تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط

شكيب أرسلان ت. 1368 هجري
180

تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط

تصانيف

الملابس العربية

إن في خزانة كنيسة «كور» من بقايا القرون الوسطى أشياء نفيسة إلى الغاية يندر وجود مثلها في البداعة، فمنها حلة من الحرير يلبسها القسيس في القداس، تختلف عن بقية الملابس الكنسية وهي مطرزة بآيات قرآنية مكتوبة بالأحرف العربية، ولا نعلم شيئا عن كيفية حيازة الكنيسة لهذه الحلل، ولكن يترجح أنها كانت في أيام وجود العرب في سويسرة، وكما أن رينو يقول: إن في كنائس فرنسة كثيرا من الحلل الدمقسية والآنية الثمينة والأقداح البلورية التي جاءت في زمان وجود العرب بفرنسة، فلا يبعد أن يكون ما في كنيسة كور من هذه الملابس الكهنوتية قد جاء في زمان وجودهم بسويسرة.

وإننا مضطرون للاعتراف بأن العرب كانوا في أيام ازدهار الخلافة في إسبانية، أعلى كعبا في الصناعات والعلوم من الأوربيين، وأن الثياب التي كانوا ينسجونها للزينة كانت من أفخر ما يوجد، ولقد اتفقت الكلمة على كون الصنائع العربية اليدوية، من الحلي والآنية الفضية والأسلحة، هي من الأشياء التي يتنافس الناس بها، إلا أننا نقول: إن الشيء الذي فاق العرب به الجميع هو صنعة النسيج التي كان أكثر ازدهارها في القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، وكان الخلفاء يهدون منها أمراء أوربة وملوكها، فإنهم كانوا يتحفونهم بنفائس الأسلحة والآنية، وأفخر ما كانت تشتمل عليه هداياهم هو الثياب المطرزة المنسوجة بأنواع التصاوير المزركشة بالذهب والفضة مما كانت تخرجه معامل المسلمين، وكان من اصطلاح العرب في النساجة أن يجعلوا خطوطا عرض الواحد منها سبعة سنتيمترات، وينسجوا عليها حروف الكتابة التي يريدونها من جهة، والتصاوير من جهة أخرى، ولم تكن هذه الكتابات وهذه التصاوير من صنع الأيدي، بل كانت من عمل المعامل والأنوال، وكانت مادة النسج من الخز وخيوط الفضة مصنوعة بالتطريق، وكانت تدور بخيطان الفضة بنود من الحرير الأصفر، بحيث لا تزال الفضة تلمع في أثناء النسيج، وتنعكس عليها ألوان الأطلس الأصفر فيخال الرائي تلك الفضة ذهبا.

وقد ذكر ابن خلدون الكاتب العربي المشهور أن أمراء العرب وملوكها كانت تخلع على من تريد تشريفه أو تكريمه خلعا من هذا النوع، وكان المعمل الذي يخرج هذه المنسوجات يسمى بالمطراز، وقد نقل المستشرق الشهير «دساسي» عبارة ابن خلدون في المجلد الثاني صفحة 782 من كتابه «المنتخبات العربية»

Chrestomatie Arabe

كما أنه في صفحة 305 من هذا الكتاب ذكر ما يأتي:

إننا نعرف منسوجات كثيرة من صنع العرب، هي من النوع الذي يسميه ابن خلدون بالطراز، وأول ما أذكره الطيلسان الذي كان يرتديه قياصرة ألمانيا عند تتويجهم، فقد كان هذا الطيلسان يشتمل على كتابة عربية منسوجة من خيطان الذهب، كان قد ترجمها وشرحها المرحوم المسيو «تيخسن»

Tychsen

وظهر أن هذا الطيلسان صنع في بلرم

51

صفحة غير معروفة