10
فإذا قلنا إن كبراء العرب عادوا إلى وطنهم، فإن هذا الخلق الذي خرج من المدينة ومن حولها، لم يعد منهم إلا القليل، على حين مكث أغلبهم وبنى واستقر؛ ذلك أن المعيشة في جزيرة العرب لا تسهل حتى على أهلها، لقلة مواردها وقسوة الجو فيها.
ولم تخل هذه الغزوات من قتلى يستشهدون في ميدان القتال، «وقبورهم تدعى قبور الشهداء.»
11
وبقيت أئمة المسلمين وكبار الصالحين رمزا قويا للصدر الأول من الإسلام، وتبعث في الخلف روح الاستمرار على الاقتداء بالأوائل، وبث تعاليم الإسلام، والتمسك بأهداب الدين القويم.
على أن استتباب الأمر، ونشر الإسلام، وتمكين الدين واللغة العربية من النفوس شغل الدولة الأموية كلها. ذلك أن الثورات لم تنقطع في عهد الأمويين كما رأينا، بسبب قرب العهد بالشعوب المفتوحة من تقاليدها وعاداتها الموروثة. «ولى هشام كلثوم بن عياض إفريقية، فانتفض أهلها عليه، فقتل بها.»
12
ولم يستتب الأمر إلا في خلافة عمر بن عبد العزيز، الذي ولى المغرب إسماعيل بن أبي المهاجر «فسار أحسن سيرة، ودعا البربر إلى الإسلام.»
13
وهذا يطابق ما ذكره صاحب (البيان المغرب): «وما زال إسماعيل حريصا على دعاء البربر إلى الإسلام، حتى أسلم بقية البربر بإفريقية على يديه في دولة عمر بن عبد العزيز. وهو الذي علم أهل إفريقية الحلال والحرام. وبعث معه عمر رضي الله عنه عشرة من فقهاء التابعين أهل علم وفضل، منهم عبد الرحمن بن نافع، وسعيد بن مسعود التجيبي وغيرهما.»
صفحة غير معروفة