تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
تصانيف
واتخذ من أغصان الشجر عصيا سوى أطرافها وعدل متنها، وكان يهش بها على الوحوش المنازعة له، فيحمل على الضعيف منها ويقاوم القوى منها، فنبل بذلك قدره عند نفسه بعض نبالة، وعلم أن ليده فضلا كثيرا على أيديها إذ أمكن له بها من ستر عورته، واتخاذ العصي التي يدافع بها عن حوزته ما استغنى به عما أراده من الذنب والسلاح الطبيعي!
4
ولما كان ابن طفيل طبيبا وعالما بالطبيعة والفلك والرياضيات، فقد جعل بطل قصته الفلسفية على صورته وصورة من سبقه من الفلاسفة. «فبعد أن ماتت الظبية التي كانت تغذيه بلبنها، تتبع ذلك كله بتشريح الحيوانات الأحياء والأموات، ولم يزل ينعم النظر فيها ويجيد الفكرة حتى بلغ في ذلك كله مبلغ كبار الطبيعيين فتبين له أن كل شخص من أشخاص الحيوان، وإن كان كثيرا بأعضائه وتفنن حواسه وحركاته، فإنه واحد بذلك الروح الذي مبدؤه من قرار واحد».
وكان حي بن يقظان ينازع الحيوان البقاء في سن سبع سنين. فلما بلغ واحدا وعشرين عاما كان قطع مرحلتين في الحياة الأولى: إتقانه التشريح ووقوفه على سر الحياة المادية، والثانية استعماله بعض الجماد والنبات أدوات للمحاربة والتغلب، واتخاذه بعض الحيوان بالحيلة أو بالقوة لإخضاع البعض الآخر مما هو في حاجة إلى استخدامه.
هذا ما أردنا إيراده من تلخيص تلك الفلسفة وسنذكر الآن بعض نصوص من قلم ابن طفيل نفسه في وصف الترقي الروحاني، ووصف الطريق التي سلكها حي بن يقظان إلى أن وصل إلى الغاية التي يرمي إليها ابن طفيل، وقد قسمنا موضوع الاقتباس إلى ستة أقسام:
القسم الأول:
في كيفية علم حي بن يقظان أن كل حادث لا بد له من محدث.
القسم الثاني:
في نظر حي بن يقظان في الشمس والقمر والكواكب وبقية الأجرام السماوية.
القسم الثالث:
صفحة غير معروفة