ونستدل مما كتبه القابسي أن البنات كن يتعلمن في الكتاتيب حيث قال: «ومن صلاحهم ومن حسن النظر لهم ألا يخلط بين الذكران والإناث، وقد قال سحنون أكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان؛ لأن ذلك فساد لهن.» 57-أ.
واختلاط الجنسين في التعليم من المسائل الشائكة التي واجهها العالم من قديم الزمان، ولا يزال يواجهها حتى الآن في العصر الحاضر. والأقوال في هذه المسألة متضاربة، هل نجمعهما في التعليم، أم نفصل بينهما، وأي الأوقات أنسب لفصلهما؟
والخشية من فساد البنات لاختلاطهن بالذكور، جعلت الكثيرين يعلمونهن على حدة. قال القاضي عياض في كتاب (ترتيب المدارك): «ومن سيرة عيسى بن مسكين في غير مدة قضائه أنه كان إذا أصبح قرأ حزبا من القرآن ثم جلس للطلبة إلى العصر. فإذا كان بعد العصر دعا بنيه وبنات أخيه يعلمهن القرآن والعلم.»
12
ويبقى أن الفقهاء، ومنهم القابسي قرروا تعليم البنات للضرورة الدينية. وكان البنات يتعلمن فعلا إما في قصور الأغنياء، وهم القادرون على استحضار المؤدبين، وإما في الكتاتيب لعامة الشعب، وبذلك ساد مبدأ إلزام التعليم.
ونقول إن الانصراف في العصور المتأخرة عن تعليم البنت يرجع إلى ما سبق أن ذكرناه من الخوف من فساد البنت إذا تعلمت إلى جانب الولد، مما أدى في نهاية الأمر إلى الامتناع عن تعليم البنات في الكتاتيب. والسبب الثاني هو النصح بعدم تعليم البنت الكتابة والخط خشية فسادها أيضا. وفي ذلك يقول القابسي: «وسلامتها من تعلم الخط أنجى لها.» والقابسي يعبر عن روح العصر الذي بدأ قبل ذلك، واستمر إلى أن قضى على المرأة بالانزواء داخل جدران البيت. وقبل زمن القابسي نجد هذا الرأي منتشرا. قال الجاحظ: «لا تعلموا بناتكم الكتابة، ولا ترووهن الشعر، وعلموهن القرآن، ومن القرآن سورة النور.»
13
مما سبق يتضح لنا أن معرفة الدين هي الغاية القصوى والمطلوب الأول، وتحقيقا لهذه الغاية وجب التعليم ومعرفة القراءة والكتابة، لا في دائرة ضيقة، بل في أوسع دائرة بحيث تشمل جميع أفراد الأمة ذكورا وإناثا. (7) مناقشة الغرض من التعليم
ولم يذكر القابسي من الأغراض التي يبتغيها الإنسان حين يتعلم إلا الغرض الديني.
وقد ذكر خليل طوطح
صفحة غير معروفة