التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

أحمد فؤاد الأهواني ت. 1390 هجري
139

التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي

تصانيف

وفي (البرهان) للزركشي: «كمال الترتيل تفخيم ألفاظه، والإبانة عن حروفه، وأن لا يدغم حرف في حرف، وقيل هذا أقله. وأكمله أن يقرأه على منازله فإن قرأ تهديدا لفظ به لفظ التهديد، أو تعظيما لفظ به لفظ التعظيم.»

34 «وقالوا إن قراءة التدبر والتفهم هي المقصود الأعظم والمطلوب الأهم. وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به، فيعرف كل آية، ويتأمل الأوامر والنواهي، ويعتقد قبول ذلك.»

35

فالإجماع على قراءة القرآن بالترتيل حسب أمر الله وسنة الرسول، مما يدعو دون شك إلى الفهم. وقد أيدت التجارب الحديثة في علم النفس أن الحفظ مع الفهم أسرع وأثبت، وأدعى إلى عدم النسيان، وأقوى على الاسترجاع.

وكانوا ينصحون المتعلمين بهذه الطريقة.

ونحن لا ندري هل يستطيع الصبي الصغير أن يفهم معاني القرآن وأوامره ونواهيه، وما جاء فيه من وعد ووعيد، ودعاء وتضرع، وطلب وتعوذ واستغفار؛ إذ لا شك أن هذه المعاني أعلى من مستوى عقول الصبيان، مما دعا أبا بكر بن العربي إلى النصيحة بتأخير حفظ القرآن إلى سن متأخرة، ووافقه ابن خلدون على هذه الطريقة، ولكنه آثر اتباع التقاليد فأوصى مع العرف بالبدء بتعليم القرآن.

ولا يفوتنا أن نذكر أن الإعراب من دواعي فهم المعنى، وكذلك الهجاء والكتابة. وكانت الطريقة هي حفظ السورة بإعرابها وحسن قراءتها، مع الترتيل المؤدي إلى التدبر والتفكر. وهذا كله ينتهي دون شك إلى كمال الفهم.

ثم أضاف القابسي أنه: «من الاجتهاد للصبي أن لا ينقله من سورة حتى يحفظها بإعرابها وكتابتها.» 59-أ.

ولا يفوتنا أن نذكر أن وسائل الحفظ مع الاستفادة من جميع الحواس أفضل من استعمال حاسة واحدة، على الأخص إذا عرفنا أن بعض الناس بصريون وبعضهم سمعيون وبعضهم حركيون. فهناك من يحفظ عن طريق البصر بالقراءة الظاهرة الصامتة؛ وهناك من يستفيد عن طريق السمع بالقراءة جهرا بصوت عال؛ وهناك من يستفيد بالحركة عن طريق الكتابة. وهذه الوسائل كلها كانت متبعة في تعليم الصبيان؛ فالعين تستفيد من القراءة، واليد من الكتابة، والأذن من الاستماع.

وكانت العادة أن يقرأ الصبيان أحزابهم وهم جماعة، ويستمع المعلم إليهم، وعليه أن يأخذ باله من كل واحد منهم؛ لأن: «اجتماعهم في القراءة يخفي عنه قوي الحفظ من الضعيف.» 69-أ. وإذا اتخذ الصبيان من هذه القراءة أداة للهو والخفة، فعليه أن يعالجهم باختبار كل واحد منهم على حدة، فينصرفوا إلى الجد. «والجهر أفضل لأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم ويزيد في النشاط.»

صفحة غير معروفة