تقريب التدمرية
الناشر
دار ابن الجوزي،المملكة العربية السعودسة
رقم الإصدار
الطبعة الأولى
سنة النشر
١٤١٩هـ
مكان النشر
الدمام
تصانيف
وهؤلاء هم الطائفة الوسط الذين وفقوا للصواب وجمعوا بين المنقول والمعقول، والمحسوس.
* وإذا كان القدر لا ينافي الأسباب الكونية والشرعية فهو لا ينافي أن يكون للعبد إرادة وقدرة يكون بهما فعله، فهو مريد قادر فاعل لقوله تعالى: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة﴾ [آل عمران: ١٥٢] . وقوله: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ [القلم: ٢٥] . وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ [النساء: ٦٦] . وقوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ [فصلت: ٤٦] .
لكنه غير مستقل بإرادته وقدرته وفعله، كما لا تستقل الأسباب بالتأثير في مسبباتها لقوله تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ، وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨ - ٢٩] . ولأن إرادته وقدرته وفعله من صفاته وهو مخلوق، فتكون هذه الصفات مخلوقة أيضًا، لأن الصفات تابعة للموصوف، فخالق الأعيان خالق لأوصافها.
* فإن قال قائل: أفلا يصح على هذا التقرير أن يحتج بالقدر من خالف الشرع؟
فالجواب: أن الاحتجاج بالقدر على مخالفة الشرع لا يصح كما دل على ذلك الكتاب والسنة والنظر:
- أما الكتاب: فمن أدلته قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ١٤٨] فأبطل الله حجتهم هذه بقوله: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] .
1 / 99