تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
تصانيف
وحيث إن كل ممكن يستدعي فرض سبب لوجوده، وإن سلسلة الأسباب لا يمكن أن تكون بغير نهاية، فلا بد من الاعتقاد بوجود كائن موجود بطبيعته بغير سبب، ومالك لأعلى درجات الكمال، وممتلئ بالحقيقة الأزلية، ومكتف بذاته بلا تغيير ولا تبديل، وهو بصفته عقلا مطلقا وخيرا خالصا وفكرا تاما يحب الخير والجمال (القول في واجب الوجود ص6 وما بعدها «المدينة الفاضلة»). ولا يمكن إقامة الدليل على وجود هذا الكائن لأنه هو التصديق والبرهان، ولأنه العلة الأولى لكل الأشياء، وفيه تجتمع الحقيقة والصدق ويلتقيان، ولأنه أكمل الكائنات واحد فرد لا يتعدد وهذا الوجود الأول المتفرد، الحقيقي الوجود هو «الله»، ومن هذا الكائن الأول ينبعث مثاله أو صورته «الكل الثاني» أو الروح المخلوق الأول الذي يحرك الجرم السماوي الخارجي. وبعد هذا الروح تنبعث عن بعضها البعض الأرواح الثمانية الجرمية التي كلها وحيدة في تعدد أنواعها وكاملة وهذه هي خالقة الأجرام السماوية. وهذه التسعة أجرام السماوية تسمى الأفلاك العلوية وتكون الدرجة الثانية للوجود. وفي الدرجة الثالثة يوجد العقل الفعال في الإنسانية المسمى بالروح القدس، وهو الذي يصل السماء بالأرض. وفي الدرجة الرابعة توجد النفس الإنسانية. وهذان الاثنان العقل والنفس لا يبقيان بنفسيهما في وحدتهما الأصلية الدقيقة، ولكنهما يتعددان تعدد بني آدم ثم يكون من ذلك الشكل والمادة، وهما الدرجتان الخامسة والسادسة وبهما يقفل باب الدرجة الروحية.
ومن هذه الدرجات الست، الثلاث الأولى منها أرواح بذاتها، ولكن الثلاث التالية النفس والشكل والمادة وإن كانت غير جرمية إلا أن لها صلة بالجسم الإنساني.
وللجرم الذي أصله في صورة الروح ست درجات، الأجسام السماوية، وبدن الإنسان، وأبدان الحيوانات النازلة ، وأبدان النباتات، والمعادن، والأبدان الأولية.
وإلاهيات الفارابي مستمدة من أرسطو ومكتوبة على طريقته المنطقية كقوله: «الموجود الأول هو السبب الأول لوجود سائر الموجودات كلها، وهو بريء من جميع أنحاء النقص، فوجوده أفضل الوجود وأقدم الوجود، ولذلك لا يمكن أن يشوب وجوده وجوهره عدم أصلا، والعدم والضد لا يكونان إلا فيما دون فلك القمر.» وإلاهيات أرسطو نقلها الكندي إلى العربية. (15) تقسيم قوى النفس
قوى النفس في نظر الفارابي متدرجة، فالقوة السفلى هي مادة للقوة العليا والعليا صورة للسفلى، وأرقى هذه القوى جميعا الفكر وهو غير مادي وهو صورة لجميع الصور السالفة، والنفس ترتفع عن الموجودات المحسوسة إلى الفكر بقوة التصور والتمثيل، وفي كل قوة من قوى النفس يكمن المجهود أو الإرادة.
ولكل نظرية وجه يناقضها في العمل.
ولا يمكن فصل الميل والنفور عن الإدراكات التي تعطيها الحواس، والنفس تقبل أو ترفض بحسب ما يمثل لها بواسطة الحواس.
ثم إن الفكر يحكم على الخير والشر ويعطي للإرادة الأسباب التي تعول عليها ويهيئ الفنون والعلوم، وكل إدراك أو تمثيل أو فكر لا بد له من مجهود ليصل إلى النتيجة الضرورية كما تنبعث الحرارة من النار. والنفس تكمل وجود الجسم، والذي يكمل النفس هو العقل، والعقل هو الإنسان.
العقل موجود في روح الطفل ويصير عقلا فعالا أثناء إدراكه الأشكال الجرمية بالخبرة بطريق الحواس وقوة التمثيل والتصوير.
فتحقيق التجارب والخبرة ليس من فعل الإنسان ولكنه نتيجة عمل الروح الذي فوق الإنسان، فعلم الإنسان صادر من العلي وليس علما متحصلا عليه بمجهود عقلي؛ أي إنه معطي من الله وليس كسبيا بفعله (مذهب الافتطار). (16) فلسفته الأخلاقية
صفحة غير معروفة