تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
تصانيف
المثل الأعلى للحكومة في نظر الفارابي هو الذي يكون الحاكم فيه فيلسوفا. وإن الناس اجتمعوا بضرورة الاجتماع ويضعون أنفسهم تحت إرادة فرد يمثل الحكومة.
وأفضل الحكومات ما كانت متصلة بهيئة دينية؛ أي أن تكون الحكومة مسيطرة على أمور الأمة الدينية والدنيوية . (راجع آراء المدينة الفاضلة).
وكانت فلسفة الفارابي روحانية محضة، فعاش ملكا في عالم العقل، متسولا في عالم الحياة المادية . وكانت فلسفته لا تعطي شيئا مما تتطلبه الحواس. (19-7) تلاميذه
تلاميذه هم زكريا يحيى بن عدي مسيحي يعقوبي اشتهر بترجمة مؤلفات أرسطو، وقد تلقى عليه العلم أبو سليمان محمد بن طاهر السجستاني الذي التف حوله علماء عصره، وهو النصف الأخير من القرن العاشر، ببغداد. وقد وصلت فلسفة الفارابي مع تلاميذه إلى علم الكلام وانتهت الحال بهم كما انتهت بإخوان الصفاء إلى فلسفة صوفية. (19-8) القول في أجزاء النفس الإنسانية وقواها
إذا حدث الإنسان فأول ما يحدث فيه القوة التي بها يتغذى، وهي القوة الغاذية، ثم من بعد ذلك القوة التي بها يحس الملموس، مثل الحرارة والبرودة وسائرها، التي بها يحس الطعومة والتي بها يحس الروائح، والتي بها يحس الأصوات، والتي بها يحس الألوان، والمبصرات، وكلها مثل الشعاعات؛ ويحدث مع الحواس بها نزاع إلى ما يحسه، فيشتاقه أو يكرهه، ثم يحدث فيه بعد ذلك قوة أخرى يحفظ بها ما رسم في نفسه من المحسوسات بعد غيبتها عن مشاهدة الحواس لها. وهذه هي القوة المتخيلة، فهذه تركب المحسوسات بعضها إلى بعض، وتفصل بعضها عن بعض؛ تركيبات وتفصيلات مختلفة، بعضها كاذبة وبعضها صادقة، ويقترن بها نزوع نحو ما يتخيله، ثم من بعد ذلك يحدث فيه القوة الناطقة التي بها يمكن أن يعقل المعقولات، وبها يميز بين الجميل والقبيح، وبها يحوز الصناعات والعلوم، وبها أيضا نزوع نحو ما يعقله، فالقوة الغاذية منها قوة واحدة رئيسة، ومنها قوى هي رواضخ لها وخدم: فالقوة الغاذية الرئيسة هي من أعضاء البدن في الفم، والرواضخ والخدم متفرقة في سائر الأعضاء، وكل قوة من الرواضخ والخدم فهي في عضو ما من سائر أعضاء البدن، والرئيسة منها هي بالطبع مدبرة لسائر القوى، وسائر القوى يتشبه بها ويحتذي بأفعالها حذوا هو بالطبع غرض رئيسها الذي في القلب. وذلك مثل المعدة والكبد والطحال.
والأعضاء الخادمة هذه والأعضاء التي تخدم هذه الخادمة والتي تخدم هذه أيضا ؛ فإن الكبد عضو يرأس ويرأس، فإنه يرأس بالقلب ويرأس المرارة والكلية، وأشباههما من الأعضاء، والمثانة تخدم الكلية، والكلية تخدم الدم والكبد، والكبد يخدم الكلية، وعلى هذا توجد سائر القوى.
والقوة الحاسة فيها رئيس، وفيها رواضخ، ورواضخها هي هذه الحواس الخمس المشهورة عند الجميع، المتفرقة في العينين والأذنين وسائرها، وكل واحدة من هذه الخمس تدرك حسا ما يخصها، والرئيسة منها هي التي اجتمع فيها جميع ما تدركه الخمس بأسرها، وكأن هذه الخمس هي منذرات تلك، وكأن هؤلاء أصحاب أخبار كل واحد منهم موكل بجنس من الأخبار وبأخبار ناحية ما من نواحي المملكة.
والرئيسة كأنها هي الملك الذي يجتمع عنده أخبار نواحي مملكته من أصحاب أخباره. والرئيسة من هذه أيضا هي في القلب.
والقوة المتخيلة ليس لها رواضخ متفرقة في أعضاء أخر، بل هي واحدة وهي أيضا في القلب، وهي تحفظ المحسوسات ومتحكمة عليها، وذلك أنها تفرد بعضها عن بعض، وتركب بعضها إلى بعض تركيبات مختلفة يتفق في بعضها أن تكون موافقة لما حس، وفي بعضها أن تكون مخالفة للمحسوس.
وأما القوة الناطقة فلا رواضخ ولا خدم لها من نوعها في سائر الأعضاء؛ بل إنما رئاستها على سائر القوى المتخيلة. والرئيسة من كل جنس فيه رئيس ومرءوس، فهي رئيسة القوى المتخيلة ورئيسة القوى الحاسة والرئيسة منها. ورئيسة القوى الغاذية الرئيسة منها، والقوى النزوعية وهي التي تشتاق إلى الشيء وتكرهه فهي رئيسة ولها خدم. وهذه القوة هي التي بها تكون الإرادة. فالإرادة هي نزوع إلى ما أدرك وعما أدرك: إما بالحس، وإما بالتخييل، وإما بالقوة الناطقة، وحكم فيها أنه ينبغي أن يؤخذ أو يترك.
صفحة غير معروفة