشق وأقام فيها إلى أن توفي، وله ديوان مطبوع معروف فمنه:
ذكر الغضا فحنت عليه أضلعي
وبكى العقيق فساقطته أدمعي
لله در دموع عيني إنها
وقعت من الأجفان أحسن موقع
من لي بقلبي يوم كاظمة وقد
ودعتهم لو خلفوا قلبي معي
رحلوا فكان القلب أول راحل
والصبر آخر ظاعن ومودع
ومنه:
مدحتكم طمعا فيما أؤمله
فلم أنل غير حمل الإثم والتعب
إن لم تكن صلة منكم لذي أدب
فأجرة الخط أو كفارة الكذب
ومنه:
لا تعجبوا من صديق كنت أمدحه
وقد هجاني وما في ذاك من عجب
بل اعجبوا من ذكاء فيه كيف درى
أني كذبت فجازاني على الكذب
توفي سنة 917.
الشيخ علوان
ابن السيد عطية، نسبه معروف وفضله مشهور، ولد في حماة في محلة باب الجسر ونشأ فيها. قال النجم الغزي في الكواكب السائرة: إن سيدي الشيخ علوان سمع من الشمس محمد بن داود الباذلي كثيرا من البخاري، وقرأ عليه من أول مسلم، وسمع بعض البخاري بحماة على الشيخ نور الدين علي ابن زهرة الحنبلي الحمصي، وأخذ عن مشايخ في دمشق كثيرين منهم محمود بن حسن البزوري الحموي، وأخذ الطريقة عن علي بن ميمون المغربي. وقد أجمع الناس على جلالته وتقدمه وجمعه بين العلم والعمل. وانتفع الناس به وبتآليفه الكثيرة، منها: المنظومة الميمية المسماة بالجوهر المحبوك في نظم السلوك اختصرها من كتاب إحياء العلوم فإنه كان مشغوفا بمطالعته وقراءته، وهي مطبوعة، ومنها مصباح الهداية ومفتاح الولاية في الفقه، وتقريب الفوائد وتسهيل المقاصد، والنصائح المهمة للمملوك والأئمة، وبيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني مطبوعة، وعقيدة مختصرة وشرحها، ورسالة الفتح اللطيف بأسرار التصريف، وشرح تائية الفارض الكبرى، وشرح تائية الصفدي، وكتاب مجلي الحزن في مناقب ابن ميمون، والنفحات القدسية شرح الأبيات الششترية، وعرائس الغرر وغرائس الفكر في أحكام النظر، ونسمات الأسحار في كرامات الأخيار، وفصل الخطاب في جيش ابن الخطاب، ورفع الحجاب بين المشايخ والأصحاب، وشرح حزب البحر للشاذلي، وشرح «إنما الأعمال بالنيات»، وشرح البردة والتائية والرائية والقافية، وأسنى المقاصد في تعظيم المساجد، وشرح منهاج الغزالي، والسيف القاطع في قبول الجوائز، وإزاحة الأوهام، وديوان خطب، والهمع في شرح أبيات الجمع وتآليف أخر.
كان مشهورا بالكرامات مستغرقا أوقاته بالعبادة ومجاهدة النفس، قضى بعض حياته في محلة باب الجسر، ثم أصبح في بعض الأيام فرأى مسجده مهدوما ولا قوة له على دفع هادميه، فرحل إلى محلة العليليات ومضى فيها بقية حياته. وتوفي سنة 936 عن 63 سنة، ودفن في زاويته المعروفة بحماة في محلة العليليات. وخلف ولدين نجيبين أحدهما الشيخ محمد أبو الوفا، وهو من العلماء الفضلاء المشار إليهم بالبنان، ورث مقام أبيه ورعا وصلاحا وعلما وزهدا وإرشادا، وكان بينه وبين التمرتاشي صاحب التنوير في الفقه محبة عظيمة فإنه كان يقدم لحماة لأجل زيارته، وانتفع به خلق كثيرون. وللشيخ علوان ذرية باقية في حماة معروفون بنسبتهم إليه ومن هذه الذرية فضلاء سيأتي ذكرهم.
أويس
هو العالم العامل الفاضل التقي الورع الزاهد الشيخ أويس الحموي، صاحب التآليف العديدة والعلم الغزير، فمن تآليفه: كتاب سكردان العشاق، ومفازة الأسماع والأرفاق، فيه فوائد تاريخية اجتماعية، توجد نسخة منه في باريس. قضى حياته في حماة وتوفي فيها سنة 901، وقبره معروف الآن غربي المدينة تسميه العامة قبر السلطان أويس وهو معتقد يزار.
قاضي المعرة
محب الدين بن داود الحموي قاضي معرة النعمان، فضله مشهور وعلمه واسع. فمن تآليفه النافعة كتاب حادي الأظعان النجدية إلى الديار المصرية، وصف فيه رحلته من نجد إلى مصر، توجد منه نسخة في المكتبة الخديوية في مصر وفي باريس. توفي في أواخر القرن العاشر.
ابن معروف
هو أبو الوفا ابن معروف الحموي الشافعي. كان عالما فاضلا زاهدا. قرأ في حماة على شيخه أبي بكر اليمني الزاهد، ثم هاجر إلى مصر فقرأ على الرملي الصغير والشيخ حمدان، وأخذ الحديث عن النجم الغيطي والعربية على قاسم الشنواني، ثم قدم حماة بفضل وافر، وأخذ الطريقة الخلوتية من الشيخ القصيري ورحل مع شيخه المذكور إلى قريته قصير، ثم عاد إلى حماة وركب منابر الوعظ ونصح وأطال، واعتقده الناس وصار شيخ حماة وقدوتها، وكان الناس يتبركون بزيارته وظهرت له كرامات عديدة.
وكان له نظم حسن فمنه:
كل من في الحمى ينادم سلمى
غير أني لهجرها لا تسل ما
فاعذروا هائما عليها سقيما
وارحموا العاشق الذي مات غما
لامني عاذلي بصبري عليهم
ما أنا سامع العوازل مهما
مذ تجلى الحبيب زاد سقامي
ودعاني لحانة الأنس لما
قال ما اسمي فقلت الله ربي
طاب شربي عند اللقا بالمسمى
ومن تآليفه: نزهة الأخيار ومجموع النوادر والأخبار يوجد في برلين، وديوان شعر نفيس توجد منه نسخة في برلين أيضا، وفيه فوائد تاريخية وفلكية مهمة. وتوفي سنة 1016 وعاش 80 سنة، ودفن بحماة في زاويته المعروفة بزاوية الشيخ معروف، وقبره يزار للآن، وخلف ولدا على قدمه زهدا وصلاحا وهو الشيخ محمد المعروفي.
منلا حسين الأشقر
قال المحبي: هو حسين بن ناصر بن حسن بن محمد بن ناصر بن الشيخ القطب الرباني شهاب الدين الأشقر العقيبي الحنفي الحموي. كان عالما فهامة جامعا لأنواع الفنون، ولد في حماة ونشأ بها وقرأ على أكابر علمائها كالسيد عمر بن عسكر والشيخ نجم الدين الحجازي، وتولى بحماة مدرسة «الجلدكية»، واشتهر بالعلم والفضل، ثم رحل إلى دمشق بأهله وتوطنها وأخذ بها عن البرهان اللقاني وغيره، وكان حسن الخلق والخلق جميل الذكر صافي القلب والفكر متواضعا عاملا بعلمه. قلت: ولم يبق في حماة من أهل هذا البيت أحد وإنما لهم جامع في السوق مشهور مسمى باسمهم وله أوقاف. وقد توفي المذكور سنة 1042 في دمشق ودفن بمقبرة الفراديس.
رجب العلواني
قال المحبي: رجب بن حسين بن علوان الحموي الأصل الدمشقي الفرضي الفلكي، أعجوبة الزمان في العلوم الغريبة كان لديه منها فنون عديدة، وأمهر ما كان في العلوم الرياضية كالهيئة والحساب والفلك والموسيقى والفرائض، انتفع به في دمشق خلق كثيرون، كان حسن الذات كامل الصفات ملازم العبادة منعزلا عن الناس، توفي 1012.
ابن قضيب البان
هو عبد القادر بن محمد أبي الفيض السيد الأفضل المعروف بابن قضيب البان الصحيح النسب. قال المحبي: ولد في حماة وهاجر به أبوه إلى حلب سنة الألف وتوطن بها وترحل في البلاد، ثم وجهت عليه نقابة حلب وديار بكر وحماة على التأييد واستمر نقيبا حتى مات، وقد نسبت إليه كرامات عديدة. وله تآليف حسنة الوضع دالة على رسوخ قدمه سيما في التصوف، منها: الفتوحات المدنية، ونهج السعادة، وناقوس الطباع في أسرار السماع، وشرح أسماء الله الحسنى، ورسالة أسرار الحرف، وكتاب مقاصد القصائد، ونفحة البان، وحديقة اللآل في وصف الآل، والمواقف الإلهية، وعقيدة أرباب الخواص، وغير ذلك مما ينوف على أربعين تأليفا كلها تصوف، وله ديوان شعر في التصوف، وتائية عارض فيها تائية الفارض، فمن شعره قوله:
ولقد شكوتك في الضمير إلى الهوى
وعتبت من حنق عليك تجننا
منيت نفسي في هواك فلم أجد
إلا المنية عندما هجم المنا
توفي سنة 1040 ودفن في حلب ومدة حياته 79 سنة، وله قرابة في حماة - يسمون اليوم بيت الحافظ - يسكنون في محلة المدينة.
عبد النافع
ابن عمر الحموي الفاضل الأديب المشهور، كان في غاية من الذكاء والفطنة والتضلع من العلوم والفنون. وقد خدم في أول أمره القاضي محمد بن الأعوج بتعليم أولاده القرآن فجعله كاتبا عنده في المحكمة الشرعية في حماة،
17
ثم رقي إلى أن انفرد بالفتوى من حمص لحماة للمعرة وشاع ذكره في البلاد الشامية، ثم وقعت بينه وبين القاضي المذكور عداوة فشكاه للأمير حسن الأعوج فحقد عليه، وهجا بني الأعوج بأشعار عديدة فقصدوا أذيته فضاقت عليه حماة، ففر إلى طرابلس فأكرمه حاكمها يوسف بن سيفا ثم تغاضبا فهجاه فصمم ابن سيفا على قتله، فهرب منه إلى حلب وما جاورها فيوما هنا ويوما هناك، ومن أشعاره البديعة:
كأن الدجى ظرف على الصبح موكأ
ولكن لطول الامتلا والبلى انفلق
فسال فغطى أنجما ما تعلمت
لقصر المدى سبحا فأدركها الغرق
وقد ذكره الخفاجي وأثنى عليه، ومما قال فيه: هو فاضل تود العين قربه، وأديب بديع زمانه، وتاج عروس أقرانه. قلت: وله تآليف حسنة منها الرسالة الهادية إلى اعتقاد الفرقة الناجية في العقائد وتفسير سورة الإخلاص مجلد. توفي سنة 1016 في إدلب، ورثاه قاضي حماة في ذاك الحين - وهو الفاضل إبراهيم البتروني الحلبي - فقال:
قد مات عبد النافع الحبر الذي
ماتت به في العالمين علوم
في إدلب الصغرى غريبا نائيا
عن أهله تاريخه مظلوم
الدفتري
هو حسن الدفتري المشهور بابن قنبق، كان فاضلا ناظما بالعربية والتركية والفارسية، وله إنشاء حسن، فمن شعره:
ما مسني الضر إلا من أحبائي
فليتني كنت قد صاحبت أعدائي
ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا
داء يزيد بهم همي وأدوائي
من كان يشكو من الأحباب جفوتهم
فإنني أنا شاك من أودائي
اتصل بخدمة متصرف حماة محمد باشا الأرناءود
18
ثم بابنه علي باشا وصارت له الكلمة النافذة، ثم جاء متسلما على حماة سعد بن زيد من شرفاء مكة فكان كثير التعدي والظلم، وقام عليه الحمويون وأخرجوه من البلد قهرا فذهب إلى المعرة، وأرسل شكاية للدولة ينسب فيها التعدي للحمويين، وأن حسنا الدفتري هو مثير الفتنة فجاء الأمر بقتله فقتل في داره سنة 1106.
الشاكر الحموي
أبو الصفا أحمد بن عمر بن عثمان الشاكر الحموي، ولد في حماة وقرأ فيها، ثم طاف في البلاد مدة، ثم سكن دمشق، ذكره المرادي في تاريخه وأثنى عليه، كان إماما عالما فاضلا متصوفا بارعا ناظما ناثرا بليغا نبيها، حصل له في دمشق أموال طائلة ممن امتدحهم بشعره أنفقها كلها في تخبطه بصنعة الكيمياء، ومات فقيرا سنة 1193 ودفن في سفح قاسيون، ومن شعره:
أشرف الأنبياء والرسل دارك
ملتجي خائفا ألم بدارك
يدعي الخير وهو في الشر هاو
فاهده للهدى بنور منارك
وهي طويلة.
ومنه:
أرى الورد إن مرت به الريح فارسا
من الشوك قد أنضى حدود سيوفه
وهز قنا أغصانه لاعتراكه
وستر منه وجهه بكفوفه
وديوانه في ثلاث مجلدات ضخمة اسمه حانة العشاق وريحانة الأشواق.
السيد إسحاق
الكيلاني، ذكره المرادي وأثنى عليه، وقال : سكن دمشق، وكان معظما عند العظماء والناس، وكان يكتب التعاويذ والتمائم. قتل في معرة النعمان وهو ذاهب إلى حلب سنة 1185 ودفن في ظاهر المعرة.
السيد مصطفى العلواني
ابن إبراهيم بن حسن بن أويس العلواني الحموي أحد الأفاضل. قال المرادي: كان أديبا بارعا ناثرا ناظما كاتبا لوذعيا ألمعيا، له الحسب والنسب، محرزا دقائق الكمالات، جانيا ثمرات الفضائل، ولد بحماة وقرأ على والده فن العربية والأدب، ثم اشتغل على أفاضل دمشق، واستفاد من الشيخ عبد الغني النابلسي، ثم وجهت عليه نقابة أشراف حماة ثم عزل منها وعاد فسكن دمشق، وكان يحب العزلة في مدرسة الوزير إسماعيل باشا في سوق الخياطين فكانت الطلبة تتردد إليه للقراءة عليه، ووجه عليه تدريس الزاوية المذكورة، وتوفي سنة 1193 ومدة حياته 85 سنة، ومن شعره:
مرارة اليأس أحلى في المروءة من
حلاوة الوعد إن يمزج بتسويف
فاختر فديتك للداعي أحبهما
إليك لا زلت تسدي كل معروف
القصيفي
الشيخ حسين القصيفي بن رجب، كان فاضلا أعجوبة عالما شاعرا كثير الهجاء مولعا بالتصوف، توفي سنة 1123.
سليمان السواري
سليمان الحموي بن نور الله بن عبد اللطيف السواري،
19
ذكره المرادي، كان شاعرا ماهرا كاتبا أديبا، سكن دمشق وتوفي فيها سنة 1117، وله ديوان شعر جميل منه:
وما كرب ظمآن يرى الماء قربه
فتمنعه عنه الأفاعي القواتل
بأعظم كربا من شيخ ذي صبابة
بأغيد تستولي عليه الأرازل
عبد الرحمن الكيلاني
هو ابن السيد عبد القادر بن إبراهيم بن شرف الدين الكيلاني الحموي نزيل دمشق، ذكره المرادي وأورد له في تاريخ قصائد حسنة، ووصفه بأنه فاضل محقق مدقق أديب ماهر نبيه ناظم ناثر بارع، ولد في حماة وأكمل القراءة في دمشق، ثم حاز نقابة الأشراف فيها، لكن قام عليه الأشراف وهجموا على داره فعزل عنها ولزم بيته، وكان يقرئ الطلبة في داره بعض العلوم، ومن شعره:
لعمرك ما طيب الأصول بنافع
وليس يضر العكس إن كنت ذا رشد
كفى حجة عندي يزيد مخالفا
لأصل وفرع في التعاكس والطرد
وشعره كله جيد. توفي سنة 1172.
الأمير حسن الأعوج
قال المحبي: هو حسن بن محمد الأمير الجليل أبو الفوارس المعروف بابن الأعوج أمير حماة، أوحد أمراء الدهر، وعين باصرة الأدب، وشمس فلك المجد، له أدب بارع وحسب وطيب أرومة. ولد في حماة ونشأ بها، وهو من بيت أصيل الرياسة عريق النسب، أما من جهة أبيه فأمير ابن أمير، وأما من جهة أمه فهي بنت محمد بن سلطان العارفين الشيخ علوان الحموي صاحب الكشف والكرامات، وقد وجهت عليه ولاية حماة ثم عزل منها وولي المعرة ثم أعيد لحماة وهكذا بين عزل ونصب، وكان له شعر جميل - ذكر منه المحبي جملة - فمنه:
لا يحسب الإنسان بعد ذهابه
مكث الأسى في عشرة وقرين
في الحال يعتاضون عنه غيره
ويعود رب الحزن غير حزين
العندليب الورد كان أمامه
لما قضى غنى على النسرين
توفي في داره الموجودة للآن في محلة المرابط سنة 1019، ودفن في مدفن آبائه في جامع المرابط، وله ذرية باقية للآن - تبدل اسمهم فسموا «بيت الباك» - وهم قليلون جدا يرتزقون مما بقي من العقار الذي تبعثر أيادي سبا، وقد كان لبني الأعوج دور وقصور في المرابط منها جامع الجديد المختص ببني الججكلي - كان دارا لبني الأعوج - وغيره كدار بيت الأوزون وغير ذلك.
حسن المنير
قال المحبي: هو السيد حسن بن محمد بن علي السيد الأجل الحسيني المعروف بالمنير الحموي الأصل الدمشقي الفقيه الشافعي، خلاصة الخلاصات من السادة الكمل الأخيار، كان عالما فقيها ورعا زاهدا، جمع بين العلم والعمل، وكان فيه نفع عظيم للناس، وتخرج عليه خلق كثيرون وتفقهوا وانتفعوا، وكان الناس يعظمونه ويهابون ساحته فإذا أقبل من بعيد تبادروا لتقبيل يده، وكان متواضعا بشوشا إلى الغاية لم نسمع أحدا تأذى منه مدة عمره، توفي سنة 1094 في دمشق ودفن في باب الصغير، وله ذرية باقية في دمشق.
الحوراني
هو أبو الوفا السيد علي بن أبي النجا بن السيد أحمد بن أبي الوفا بن الشيخ عثمان الحوراني،
20
كان السيد علي المذكور مفتيا في حماة، فاضلا عالما مهابا كريما، يسكن في محلة سوق الشجرة ، انتفع بعلمه كثيرون، وتوفي سنة 1085.
العطوي
السيد محمد جمال الدين العطوي نقيب أشراف حماة، كان عالما كبيرا وفاضلا عظيما، وكانت نقابة الأشراف مختصة بالبيت العطوي، والذي أظنه أن هذا البيت قد درس أهله. توفي المترجم المذكور سنة 1090.
ابن سوار
مصطفى زين الدين بن عبد القادر بن محمد الشهير بابن سوار الحموي الأصل الدمشقي المولد الشيخ الإمام الصالح، نشأ في صيانة وترعرع بالرزانة، حسن السمت مهابا معتقدا، جلس للتدريس وانتفع به عالم كثيرون، توفي سنة 1071 في دمشق، ورثاه الأمير المنجكي بقوله:
لعمرك زند الفضل أصبح عاطلا
من ابن سوار بعد ما كان حاليا
وقد ملئت منا القلوب لفقده
مصابا وأضحى مجلس العلم خاليا
وله تاريخ جيد جميل.
ابن عسكر الحموي
هو يحيى بن عمر الشهير بابن عسكر الحموي، كان من الأفاضل البالغين رتبة التفرد، الصارفين إلى التحصل كل الهمة، قرأ في حماة على علمائها وبرع إلى أن فاق على جميع أقرانه، ورحل إلى دمشق وولي تدريس مدرسة القيمرية فأفاد وأخذ عنه كثيرون، ثم عاد إلى حماة وتوفي فيها سنة 1070.
ابن رجب
تاج الدين عبد الوهاب بن رجب نزيل دمشق، كان مولده بحماة، ثم رحل إلى دمشق وسكن دارا بجوار المدرسة الصابونية وقرأ على علمائها، وبرع في الفنون لكن غلب عليه علم العربية فصار فيه وحيدا، فكان يدرس في الجامع الأموي وانتفع به خلق كثيرون، وهو من بيت كبير في حماة وله قرابة مع بيت الأعوج، وتوفي سنة 1015 في دمشق.
القباني
علاء الدين علي بن أحمد الحموي الأصل والمسكن، كان فقيها نبيلا، سافر إلى دمشق مع والده وسكن في حي قبر عاتكة ثم الصالحية، أتقن القراءات السبع عن الشهاب الطيبي، والحديث عن البدر الغزي، والفقه على النجم البهنسي. وبالجملة فإنه كان فاضلا لطيف المحاورة ظريف النادرة وصوته في القراءة حسن، وولي خطابة جامع يلبغا وإمامة السليمية، وله شعر متوسط. توفي في الصالحية سنة 1007 وجاوز سنه السبعين ودفن في مقبرة الدقاقين.
العقيبي
علي بن زين الدين عمر الشيخ العارف بالله، ولد في حماة وأخذ عن الشيخ علوان، ثم رحل إلى دمشق وسكن العقيبة بأمر شيخه، وكان عالما فاضلا ميالا للتصوف، توفي في دمشق سنة 1001 ودفن بزاويته في العقيبة ومدة حياته مائة سنة.
البصير
هو علي البصير الحنفي الحموي الفقيه البارع اللسن، كان آية باهرة في الحفظ والإتقان، ولد في حماة وقرأ بها، ثم رحل إلى طرابلس وعمره أربعون سنة وتوطنها وولي الإفتاء فيها مدة حياته، وكان محبوبا مهابا. له تآليف كثيرة منها: قلائد الأنحر شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي، ومنها نظم الغرر ألفين بيتا، ونظم العوامل الجرجانية، ونظم قواعد الإعراب، ونظم ألغاز الفقه سماه الحور العين يشتمل على ألف سؤال وأجوبتها وغير ذلك. توفي سنة 1090 ودفن بمقبرة الغرباء في طرابلس.
ابن كاسوحة
عمر بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي السعدي الحموي الأصل المعروف بابن كاسوحة، قرأ على الشيخ الرملي في مصر وابن غانم المقدسي والشربيني وغيرهم، كان فاضلا عالما قليل الحظ، توفي سنة 1017 في دمشق.
المحبي
هو محمد بن أبي بكر الملقب محب الدين الحموي، ولد في حماة ونشأ بها، وقرأ على والده، ثم على الشيخ أبي الوفاء بن الشيخ علوان رحمه الله وعليه تخرج، ثم قرأ على الشيخ تقي الدين البقا الحموي، ثم على الشهاب أحمد الأتاسي الحمصي، ثم انتقل إلى دمشق، وتزوج بنت إسماعيل النابلسي، ثم حاز إفتاء الشام وكان المشار إليه بالبنان. وله تآليف عديدة منها: حاشية على التفسير، والهداية، والدرر والغرر، ومنظومة في الفقه، وعمدة الحكام، وشرح شواهد الكشاف، وشرح منظومة ابن الشحنة في المعاني والبيان، والسهم المعترض، والرد على من فجر، والرحلات، وعشرون رسالة وترسلات. وكان ممن توحد في عصره في معرفة العلوم خصوصا التفسير والفقه والنحو والمعاني والفرائض والحساب والمنطق والحكمة والزايرجا والرمل وغير ذلك، وله شعر جميل منه:
حكت قامتي لاما وقامة منيتي
حكت ألفا للوصل قلت مسائلا
إذا اجتمعت لامي مع الألف التي
حكتك قواما ما يصير فقال لا
وهو جد الشيخ محمد المحبي مؤلف تاريخ خلاصة الأثر المشهور. توفي سنة 1016 في دمشق ومدة حياته 67 سنة، ورثاه أفاضل العلماء، وقد ذكره حفيده في تاريخه - راجعه إن شئت - وله ذرية في دمشق.
الحمامي
هو الشيخ أحمد بن عمر العلواني نزيل حلب، قرأ على أستاذه أبي الوفا بن علوان مقدمات العلوم، ولازمه ثم سافر من حماة، ونزل على حلب بمحلة المشارقة فكان يقرئ المبتدئين بمسجد شمعون بمحلة سويقة حاتم، وكان يقنع بسد الرمق ويلبس الثياب الخشنة مع قدرته على أحسن من ذلك، وله مؤلفات مقبولة منها: تروية الأرواح وأعذب المشارع في السلوك والمناقب، وكان له شعر على طريقة التصوف، وكان يقيم الذكر على طريقة الخلوتية ثم عاد إلى طريقة الشيخ علوان. توفي سنة 1017 ودفن بجانب الشيخ شاه ولي ملاصقا لمقام الخليل.
أحمد العلواني
الشيخ أحمد بن محمد بن راضي العلواني، قرأ على والده، وكان إماما في الكيزاوية بحلب، وكان ذا علوم غزيرة من علوم شريعة وحقيقة، وتوفي سنة 1018.
العسكري
السيد أحمد بن يحيى بن عمر المعروف بالعسكري مفتي الشافعية بحماة العالم العلم الفصيح الكامل الأدوات، قرأ على أبيه وعلى الشيخ سري الدين محمد البكري الشرابي، وكان فقيها فرضيا حسابيا أديبا لبيبا، درس بعد أبيه بالمدرسة العصرونية، وكانت وفاته سنة 1094.
السيد علي الكيلاني
قال المرادي: هو ابن يحيى بن أحمد بن علي بن أحمد بن قاسم الكيلاني الحموي شيخ السجادة القادرية بحماة، كان مرشدا صالحا صوفيا عالما علامة محققا فاضلا أديبا لوذعيا جليلا حميد الأفعال فطنا، ولد في حماة سنة 1140، قرأ على شيخه الشيخ يحيى الحوراني،
21
له ديوان شعر كبير منه قصيدة يمدح فيها حماة:
سقاك حماة الشام مغدودق القطر
عهادا تلا الوسمي أحلى من القطر
وما حطها قولي حماة لأنها
عروستها في شاهد الحسن والعطر
أتيه بها فخرا على سائر الدنا
بأشياء لم توجد بشام ولا مصر
فغيضاتها جنات عدن تزخرفت
ألم تنظر الأنهار من حولها تجري
فما رأت الراءون كالبركة التي
تكنفها الجسران باليمن واليسر
كذا الجامع الغربي في غربها بدا
يقابل في إشراقه ساطع الفجر
يناظره من جانب الشرق بقعة
وزاوية في الأوج عالية القدر
تفوق على ذات العماد برونق
بإيوان كسرى والخورنق كم تزري
كذا الشرفة العلياء والخضرة التي
بها تضرب الأمثال مع بيدر العشر
جزيرة باب النهر والجسر لو رأى
علي لغى ذكر الرصافة والجسر
نواعيرها تشدو بكل غريبة
فتغني عن العيدان والناي والزمر
وهي طويلة وله غيرها كثير ذكرها المرادي في تراجمه. توفي سنة 1113 ودفن في زاوية آبائه.
المكي
مصطفى المكي. قال المرادي: هو ابن فتح الله الشافعي المكي، مؤرخ مكة وأديبها الفاضل، العالم الأديب البارع المفنن الأوحد، أصله من حماة ورحل منها لدمشق وقرأ بها ثم رحل إلى مكة وجعلها دار إقامته، وله التاريخ الحافل المسمى «فوائد الارتحال ونتائج السفر في تراجم فضلاء القرن الحادي عشر»، وله غير ذلك، وهذا التاريخ حافل في ثلاث مجلدات. توفي سنة 1123.
الأشقر
محمد بن حسين الملا بن ناصر بن حسن الأشقر العقيلي الفاضل البارع، كان له صحة وذكاء وعلوم عديدة وصدق لهجة، ولد في حماة ونشأ فيها، وقرأ على والده الملا حسين العلوم العقلية والنقلية وعلى خاله الخطيب أحمد بن يحيى علوما متعددة. قال المحبي: ولكثرة جور الحكام في حماة على الأهلين هاجر أغلب سكانها إلى دمشق.
22
فهاجر المذكور مع من هاجر إلى دمشق مع والده وأهله، ثم رحل إلى مصر وأخذ عن علمائها كالشبراوي والشرنبلالي، ثم جاور بالحرمين ورحل إلى اليمن ثم سكن مصر، وكانت وفاته سنة 1024، وله أشعار كثيرة ودفن في مصر.
المكي
محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين الحموي نزيل مصر، كان إماما عالما بالفقه والتفسير والحديث والقرآن والأصول والنحو، كثير الاستحضار للأحاديث، أديبا ذكيا فصيحا ورعا متواضعا متصوفا، عظيم المروءة والبر، حسن الصوت بالقراءة، صادق اللهجة، علمه متين، وعقله رصين، وأدبه باهر، وشعره زاهر، ألف وصنف، فمن تصنيفه حاشية على المغني وحاشية على شرح القواعد الهشامية، وله بديعية أولها:
هجري على ولي وصل بأحياني
أماتني الهجر جاء الوصل أحياني
توفي في مصر ودفن فيها.
الشمس الميداني
محمد شمس الدين بن محمد الحموي الأصل الدمشقي المولد، العالم المحدث ، صدر العلماء الحافظ المتقن بديع التقرير متين التحقيق، كان مهابا ناصرا للحق، ذكره المحبي وأثنى عليه جدا وقال إنه عالم عصره ورئيس محدثيه وفقهائه، انتفع به خلق كثير، توفي سنة 1033 في دمشق ورثاه الشعراء بالمراثي العديدة.
ابن ظفر
حجة الدين بن ظفر، المشهور بعلمه وتآليفه - منها البشر في خير البشر - قطن حماة واتخذها موطنا وطاب له المقام، وكان في غاية من النباهة والنبالة. وله نظم جميل يذكر فيه مقاصفها وبعض أماكنها - نظمه حينما كان غائبا عن حماة في بعض أسفاره يتشوق به إليها وأرسله إلى صديق له - قال:
على شط شرعايا
23
أسلت مدامعا
جرت مثل ماء البركة
24
المتسلسل
وذكرني نهر الجنينة
25
منزلا
به لم يطب لي بعده ذكر منزل
تصافح بين الشرفتين
26
مقاصفا
نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
خمائل أغصان يصافحها الندى
على صوت شحرور وتغريد بلبل
27
ومن شرعتي أني أحب شريعة
28
هواها وحسن النهر والروض لذ لي
فسابق بزوغ الشمس للشرق ناظرا
على تل صفرون
29
جمالا لمجتلي
خليلي ما أحلى رحيق نخيلة
30
وأطيب عيش بالنعيم المكمل
فغني على جسر المراكب
31
غنيا
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بشرقيه من أيسر النهر جنة
32
يقابلها أشباهها في التأمل
زر القلم
33
الداني إلى قطوفها
ولمني إذا ما شئت في الحب وأعذل
محمد الدباغ
هو الشيخ محمد بن حسن بن السيد علي الدباغ المنسوب إلى عكرمة - رضي الله عنه - كان إماما عالما فاضلا، له اليد الطولى على شيوخ حماة، اشتهر في زمنه وكان أمين الفتوى فيها، ولد سنة 1225، واشتغل في العلوم العقلية والنقلية. وصنف عدة مؤلفات منها: ملخص أحكام حاشية ابن عابدين، حاشية نيل المرام على رشحات الأقلام شرح كفاية الغلام: مجموعة فتاوى خمس مجلدات، حاشية في المنطق على متن الشيخونية، حاشية التحفة السنية على الرسالة المقدسية: نحو، حاشية على النفحة المعطرة: منطق، حاشية على الفضالية: توحيد، حاشية على البيقونية: مصطلح، رسالة في قسمة التركات، رسالة في إثبات حدوث العالم: فلسفة إسلامية، رسالة في الفرائض، تقريرات على التصوف، شرح الرسالة العضدية في الوضع ، حاشية على نتائج الأفكار: مجلدان، رسالة في البحث عن صفة العلم، رسالة في الوضع، تقريرات عديدة. توفي سنة 1288 ودفن في حماة، وعني بعده ابنه وحفيده بأمانة الفتوى ثم تبعاه رحمهم الله ولهم ذرية باقية.
الشيخ حمود
ابن الشيخ مصطفى المفتي في حماة ابن الشيخ عباس ابن الشيخ إسماعيل ابن ملا ذاده البخاري، كان من فضلاء عصره المعدودين، ذا نظم ونثر، فمن نظمه قوله:
من غدا في الأنام ناقص أصل
وأتته سعادة مستعاره
يتمنى هلاك من عرفوه
خيفة أن يبينوا منه عاره
نعمة الله لا ترد ولكن
رفع قدر اللئيم فقع مراره
وله قصيدة في المدائح النبوية طويلة جدا، منها:
فؤادي بإيقاد اللظى يتشعل
وحزني مدى الأيام لا يتحول
وطعم الآلا عند اصطباري حلاوة
وبعض بلائي في الورى ليس يحمل
كان مدرسا في جامع الأشقر، وقد توفي سنة 1241 فخلفه ابنه الشيخ زهير علما وفضلا وتدريسا، وله ذرية باقية في حماة معروفون بنسبتهم إلى الشيخ زهير، والمترجم المذكور جد الهلالي المشهور، وقد أرخ الشيخ حمود وفاة نفسه بأبيات قبل موته فصادف موته فيما قيل وهي:
يا رب عبد مذنب قد ثوى
في رمسه بالعفو كن مانحه
ويا أخي إن كنت لي ذاكرا
لا تنسني من دعوة صالحه
فنحو وجهي إن تكن زائرا
أرخ توجه قارئ الفاتحه
السيد محمد سعيد الأزهري الكيلاني
ولد بحماة سنة 1168 ونشأ بها، ورحل إلى مصر لتحصيل العلوم الشرعية والفنون الأدبية، وجاور في الجامع الأزهر سبع سنين، قرأ على الشيخ سليمان الجمل مؤلف حواشي تفسير الجلالين، والشيخ مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي صاحب تاج العروس في شرح القاموس، والشيخ محمد الشنواني، والشيخ عبد الرحمن النحراوي المقري، والشيخ أحمد الدمشقي الشهير بالعطار من علماء الأزهر في ذلك العصر، ورجع إلى حماة في سنة 1202 ودرس وأفتى، وكان عالما فاضلا ورعا زاهدا متواضعا تصدر للإرشاد والإفتاء، وبنى في الجانب الشرقي من جامع نور الدين الحجرة التي تشرف على نهر العاصي وأقام بها للتدريس والإرشاد، وانتفع بصحبته خلق كثيرون، وكان وافر العقل مكرما لأهل الفضل محبا للفقراء والمساكين مساويا لهم سخي النفس، وله شعر رقيق منه قصيدة مكتوبة في جدار حجرة أحفاده في الطيارة منها:
قلبي غدا بدمي لكم سماحا
ويرى القصور فليته ما باحا
هل مهجتي بل جملتي إلا لكم
ومع القصور أؤمل الإنجاحا
ومن تآليفه شرح مختصر على الحكم العطائية لم يطبع، وله نسخة مولد نبوي، ومكتبته لم تزل حتى وقتنا هذا في حجرته، وعلى أكثر كتبه التي قرأها في الأزهر تقارير بخطه، وكان شافعي المذهب. ورحل إلى بغداد لزيارة جده في سنة 1241، وحصل له فيها احترام وإجلال، ومكث نحو أربعين يوما، وتوفي فيها في تلك السنة ودفن في جوار جده، وقبره معروف فيها، وله ذرية بحماة معروفة.
الجابي
هو الشيخ مصطفى الجابي الحموي، أحد العلماء الأفاضل، كان له إلمام بعلم تعبير الرؤيا وعلم الحرف، وعليه وظيفة التدريس في جامع الشيخ إبراهيم، وكان ورعا تقيا معتقدا، وله ديوان شعر مطبوع. توفي سنة 1294 فأرخ الهلالي وفاته بما رقم على حجارة لحده بقوله:
وفاة المصطفى الجابي أرتنا
عيانا في الثرى غور البحار
لقد حق الرثاء لبدر علم
هوى للترب من أوج الوقار
قضى من كان حسان القوافي
بمدح نبينا شمس الفخار
مضى وغدا إلى الفردوس أرخ
وقد طابت له دار القرار
ولصاحب الترجمة ذرية مشهورة في حماة فيهم من يعنون بتحصيل العلم.
ياقوت
اشتهر ياقوت بأنه حموي، والحقيقة أنه ليس حمويا؛ لأنه رومي الأصل أسر من بلاده وبيع في بغداد لرجل حموي يسمى عسكرا فنسب ياقوت إليه نسبة إضافية فقيل ياقوت الحموي، فلهذا لم نذكر ترجمته في عداد الحمويين.
تنبيه
هذا ما عثرنا عليه أثناء البحث عن تراجم الرجال الحمويين مع المحافظة على شرطنا المتقدم وهو أن لا نتجاوز القرن الثالث عشر. وقد عزب عن علمنا رجال كثيرون لم تصل يدنا إلى تراجمهم من فضلاء القرون الأولى، ورجال لم يساعدنا أبناؤهم على معرفة ماضيهم وآثارهم وليس لنا اطلاع عليها. على أن كل إنسان بلغه خبر تأليفنا لهذا التاريخ فليعذرنا من أهمل شأنه. على أننا سنعيد طبع هذا التاريخ إن شاء الله قريبا فنضم إليه فوائد عديدة وتراجم جديدة إذ البحث مواصل بعضه، والمستعان بالله، ولنذكر هنا بعض فوائد تفيد الغريب ويطلع عليها من بعدنا في الأزمنة المقبلة.
هوامش
الحركة العلمية
المدارس:
للحكومة مدرسة تسمى الإعدادي حاوية على كثيرين من التلامذة، ومدرستان أيضا على نفقتها، وللأهلين مدرسة واحدة ضعيفة، والبقية كتاتيب ضعيفة.
المطابع:
ليس في حماة الآن سوى مطبعة واحدة.
الأطباء:
في حماة أربعة أطباء وصيدليتان.
الجرائد:
جريدتان أسبوعيتان ومجلة شهرية، وقد أنشئ فيها قبلا جريدة لسان الشرق يومية واحتجبت باختيار صاحبها، ومجلة أخرى، وجرائد أخرى احتجبت.
العلم الديني:
لطلاب العلوم في حماة ميل لتعليم العلوم الدينية وهم كثيرون ولا مدرسة لهم وإنما يقرءون في حجرات المساجد.
مستشفى:
ليس في حماة مستشفى لا للبلدية ولا للأطباء فالمريض في بيته والغريب في الخان أو الجامع، والمستشفى القديم مهجور كما ذكرنا قبلا.
مكتبة:
لا يوجد سوى مكتبة صغيرة في جامع الشيخ إبراهيم لا تشفي غليلا.
القبور المشهورة
النبي داود:
النبي داود عليه السلام في طرف محلة الباشورة تجاه باب البستان النورية في دار هناك مشهورة، وليس هذا القبر ضريحا حقيقيا وإنما هو مقام له، والمظنون أن هذا مكانه يوم جاء إلى حماة قاصدا الجزيرة - كما تقدم في البحث عن زمن الإسرائيليين - فجعل مكانه مقاما.
النبي حام:
عليه السلام مشهور في مكانه بجانب محلة الباشورة في جامع بينه وبين القلعة طريق، ولا يمكن الجزم بكون جسمه هناك حقيقة أو أنه مقام بني على الرؤيا، فإن من المحقق أنه لم يدفن في حماة وليست دار إقامته، ولا ندري هل كان هذا القبر في زمن الرومانيين فاعتقده المسلمون أم حدث بعد، والبعض يسميه حمويتا.
حسان:
ابن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه - في حي باب الجسر على كتف العاصي في جامع مهجور قبر يسمى صاحبه بهذا الاسم. ومن المحقق أن حسان - رضي الله عنه - كف بصره في شيخوخته في المدينة المنورة وتوفي فيها، فالقبر إذن في المحلة المذكور مقام مبني على الرؤيا أو غيرها.
الغزالي:
ذكرنا قبلا أن القبر المشهور في باب الجسر باسم الغزالي هو قبر ابن حجة الحموي لا قبر الغزالي.
السالوسي:
في حي باب المغار ضريح الشيخ علي السالوسي أحد الصلحاء الحمويين، كان لضريحه مسجد وأوقاف، وللشيخ علي المذكور ذرية باقية.
أويس القرني:
في محلة المدينة، تقدم قبلا ترجمته وأنه أحد علماء حماة الأفاضل، وليس هو القرني.
الشيخ بشر:
في شرقي الحاضر قبة ضمنها قبر يقال إنه بشر الحافي.
أبو الليث:
السمرقندي، في محلة باب البلد قبر يقال إنه أبو الليث صاحب التآليف في فقه أبي حنيفة رضي الله عنه.
الشيخ عنبر:
قبر في محلة مشهور، ينار كل ليلة، يقال إنه رجل صالح ذو كرامات.
الحسنين:
في حي المدينة في جامع الحسنين مقام يقال إنه موضع رأس الحسين حينما مر به من كربلاء إلى دمشق.
البنجكي:
في جهة باب الجسر في بستان قبر يزار يسمى البنجكي، وهو منجك التركماني.
المغيلي:
في جهة الجعابرة في بستان هناك قبر يزار لمغص بطون الخيل يسمى الشيخ محمد المغيلي، وهو أحد أبناء مغلي العائلة المنقرضة المذكورة سابقا.
عبد الله:
ابن سلام رضي الله عنه في محلة الجعابرة، ولا يعلم أهو مقام أم ضريح.
النبي يونس:
عليه السلام في جامع الحسنين بالمدينة، هو مقام.
وغير ذلك مما لا يعلم أكثرهم، وقد ذكرنا البارزي والحوراني والشيخ معروف والشيخ علوان والملوك الأيوبيين في التراجم فراجعها.
بعض الفوائد
نذكر هنا بعض كتابة على بعض حجارة لم نذكرها فيما مر من عبارات التاريخ، ونضرب عن ذكر بعضها صفحا لقلة فائدتها، وقد ذكرنا العبارة على ما هي عليه من اللحن وعدم الترتيب وحذفنا ما لم يفهم بتاتا، وهي:
جدد زيارة الشيخ حمدون
1
رحمه الله محمد باشا المكرم سنة 1050.
حجر في المارستان بالجانب الغربي في أعلى البنيان.
لما كان بتاريخ ربيع الآخر سنة خمس وسبعماية رسم مولانا الملك لأمر بختشاي الكافلي بحماة المحروسة عز نصره بإبطال ما كان يؤخذ من البيمارستان بغير طريقة، وأن وقفه يصرف على لما وقفه الواقف على السكر - بتشديد الكاف - والأشربة وذلك بأمر السيفي.
حجر في المارستان أيضا
بسم الله الرحمن الرحيم، لما كان بتاريخ الشهر المحرم سنة ثلاثة وثمانماية حضر الجناب العالي السيفي المارستان النوري بحماة المحروسة داود ابن المقر العالي السيفي درداس الخاسكي
2
كافل المملكة الحموية أعز الله أنصاره، وتبرع بمعلومه على الضعفاء المقيمين به وهو في كل شهر مائة درهم لاغتنام الأجر والدعا.
حجر في سوق المدينة
هذه الدكانتين إلى نبي الله حامويتا، لعنة الله على كل من علق مشنوق، سنة 1236.
حجر في جدار جامع الحسنين
في داخل الدكان الملاصقة للباب. أنشأ هذه القنة المباركة الفقير إلى الله تعالى محمود بن الحكيم الراجي عفو ربه بتاريخ سنة خمسة وأربعين وثمانماية.
حجر البارزي في مكان ضريح القاضي البارزي
بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمارة هذه التربة الأمير الكبير مبارز الدين أقس بن عبد الله الملكي المنصوري تغمده الله برحمته في أحد شهور سنة ستماية وسبعة بتولي العبد الفقير لرحمة ربه أزللتارج.
جامع الحسنين
أنشأ هذا المكان المبارك الفقير إلى الله تعالى محمود الحكيم ابتغاء مرضاة الله تعالى طلبا للثواب في سنة ثلاث وأربعين 43.
جامع الحسنين
أمر بعمل هذا المشهد المبارك بعد فنائه الملك العادل العابد نور الدنيا والدين محمود بن بدر الدين سنة 550.
جامع الحسنين
جدد المشهد الشهير برأس الحسين الشهيد من الأنصار المدعا المعروف بابن الشريدار من سقى الخير من بين الأنصار.
هوامش
الخاتمة
إن مما قدرنا أن نخدم به وطننا من التآليف النافعة هو هذا التاريخ الذي تحرينا فيه الحق والصدق وعدم الانحراف لمطالب النفوس المتحيزة للغاية. إذ لا مقصد لنا إلا إبراز هذا التاريخ من طي الخفاء إلى عالم الظهور. فجددنا به ذكرا لأفاضل حماة وتاريخ حياتها السياسي والعمراني، آملا أن يعاد طبعه فيضم له من الفوائد غير هذه، ومن التراجم ما نعثر عليه أثناء البحث إن امتد أمد الحياة، والله حسبي لا رب غيره، هذا وإنني أشكر كل من ساعدنا وعاضدنا فإن الإنسان بأخيه، والسلام.
تنبيه
لم نذكر تراجم رجال هذا العصر وأحوالهم في هذا التاريخ، وإنما أفردنا لتراجمهم ولذكر حوادث هذا العصر تاريخا على حدة مفصلا لم ندع فيه من يستحق الترجمة إلا ترجمناه فمتى تم تأليفه وترتيبه أبرزناه لعالم الطبع، وقد التزمنا فيه ذكر من لم نذكرهم في هذا التاريخ وذكر من أدركناهم في هذا القرن من أهل حماة وغيرهم من أي بلدة كانوا، وبالله المستعان، والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. (تم تأليفا وطبعا في 23 جمادى الثانية، سنة 1332 هجرية.)
صفحة غير معروفة