13
الذي تولى البصرة في سنة 1281ه، فظلم أهلها، وابتز أموالهم، حتى اضطروا إلى رفع الشكوى إلى والي بغداد تقي الدين باشا، فاكتفى الوالي بتقريعه، فلم ينته، فلما تولى ولاية بغداد نامق باشا رفعوا شكواهم إليه فعزله.
ومنها أن الحكومة بدأت بأخذ الضريبة على النخيل على حساب الجريب منذ سنة 1282ه، ثم ربطت أكثر مقاطعات البصرة برسم الجريب في سنة 1286ه، وفوضت في السنة نفسها أكثر الأراضي الأميرية ببدل المثل، وأسست دائرة البلدية في المدينة، ثم أردفها بتأليف محكمة التمييز، وسيرت سفنا بخارية في دجلة بين بغداد والبصرة في سنة 1285ه في عهد الوزير الخطير مدحت باشا. ومنها: نصب ناصر باشا السعدون واليا على البصرة في سنة 1292ه وجعلها ولاية بعد أن كانت متصرفية، وعزل ناصر باشا في سنة 1294ه، وإرجاع البصرة متصرفية في سنة 1297ه. (13) البصرة في عهد السلطان عبد الحميد خان الثاني
كانت البصرة متصرفية إلى أيام السلطان عبد الحميد الثاني، وظلت على حالها حتى إذا ما كانت سنة 1301ه جعلت ولاية عثمانية، فتوالى عليها الولاة الأتراك الذين كانوا يرسلون من الأستانة، وكان معظمهم من المستبدين في الأحكام لا يبالون بالظلم وقبول الرشوة وابتزاز أموال الناس من أي وجه كان، ولا يهمهم غير منافعهم الشخصية إلا من ندر منهم، ولم يحدثوا إصلاحا يذكر، ولا قاموا بعمل حيوي، ومن أشهر هؤلاء الولاة المشير نافذ باشا الذي تولى سنة 1305ه، وهداية باشا المتولي سنة 1309ه، وفخري باشا الذي تولى وكالة الولاية في سنة 1322ه، ومخلص باشا المتولي سنة 1322ه، غير أن هذين الأخيرين من خيرة الولاة الذين جاءوا في العهد الحميدي خصوصا مخلص باشا؛ فإنه كان من المصلحين.
على أننا لا ننكر أن هذه المدينة زادت عمارتها ونفوسها في عهد السلطان عبد الحميد خان الثاني، وصارت حسنة الأسواق كثيرة العمائر مع ما كان يحدث في ذلك العهد من الاضطرابات بسبب هجمات اللصوص عليها؛ إذ كانت فيها يومئذ عصابات مؤلفة من الأعراب والعبيد المتشردين، فكانوا يهجمون على المدينة تارة ليلا وأحيانا نهارا، فيدخلونها بصورة مريعة فيقتلون وينهبون، ثم يعودون إلى أماكنهم بعد أن يأخذوا ما شاءوا من النقود التي للتجار سواء كانت في الدور أم في المخازن أم في الأسواق، وعدا ذلك فقد كانت الطرق في أكثر الأحيان يقطعها اللصوص أو الأعراب الثائرين على الحكومة، فينقطع سير البواخر في دجلة، ويمكننا أن نقول: كانت الفوضى ضاربة أطنابها في البصرة وما حولها في العهد العثماني الأخير.
أما العلوم فلم يكن لها أثر في هذه المدينة، ولا كان فيها غير عدد قليل من المدارس الابتدائية الرسمية التي أسست في العهد الحميدي، ومهما كانت حالة البصرة غير مرتاحة في عهد عبد الحميد فإنها كانت يومئذ قد زادت عمارتها وتوسعت، وأخذت تجارتها بالرقي، وزادت ثروة أهلها، وكثرت نفوسها بسبب كثرة القادمين إليها للاتجار من بلاد مختلفة. (14) البصرة بعد إعلان الدستور
أخذت هذه المدينة تسير نحو الرقي والعمران منذ أعلنت الدولة العثمانية الحكم بالدستور في سنة 1326ه، وقلت هجمات عصابات اللصوص عليها، وجرى فيها بعض الإصلاح، ومن أشهر ولاتها في ذلك العهد: عارف بك المارديني الذي تولى في أول سنة 1327ه، وسليمان نظيف بك الكاتب التركي المشهور المتولي في آخر سنة 1327ه، ولولا الفتن التي كانت تثيرها يد المغرضين حينذاك لزهت البصرة في تلك الأيام. ويمكننا أن نقول: إنها ارتاحت كثيرا في ذلك العهد وإن حدثت فيها بعض الاضطرابات التي لا نرى الوقت مساعدا لذكرها في هذا المختصر، ويحق لنا أن نقول: إن البصرة لم تر عهدا بعد العصر العباسي الأول مثل عهد الدستور؛ من حيث النهضة التجارية والحركة العمرانية والنظام والانتظام. (15) سقوط البصرة بيد البريطانيين
قامت الحرب العامة في أواخر سنة 1332ه وعلى البصرة يومئذ وكيلا للولاية القائد صبحي بك، وكانت الحكومة العثمانية قد سيرت أكثر الجنود العراقية إلى جهات قفقاسيا، وأرسلت جيشا ضعيفا نحو الخمسة آلاف جندي أكثرهم من العراقيين إلى البصرة، وسدت شط العرب عند الفاو، فهجم أسطول البريطانيين على الفاو في منتصف شهر ذي الحجة من السنة المذكورة، فاندحر الجيش العثماني بعد بضعة أيام، ثم انسحب من البصرة في آخر يوم من هذا الشهر، فدخل البريطانيون المدينة في اليوم الثاني من محرم سنة 1333ه، ثم سقطت القورنة في 20 محرم سنة 1333ه بعد معارك عنيفة قام بها القائد العثماني صبحي بك حتى نفذت ذخائره الحربية، فاضطر إلى التسليم.
وحاول العثمانيون استرداد البصرة من البريطانيين، فجمعوا جيشا كبيرا، فحدثت بين الفريقين حروب دامت ثلاثة أيام في الشعيبة، فانتهت بفشلهم، وبانتحار القائد سليمان عسكري بك، وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة 1333ه، وعلى أثر ذلك سقطت العمارة في أوائل شهر رجب، ثم سوق الشيوخ في أوائل رمضان، ثم الناصرية في اليوم التاسع من رمضان، وبقيت الحروب بين الدولتين حتى سقطت بغداد بيد البريطانيين في 15 جمادى الأولى سنة 1335ه الموافق ل 11 آذار سنة 1917م.
تنبيه
صفحة غير معروفة