تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين
الناشر
دار المشرق
رقم الإصدار
الثالثة
مكان النشر
بيروت
تصانيف
لكني قد قضيتُ بذا همومًا ... وكم قاسيتُ فيه من متاعبْ
وكم شاهدتُ أهوالًا ثقالًا ... وأحوالًا رأيتُ بها العجائبْ
وكم كابدتُ في سفري عناءً ... وكم فيه دهتني من مصائبْ
وكم لي وقعةُ مع كل حرٍ ... وكم لاقيت شاهينًا محاربْ
وكم صادفت فيه من عُقابٍ ... شديد البأس قناصٍ معاقبْ
وكم من كاسر من كل طيرٍ ... تعمَّدني وجاءَ عليَّ واثبْ
هناكَ أبنت بطشي واقتداري ... وأبديتُ العجائب والغرائب
وجرَّدتُ الأظافرَ من اكفٍّ ... مظفَّرةٍ وانشبتُ المخالب
وبتُّ بكل ذي جنحينِ أسطو ... وأقهر كلَّ خطَّافٍ مضاربْ
فكم شقَّتُّ منهم في الفيافي ... وكم بدَّدت منهم في السباسبْ
وكم غادرتهم في الجوْ فوضى ... وكم أفنيتُ منهم في الشعائبْ
ولم أنفكُّ أسقيهم كؤوسًا ... أجرّعهم بها مرَّ المشاربْ
ولم أترك بهم إلا فراخًا ... يتامى في العشوش غدتْ نوادب
فمثلي من يخوض وغي المايا ... ويغزو هكذا ويعودُ غالبْ
أنا المجلوبُ من كرمٍ ولكن ... بعون الله الأحرار جالبْ
فهنَّوا سيدي بي في مقال ... يؤرَّخ جاءَ بعد العزّ كاسب
وقال لما دخل الآستانة العلية مع الأمير بشير يمدح دار السعادة:
منذ جئتُ إسلَمْبولَ شِمتُ محاسنًا ... دعت المحاسنَ كلَّهنَّ إلى الورا
فملوكها شرفُ الملوك ورَبْعها ... خير الربوع وأهلها نعم الورى
ولولا خوف الإطالة لروينا غير هذا من قصائده التي تطبع في ديوانه. فاكتفينا بما سبق. ويحسن بنا القول في ختام كلامنا عن بطرس كرامة إن أدباء عصره عرفوا فضله وأقروا به إلا البعض منهم. ولما قال قصيدته الخالية الشهيرة التي التزم أن تكون قافيتها في جميع أبياتها لفظة (الخال) في معانيها المختلفة وأولها:
أمن خدّها الورديّ أفْتَنَكَ الخالُ ... فسحَّ من الأجفان مدمعك الخالُ
أعجب بها كثيرون وأثنوا على قائلها. وعارضها الشيخ عبد الباقي العمري الموصلي بقصيدة كتبها في بغداد يمدح فيها داود باشا هذا مطلعها:
إلى الروم أصبو كلَّما أومض الخالُ ... فأسكبُ دمعًا دون تسكابهِ الخالُ
وغيرهم خمَّسوها كالشيخ إبراهيم يحيى العاملي والشيخ بن شريف المشهدي
1 / 63