وكان من مواتاة الظروف لفلاسكس أن ارتقى العرش سنة 1621 فيليب الرابع واستوزر الكونت اوليفاريز، وكان والد هذا الكونت حاكما على إشبيلية، وفيها نشأ ابنه فلما صار وزيرا أخذ الرسامون في إشبيلية وغيره من طلاب المصالح والمناصب يتقدمون إليه بحق الاشتراك في الانتساب إلى مدينة إشبيلية. وقصد فلاسكس إلى مدينة مدريد سنة 1623 وهناك سعى له الكونت أولفاريز حتى اقتنع الملك بأن يقعد له حتى يرسمه.
ومن ذلك الوقت ذاعت شهرة فلاسكس، وصادقه الملك وأحبه وجعله رسام البلاط وعمره وقتئذ لم يكن سنوى 24 سنة، وعمر الملك 18 سنة. وكان الملك يزوره كل يوم في غرفته بالقصر، وكان قد جعل هذه الغرفة مرسما يرسم فيه الملك وسائر أعضاء الأسرة والنبلاء.
وفي سنة 1628 زار روبنز مدريد وعرف فلاسكس الذي انتفع بنقده ونصيحته، وخصوصا عندما نصح له بزيارة إيطاليا التي كانت في ذلك الوقت محج رجال الفن يقصدون إليها لمشاهدة نفائس المدن في عواصمها الكبرى. وأصاع فلاسكس لنصيحته ورحل إلى إيطاليا حيث زار البندقية ورومية ونابولي، ثم عاد إلى مدريد واستأنف أعماله بالقصر.
وعاد سنة 1649 إلى زيارة إيطاليا ثم رجع إلى مدريد بعد أن شاهد معظم الصور الفنية واشترى طائفة كبيرة منها للملك. فتمت بذلك تربيته ونفذت بصيرته إلى دقائق لم يكن يلتفت إليها في أول نشأته.
وفي عالم الرسم اثنان كل منهما شغف بإحدى الصور. هما: رمبرانت الهولندي الذي شغف برسم صورته وترك منها عددا كبيرا ما يزال للآن يزين المتاحف والقصور، وفلاسكس الذي شغف برسم الملك فيليب الرابع حتى إنه ما يزال من رسومه للآن 26 رسما غير ما أضاع الحريق منها.
قال أوربن: «يمكننا أن نعرف ثمرة هذا الإكباب على رسم أنموذج واحد في فلاسكس، وذلك بمشاهدة هذه الرسوم التي قدرت له أن يدرك ما يدركه في النهاية كل رسام، وهو أنه إذا أراد أن يتفوق فإنما سبيل هذا التفوق لا يكون في موضوع الرسم بالذات وإنما في طريقة المعالجة لهذا الموضوع. ولم يكن فلاسكس ينشد وحيه أو إلهامه في طرافة الموضوع الجديد، وإنما كان ينشدهما في الدأب المتواصل في زيادة الفحص وترقية الرسم لشيء سبق أن رآه».
وكانت علاقة الرسام بالملك علاقة الصداقة والاحترام المتبادل، حتى كان يلزم أحدهما الآخر وتسقط بينهما التكاليف التي توجبها عادات البلاط. وكانت سلواهما الرسم والصيد واقتناء الخيول والكلاب. ومن أحسن الصور التي رسمها صورة ولي العهد كارلوس الذي لم يعش إلى أن يرتقي عرش إسبانيا. وقد رسمه في هيئة ملوكية وهو قابض على العصا، ولكنه مع ذلك مسح عليه مسحة الطفولة التي تحببه إلى كل من يرى هذه الصورة الفريدة. ومن رسومه الفريدة صورة «ايزوب» التي تمثل فليسوفا قد أنهكه الدرس والفقر فهو سيئ اللباس مشعث الشعر قد تغضن وجهه وبرزت عظامه وذهبت عن عينيه لمعة الشباب. ولعله صور فيها أحد أصدقائه الكثيرين المفلوكين الذين كان يعرفهم قبل أن يرتقي إلى معرفة الملك.
وتعين بعد ذلك «مارشال القصر» فكان يؤدي أعمالا كثيرة جعلته يهمل الرسم. وفي سنة 1659 كان الكردنال مازران الفرنسي قد عقد صداقة جديدة بين فرنسا وإسبانيا بعقد الزواج بين لويس الرابع عشر وماري تيريز الإسبانية. وحضر فلاسكس هذا الزفاف، وكان عليه أن يهيئ جميع ما تتطلبه الأبهة الملوكية. فأنهكه العمل، فلما عاد إلى مدريد في السنة التالية سنة 1660 مات.
وأعقبت وفاته فترة من «الجاهلية» في إسبانيا ترجع إلى سيادة رجال الدين الذين ما زالوا سائدين حتى نسي اسم فلاسكس. ولكن منذ خمسين سنة أخذ هويسلر في إنجلترا ومانيه في فرنسا يشيدان بذكر فلاسكس وكأنما قد اكتشفاه، فبعثت شهرته من جديد.
وتعرف إسبانيا برسام آخر هو دون فلاسكس ولكنه على شيء من النبوغ الذي يجعل لرسومه بعض القيمة للآن، وهو «موريلو» الذي ولد سنة 1600 ومات سنة 1667. وقد نشأ أيضا في إشبيلية وسافر إلى مدريد وانتفع بمعرفته لفلاسكس. ثم عاد إلى إشبيلية وهناك رسم تلك الرسوم التي تمثل الطبقات المنحطة مثل الشحاذين والفقراء ونحوهم. ومن أشهر رسومه «اثنان يأكلان الشمام والعنب» وهي تمثل حالة إسبانيا الاجتماعية في ذلك الوقت، حالة القوة في الدولة والضعف في الأمة. فكانت الدولة مشهورة بالغنى والسلاح والحروب، والأمة تتمرغ على تراب الفقر. وله صورة أخرى هي «حمل العذراء» وهي تمثل السذاجة والحلاوة في العذراء التي تتطلع إلى فوق بنظرة ممزوجة من الدهشة والأمل. وقد اشترت الحكومة الفرنسية هذه الصورة سنة 1852 بمبلغ 23400 جنيه.
صفحة غير معروفة