سائق الأظعان يطوي البيد طي
منعما عرج على كثبان طي
فقال السلطان: يا شرف الدين، لمن هذه القصيدة فلم أسمع بمثلها؟ وهذا نفس محب. فقال: هذه من نظم شرف الدين عمر بن الفارض. فقال: وفي أي مكان مقامه؟ فقال: كان مجاورا بالحجاز وفي هذا الزمن حضر إلى القاهرة وهو مقيم بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر. فقال السلطان: يا شرف الدين، خذ منا ألف دينار وتوجه إليه وقل عنا: ولدك محمد يسلم عليك ويسألك أن تقبل هذه منه برسم الفقراء الواردين عليك. فإذا قبلها فاسأله الحضور إلينا لنأخذ حظنا من بركته. فقال: مولانا السلطان يعفيني من ذلك، فإنه لا يأخذ الذهب ولا يحضر، ولا أقدر بعد ذلك أن أدخل عليه حياء منه. فقال السلطان: لا بد من ذلك. فأخذ القاضي الذهب وتركه مع إنسان في صحبته وقصد مكان الشيخ فوجده واقفا على الباب ينتظره. فابتدأه بالكلام وقال: يا شرف الدين، ما لك ولذكري في مجلس السلطان؟ رد الذهب ولا تجئني إلى سنة. فرجع وقال للسلطان: وددت أن أفارق الدنيا ولا أفارق رؤية الشيخ سنة. فقال السلطان: مثل هذا الشيخ يكون في زماني ولا أزوره فلا بد لي من زيارته ورؤيته. فنزل السلطان في الليل إلى المدينة مستخفيا هو وفخر الدين عثمان الكاملي وجماعة من الأمراء الخواص عنده. فلما أحس بهم الشيخ خرج من الباب الآخر الذي بظاهر الجامع وسافر إلى الإسكندرية وأقام بالمنار أياما ثم رجع إلى الجامع الأزهر. فبلغ السلطان حضوره وأنه متوعك المزاج، فأرسل إليه مع فخر الدين الكاملي يستأذنه أن يجهز له ضريحا عند قبر أمه بقبة الإمام الشافعي فلم يأذن له الشيخ، ثم سأله أن يبني له تربة تكون مزارا مختصا به فلم ينعم له بذلك، ثم نصل من ذلك التوعك وعافاه الله.
عبد الرحيم البارزي
هو عبد الرحيم نجم الدين بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم بن هبة بن حسان نجم الدين الجهني الحموي الشافعي البارزي، قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها، ولد في حماة، كان إماما فاضلا فقيها أصوليا خيرا، له في العلوم النقلية والعقلية باع طائل ونظر عال، ونال قضاء القضاة في الديار الحموية، ولم يأخذ على القضاء رزقا، وكان مشكور الأحكام وافر الدراية والديانة محبا للفقراء والصالحين. درس وأفتى وصنف التصانيف الحسنة، حدث عن موسى بن الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من أبيه الشيخ إبراهيم البارزي. قال الذهبي: كان عبد الرحيم البارزي إماما فاضلا فقيها، ومن مشايخه القاسم بن رواحة الحموي، توفي سنة 683 في تبوك على طريق الحج ونقل فدفن في البقيع. وكان له شعر حسن، فمنه:
يقطع بالسكين بطيخة ضحى
على طبق في مجلس لأصاحبه
كبدر ببرق قد شمس أهلة
لدى هالة في الأفق بين كواكبه
ومنه يخاطب الملك المنصور صاحب حماة:
صفحة غير معروفة