قال-رحمه الله-: وصل الخبر إلى بغداد في ذي القعدة سنة 551 ه، بأن السلطان محمد قد قرب في عسكر هائل، وعرمرم صائل. وهو بمنزل"قصر قضاعة "فصدق اهتمام الخليفة بالاحتراز والاحتراس، وأجد لباس الجد للباس. وبالغ في تحصيل العدد، وتحصين البلد. وأدار بالمنجنيقات سورا على السور، وملأ أبراجه بالحماة المساعير. وخرج الوزير ابن هبيرة وخيم تحت التاج الشريف، عند المثمنة على شاطئ دجلة، بحيث يطل الخليفة من المثمنة على خيمة وزيره، ويقرب الاستثمار في دقيق الأمر وجليله، وقليله وكثيره. وفتح باب الكرم المرتجى المرتج. وثبت قلب الإسلام الخافق المرتج. وأعد العدد الخاصة والخرجية، واستخدم المنجنيقية والجرجية.
وكان من حزم الخليفة، أنه منذ توفي السلطان مسعود، ونفي مسعود الخادم البلالي من بغداد، أوعز بإعداد الذخائر وادخار العدد، والاستظهار بشغل صناع السلاح. وكانت حجارة المنجنيق معوزة، فأحضر منها في السفن ألوفا صارت محرزة.
وأمر ببناء المراكب المقاتلة، والسفن فرعن في دجلة راسيات كالرعن 1. وعبر محمد شاه دجلة إلى الجانب الغربي من أعلى بغداد علي بعد منها بجموعه، وراع كل قلب بصدوعه. وكان قد واعد زين الدين على كوجك فوصل بعسكر الموصل يوم الميعاد، في وفور من العدد والأعداد. وأطلوا من الجانب الغربي على بغداد. وكدروا المشارب، ووفروا المصائب. ثم بكروا وأشرفوا، وبالغوا في العتو وأسرفوا. ووقفوا بإزاء التاج الشريف وشرعوا في السبع، جارين على سوء الطبع. ونبعت من معاجس قسيهم غروب النبع. وجرحوا من النظارة جماعة أحسنوا بهم الظنون، وأمنوا منهم المنون.
وقابلوا الفرض بالرفض، وقاتلوا الله تعالى بقتال خليفته في الأرض. ونزلوا على بعد من بغداد حتى تألفت ألوفهم، والتف لفيفهم. وسيروا إلى الحلة والكوفة وواسط والبصرة ولاة ومقطعين، وشحنا ومتصرفين.
صفحة ٣٤٦