وانتفع فانديك من هذه الزيارة ، وعاد وقد قويت فيه ملكة التمييز بين الألوان والقدرة على أداء التفاصيل، وسافر إلى إنجلترا حيث رسم الملك تشارلس الأول على جواده، وكان الثائرون قد استولوا على هذه الصورة بعد أن قتلوا الملك ثم باعوها حتى وقعت في يد أمير بافاريا، وبقيت هناك إلى أن اشتراها منه الدوق مارلبرا. وما زالت في بيته إلى سنة 1885 حين ابتاعتها الحكومة هي وصورة «العذراء» لرفائيل بمبلغ 87000 جنيه.
وكان فانديك رقيق المزاج ضعيف الجسم، وانغمس في الملذات فلم يتحمل جسمه أضرارها. وقد مات سنة 1641 وهو في الثانية والأربعين من عمره. وكان يؤمن بالخرافات ويبحث عن «حجر الفلاسفة» وأنفق في البحث عنه قوته وماله.
الفصل الثاني عشر
نهضة الفن في إسبانيا
الجريكو. فلاسكس. موريلو
ترجع نهضة الفن في إسبانيا إلى إيحاء الفلمنك ثم إلى إيحاء الإيطاليين. وليس هذا غريبا إذا عرفنا أن الفن الفلمنكي انتشر في بلجيكا وهولندا، وهذه الثانية كانت من ممتلكات إسبانيا ولم تنل استقلالها إلا بعد حروب دينية طويلة.
وكان فان إيك الفلمنكي قد زار إسبانيا في سنة 1428، وتبعه آخرون جرأهم على الرحلة إليها ما لقيه هو من تقدير وحظ ثم دخلت بعد ذلك نابولي وصقلية في دائرة الممتلكات الإسبانية، فاتصل الإسبان بالفن الإيطالي.
وكان الفن قد ظهر في نابولي وارتقى على يد كرافاجيو الذي ولد سنة 1569 ومات سنة 1609. وكان قد استقل بأسلوب خاص في نقل الطبيعة كما هي، فكان بذلك رائدا للأسلوب التقريري أو التحقيقي في حين أن معظم الرسامين في زمنه كانوا يقتصرون على نسخ رسوم العظماء، فكان هو طليعة الرقي الجديد بينما الكثرة الغالبة حوله من الرسامين كانوا قد انحطوا ودخلوا في طور النسخ والقنوع بما أداه عظماء فلورنسا والبندقية. ولكرافاجيو رسوم قليلة باقية أهمها وأبدعها صورة «الغش في الكوتشينة». ورسومه كلها ناصعة الألوان. ولكن هذه النصاعة لم يبلغها إلا بالمبالغة في رسم الظل، بحيث يهمل الاندغام والتدرج بين الألوان فيجعل النور أضوأ والظلام أحلك من حقيقتيهما. وقد ورث عنه هذا النقص فلاسكس.
وانتقلت طريقة كرافاجيو إلى إسبانيا على يد ربيبرا، وهو رسام إسباني غير مشهور توفي سنة 1656. ولكن إسبانيا كانت قد تأثرت برسام أجنبي ولد في جزيرة كريت، ولذلك أطلق عليه اسم «الجريكو» أي الإغريقي، وكانت ولادته سنة 1545 ووفاته سنة 1614، وقد زار البندقية وتتلمذ لتسيانو، وفي سنة 1575 هاجر إلى إسبانيا ونزل في طليطلة، وهناك في مدينة طليطلة وجد تلك الحركة الدينية التي أحدثها لويولا زعيم اليسوعيين ومنشئ فرقتهم، وقد سبق أن ذكرنا للقارئ ما كان من التأثيرات المختلفة التي أحدثتها الحركات الدينية في فن الرسم، وكيف أثرت حياة القديس فرانسيس ثم حياة الراهب سافونا رولا ثم ظهور النهضة البروتستانتية، والآن نقول: إن النهضة اليسوعية كان لها أثر غير صغير أيضا في فن الرسم في إسبانيا، فقد كانت الغاية من هذه النهضة مكافحة البدعة الجديدة التي أوجدها لوثر؛ أي البروتستنتية، ولكن سبيل هذه المكافحة هو تطهير الكنيسة الكاثوليكية ولذلك نجد أن الموضوع الذي استهوى الجريكو فأجاد رسمه هو «المسيح يطرد الصيارفة من المعبد»، وهذه الصورة أشبه شيء بالرمز لنهضة لويولا الذي يريد أن يطهر الكنيسة كما أراد المسيح أن يطهر المعبد من المرابين.
وإذا ذكرت إسبانيا من ناحية الرسم خطر بالبال «فلاسكس» أعظم رساميها، بل من أعظم الرسامين في العالم، وقد ولد في إشبيلية سنة 1599 وكان أبوه برتغاليا وأمه إسبانية، فلما بلغ الرابعة عشرة دخل مرسم رجل رسام غير مشهور يدعى «هريرا» لم يبق عنده إلا بضعة أشهر ثم تركه إلى رجل آخر أشهر منه يدعى «باشيكو»، فبقي هناك يتتلمذ له نحو خمس سنوات، وتزوج سنة 1618 ابنته، فعمل باشيكو على مساعدته وتقديمه وإذاعة اسمه.
صفحة غير معروفة