تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
تصانيف
نشأ في بيت فقهاء وقضاة، وكانت أسرته من أكبر الأسر وأشهرها في الأندلس، وأباؤه من أئمة المذهب المالكي، وكان هو وأبوه وجده قضاة قرطبة، وانفرد حينا بقضاء أشبيلية.
كان جده محمد بن رشد من أهل العلم والفقه، وكانت له مباحث فلسفية وشرعية وله مجموعة فتاوى رتبها ونقحها أحد مريديه وأتباعه، ابن الوران، إمام مسجد قرطبة لعهده (وهي بمكتبة باريس الوطنية تحت عدد 398 ملحقات عربية).
ولا ريب في أن أبا الوليد ورث كثيرا من مواهب جده واستعداده الفكري.
أما والده فلا يمتاز إلا بمنصب القضاء، وليس له بين أيدينا أثر معروف، ولكن رجلا كأحمد بن محمد بن رشد يكفيه فخرا أن كان ابنا لأبيه ووالدا لولده، فله نصيب عظيم في تربية ابنه وتهذيبه وتوجيه مواهبه.
هذا فيما يتعلق بالنسب من جهة الوالد، أما من جهة الأم فليس لدينا معلومات يركن إليها، وهذه حال معظم مشاهير الإسلام؛ لأن النساء بحكم الآداب الدينية والعرفية لا يذكرن ولا يكون لأشخاصهن شأن يعرف في تربية أولادهن، ولعل هذا الحال هي التي حدت ابن رشد إلى مناصرة النساء والمطالبة بتحريرهن، وقد رأى بعينه الفرق بين حياة الإسبانية المسيحية والأندلسية المسلمة. (3) علاقته باليهود
ذكر المؤرخون عند الكلام على نكبته أنه عوقب بالنفي في «اليسانة»، وهي بلد صغير كان آهلا باليهود. وأنه نفي إليه وحده، أما بقية أصحابه وتلاميذه فأمروا أن يكونوا في موضع آخر، وربما كان نفيه إليه نوعا من النكاية وزيادة في التنكيل؛ لأن الخليفة المنصور الذي نفاه كان يبغض اليهود ويضطهدهم، ولكن بعض أعداء ابن رشد انتهزوا فرصة غضب الأمير عليه ونفيه إلى ذلك البلد، وأشاعوا أن المنصور قد رد الفيلسوف إلى أصله ونفاه في بلد قومه لأنه ينسب في بني إسرائيل ولا تعرف له نسبة في قبائل الأندلس!
ويجدر بالذكر أن ابن رشد كان ذا شأن عظيم في نظر اليهود، وأن كثيرين من فلاسفتهم أمثال ميمونيد وغيره نقلوا مؤلفاته إلى اللغة العبرية، ومنها نقلت إلى اللاتينية والعربية، والفضل يرجع إليهم في الاحتفاظ بتلك المؤلفات إلى أن بلغت أبناء الأجيال الحديثة. فهل جاءت تلك الحوادث عفوا ومصادفة أم كان لها سبب خفي قوي وهو صحة انتساب ابن رشد إلى بني إسرائيل وتسلسل جده من أهل تلك الملة؟ أما نحن فنحسبها مصادفة. (4) نشأته وتربيته
درس ابن الرشد الشريعة الإسلامية على طريقة الأشعرية، وتخرج في الفقه على مذهب الإمام مالك، ولهذا يوجد شبه بين آرائه الشرعية والفقهية وبين ميوله الفلسفية، أما الطريقة الأشعرية فقد اختارها أهله وأولياؤه، والمذهب الشرعي يلزم باتباعه على ما كان أبوه، أما المبدأ الفلسفي الذي خدمه فهو الذي اختطه لنفسه بإرادة حرة، وقد يكون للطريقة التي درس بها الفقه والمذهب الذي تبعه أثر في أفكاره الفلسفية لا يمكن تحديده.
وسيرى القارئ فيما يلي أنه تصدي في كثير من كتبه للطعن على الأشعرية وانتقاد طرقهم ومبادئهم انتقادا مرا، وذلك بعد أن اتسع نطاق فكره وامتدت أشعة بصيرته إلى أبعد مدى، فانتصر المنطق الصحيح والرأي الراجح على الفروض الوهمية والتخمين الخيالي. (5) تاريخ حياته
لما بلغ ابن رشد الثامنة والعشرين من عمره سافر إلى مراكش، وقصد إلى بلاط الخليفة عبد المؤمن ثاني أمراء الموحدين، ولما توفي عبد المؤمن وخلفه ولده يوسف تفضل ابن طفيل الفيلسوف الشهير فقدم ابن رشد لعظمته، وكان يوسف يحب العلم والعلماء ويعظم الحكمة ويكرم الحكماء، وكانت لابن طفيل عنده حظوة كبرى، وروى عبد الواحد المراكشي عن ابن رشد نفسه وصف المقابلة الأولى بين الحكيم والأمير، وفيها أن ابن طفيل أسر إلى ابن رشد رغبة الخليفة يوسف في نقل حكمة أرسطو. ولعله كان يرمي بذلك لأن يكون في الغرب كما كان المأمون في الشرق.
صفحة غير معروفة