تقريب التدمرية
الناشر
دار ابن الجوزي،المملكة العربية السعودسة
رقم الإصدار
الطبعة الأولى
سنة النشر
١٤١٩هـ
مكان النشر
الدمام
تصانيف
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، وأئمته الهدى من بعدهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن رسول الله ﷺ بين للناس ما نزل إليهم من ربهم بيانًا كاملًا شاملًا في: دقيق أمورهم وجليلها، وظاهرها وخفيها، حتى علمهم ما يحتاجون إليه في مآكلهم، ومشاربهم، ومناكحهم، وملابسهم، ومساكنهم.
فعلمهم آداب الأكل والشرب، والتخلي منهما، وآداب النكاح، واللباس ودخول المنزل والخروج منه.
كما علمهم ما يحتاجون إليه في عبادة الله ﷿ كالطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج ... وغير ذلك.
1 / 5
وما يحتاجون إليه في معاملة الخلق من بر الوالدين، وصلة الأرحام وحسن الصحبة والجوار ... وغير ذلك.
وعلمهم كيف يتعاملون بينهم في البيع والشراء، والرهن والارتهان، والتأجير والاستئجار، والهبة والاتهاب ... وغير ذلك.
حتى قال أبو ذر – ﵁: "لقد توفي رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا".
وفي صحيح مسلم عن سلمان ﵁ أنه قيل له: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول وذكر تمام الحديث.
هذا فضلًا عن أسس هذه العبادات والأخلاق والمعاملات، وهي. ما يعتقده العباد في إلههم ومعبودهم؛ في ذاته، وأسمائه، وصفاته وأفعاله، وما ينشأ عن ذلك من أحكامه الكونية والشرعية المبنية على بالغ الحكمة وغاية الرحمة.
فأخذ عنه ذلك الصحابة معينًا صافيًا نقيًا مبنيًا على التوحيد الكامل المتضمن لركنين أساسيين: نفي، وإثبات.
- فأما الإثبات فهو: إثبات ما يجب لله تعالى من الربوبية، والألوهية والأسماء والصفات، والأفعال.
- وأما النفي فهو: نفي مشاركة غير الله تعالى فيما يجب له.
ومضى عليه التابعون لهم بإحسان ممن أدركوا زمن الصحابة أو جاءوا بعدهم من أئمة الهدى المستحقين لرضا الله ﷿ حيث يقول الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
1 / 6
بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ ﴿التوبة: ١٠٠] .
ثم خلف خلوف عموا عن الحق أو تعاموا عنه فضلوا وأضلوا قصورًا أو تقصيرًا، أو عدوانًا وظلمًا، فأحدثوا في دين الله تعالى ما ليس منه في العقيدة، والعبادة، والسلوك، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، أو كذبوها - إن أمكنهم ذلك -.
- قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "واعلم أن عامة البدع المتعلقة بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين كما أخبر به النبي ﷺ حيث قال: " من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" ... "
إلى أن قال: "فلما ذهبت دولة الخلفاء الراشدين، وصار ملكًا ظهر النقص في الأمراء؛ فلابد أن يظهر أيضًا في أهل العلم والدين:
فحدث في آخر خلافة علي ﵁ بدعتا الخوارج والرافضة إذ هي متعلقة بالإمامة والخلافة وتوابع ذلك من الأعمال والأحكام الشرعية.
وكان ملك معاوية ملكًا ورحمة، فلما ذهب وجاءت إمارة يزيد وجرت فيها فتنة قتل الحسين بالعراق، وفتنة أهل الحرة بالمدينة، وحصروا مكة لما قام عبد الله بن الزبير، ثم مات يزيد وتفرقت الأمة: ابن الزبير بالحجاز، وبنو الحكم بالشام، ووثب المختار بن أبي عبيد وغيره بالعراق وذلك في أواخر عصر الصحابة، وقد بقي فيهم مثل عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وغيرهم حدثت بدعة القدرية والمرجئة فردها بقايا الصحابة ... مع ماكانوا يردونه هم وغيرهم من بدعة
1 / 7
الخوارج والروافض.
وعامة ما كانت القدرية إذ ذاك يتكلمون فيه: أعمال العباد، كما يتكلم فيها المرجئة، فصار كلامهم في الطاعة والمعصية، والمؤمن والفاسق، ونحو ذلك من مسائل الأسماء والأحكام والوعد والوعيد.
ولم يتكلموا بعد في ربهم، ولا في صفاته إلا في أواخر عصر صغار التابعين، من حين أواخر الدولة الأموية حين شرع القرن الثالث - تابعو التابعين - ينقرض أكثرهم؛ فإن الاعتبار بالقرون الثلاثة بجمهور أهل القرن - وهم وسطه -.
وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل.
وجمهور التابعين بإحسان انقرضوا في أواخر عصر أصاغر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك.
وجمهور تابعي التابعين في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية.
وصار في ولاة الأمور كثير من الأعاجم، وخرج كثير من الأمور عن ولاية العرب، وعربت بعض الكتب العجمية من كتب الفرس، والهند، والروم، وظهر ما قاله النبي ﷺ: "ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد، ويحلف ولا يستحلف".
حدث ثلاثة أشياء: الرأي، والكلام، والتصوف، وحدث التجهم - وهو نفي الصفات - وبإزائه التمثيل".
إلى أن قال: فإن معرفة أصول الأشياء ومبادئها ومعرفة الدين وأصله، وأصل ما تولد فيه" من أعظم العلوم نفعًا، إذ المرء ما لم يحط علمًا بحقائق
1 / 8
الأشياء التي يحتاج إليها يبقى في قلبه حسكة" أهـ.١.
- وقال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: "بدعة القدر أدركت آخر عصر الصحابة، فأنكرها من كان منهم حيًا كعبد الله بن عمر وابن عباس وأمثالهما – ﵃ – ثم حدثت بدعة الإرجاء بعد انقراض عصر الصحابة، فتكلم فيها كبار التابعين الذين أدركوها، ثم حدثت بدعة التجهم بعد انقراض عصر التابعين واستفحل أمرها واستطار شرها في زمن الأئمة كالإمام أحمد وذويه، ثم حدثت بعد ذلك بدعة الحلول وظهر أمرها في زمن الحسين الحلاج، وكلما أظهر الشيطان بدعة من هذه البدع وغيرها أقام الله لها من حزبه وجنده من يردها، ويحذر المسلمين منها نصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله ولأهل الإسلام"أهـ٢.
- وقال ابن حجر – ﵀ – في شرح البخاري: "فمما حدث: تدوين الحديث، ثم تفسير القرآن، ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة من الرأي المحض، ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب.
فأما الأول؛ فأنكره عمر وأبو موسى وطائفة، ورخص فيه الأكثرون.
وأما الثاني؛ فأنكره جماعة من التابعين كالشعبي.
وأما الثالث؛ فأنكره الإمام أحمد وطائفة يسيرة، وكذا اشتد إنكار أحمد للذي بعده.
ومما حدث أيضًا تدوين القول في أصول الديانات فتصدى لها المثبتة والنفاة، فبالغ الأول حتى شبه، وبالغ الثاني حتى عطل، واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة، وأبي يوسف، والشافعي. وكلامهم في ذم أهل الكلام
_________
١ مجموع الفتاوى ١٠/٣٥٤-٣٦٨.
٢ انظر تهذيب سنن أبي داود ٧/٦١.
1 / 9
مشهور. وسببه أنهم تكلموا فيما سكت عنه النبي ﷺ وأصحابه.
وثبت عن مالك أنه لم يكن في عهد النبي ﷺ وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء يعني بدع الخوارج، والروافض، والقدرية.
وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها أمة التابعين وأتباعهم.
ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلًا يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل ولو مستكرهًا.
ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي تربوه هو أشرف العلوم وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما أصطلحوا عليه فهو عامي جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدث الخلف، وإن لم يكن له منه بد فليكتف منه بقدر الحاجة، ويجعل الأول المقصود بالأصالة".أ. هـ١.
* ولما كان من حكمة الله البالغة أن يجعل للحق معارضين يتبين بمعارضتهم صواب الحق وظهوره على الباطل، فإن خالص الذهب لا يظهر إلا بعرضه على النار، قبض الله جل وعلا بقدرته التامة ولطفه الواسع وقهره الغالب من يدحض حجج هؤلاء المعارضين ويبين زيف شبههم وأنها كما قيل:
حجج تهافت كالزجاج تخالها ... حقا وكل كاسر مكسور
وقال الإمام أحمد ﵀ في خطبة كتاب "الرد على الجهمية": "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون
_________
١ راجع فتح الباري ١٣/٢٥٣.
1 / 10
من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس! وما أقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مخالفة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين" أهـ١.
* وكان من جملة من قيضهم الله تعالى لنصرة دينه والذب عنه باللسان والبنان والسنان شيخ الإسلام: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميه المولود في حران يوم الاثنين العاشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، المتوفى محبوسًا ظلمًا في قلعة دمشق ليلة الاثنين الموافق العشرين من شهر ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي بعد صلاة الظهر ولم يتم دفنه – لكثرة الزحام – إلا قبل العصر بيسير، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا به مع من أنعم الله عليهم في جنات النعيم.
* ولقد كان له ﵀ مصنفات كثيرة في مجادلة أهل البدع ومجالدة أفكارهم ما بين مطولة ومتوسطة وقليلة، وحصل بذلك نفع كبير.
أشار ابن القيم ﵀ إلى شيء منها في النونية حيث قال:
وإذا أردت ترى مصارع من خلا ... من أمة التعطيل والكفران
_________
١ انظر اجتماع الجيوش الإسلامية ص ٧ لابن القيم.
1 / 11
إلى أن قال:
فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة ... شيخ الوجود العالم الرباني
أعني أبا العباس أحمد ذلك الـ ... بحر المحيط بسائر الخلجان
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثان
وكذاك منهاج له في رده ... قول الروافض شيعة الشيطان
ثم ذكر عدة من كتبه ورسائله وقال:
هي في الورى مبثوثة معلومة ... تبتاع بالغالي من الأثمان
إلى أن قال:
وله المقامات الشهيرة في الورى ... قد قامها لله غير جبان
نصر الإله ودينه وكتابه ... ورسوله بالسيف والبرهان
أبدى فضائحهم وبين جهلهم ... وأرى تناقضهم بكل زمان
إلى أن قال:
ومن العجائب أن بسلاحهم ... أرداهم تحت الحضيض الداني
كانت نواصينا بأيديهم فما ... يلقوننا إلا بحبل أمان
فغدت نواصيهم بأيدينا فما ... يلقوننا إلا بحبل أمان
وغدت ملوكهم مماليكًا لأنـ ... صار الرسول بمنة الرحمن١
* وكان من جملة رسائل الشيخ ﵀ رسالة: "تحقيق الإثبات للأسماء والصفات وحقيقة الجمع بين القدر والشرع" المعروفة باسم: "التدمرية".
_________
١ راجع القصيدة النونية ص ٥٣٣ – ٥٣٩ – شرح الهراس.
1 / 12
الظاهر أن هذه الرسالة ضمن أجوبة أجاب بها الشيخ أهل تدمر١.
وكانت هذه الرسالة من أحسن وأجمع ما كتبه في موضوعها على اختصارها.
ومن أجل ذلك فإني أستعين الله ﷿ في: لم شعثها وجمع شملها وتقريب معانيها لقارئها مع زيادة ما تدعو الحاجة إليه، وحذف ما يمكن الاستغناء عنه على وجه لا يخل بالمقصود٢، وسميته: "تقريب التدمرية".
وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي خالصًا لوجهه موافقًا لمرضاته نافعًا لعباده إنه جواد كريم.
بيان سبب تأليف هذه الرسالة التدمرية
بين المؤلف سبب تأليف هذه الرسالة بقوله: "أما بعد: فقد سألني من تعينت إجابتهم أن أكتب لهم مضمون ما سمعوه مني في بعض المجالس من الكلام في التوحيد والصفات، وفي الشرع والقدر".
ثم علل وجوب إجابتهم بأمرين:
أحدهما: مسيس الحاجة إلى تحقيق هذين الأصلين؛ لأنه لابد أن يخطر على القلب في هذين الأصلين ما يحتاج معه إلى بيان الهدى من الضلال
_________
١ مدينة قديمة بوسط سورية، راجع الموسوعة العربية الميسرة ص٥٠٠.
٢ ومما حذفت القاعدة السابعة لأنها غير موجودة في بعض النسخ، ويغني عنها ما سبقها من القواعد.
1 / 13
والحق من الباطل.
الثاني: كثرة اضطراب أقوال الناس فيهما، والخوض فيهما بالحق تارة وبالباطل تارات؛ فيلتبس الحق بالباطل على كثير من الناس، ومن ثم احتيج إلى البيان.
1 / 14
تقريب التدمرية
فصل: الكلام في التوحيد والصفات وفي الشرع والقدر
* الكلام في التوحيد والصفات من باب الخبر: الدائر بين النفي والإثبات من قبل المتكلم، المقابل بالتصديق أو التكذيب من قبل المخاطب؛ لأنه خبر عما يجب لله تعالى من التوحيد وكمال الصفات، وعما يستحيل عليه من الشرك والنقص ومماثلة المخلوقات.
مثال ذلك قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة: ٢٥٥]؛ ففي قوله: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾: إثبات التوحيد، وفي قوله ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُْ﴾: إثبات كمال الصفات، وفي قوله: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾: نفي النقائص عن الله المتضمن لإثبات الكمالات.
* وأما الكلام في الشرع والقدر فهو من باب الطلب: الدائر بين الأمر والنهي من قبل المتكلم، المقابل بالطاعة أو المعصية من قبل المخاطب؛ لأن المطلوب إما محبوب لله ورسوله فيكون مأمورًا به، وإما مكروه لله ورسوله فيكون منهيًا عنه.
مثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: ٣٦؛
1 / 15
ففي قوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ﴾: الأمر بعبادة الله، وفي قوله: ﴿وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾: النهي عن الإشراك به.
والفرق بين الخبر والطلب في حقيقتيهما وحكمهما معلوم.
فالواجب على العباد إزاء خبر الله ورسوله: التصديق والإيمان به على ما أراد الله ورسوله تصديقًا لا تكذيب معه؛ وإيمانًا لا كفر معه، ويقينًا لا شك معه؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا﴾ [النساء:١٣٦] .
* والواجب على العباد إزاء الطلب: امتثاله على الوجه الذي أراد الله ورسوله من غير غلو ولا تقصير، فيقومون بالمأمور ويجتنبون المحظور لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال:٢٠ – ٢٣] .
وإذا تبين ذلك؛ فها هنا أصلان:
1 / 16
الأصل الأول: في الصفات
مدخل
...
الأصل الأول في الصفات
* الأصل في الصفات وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسوله إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل كما جمع الله تعالى بينهما في قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] .
فقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾: نفي متضمن لكمال صفاته مبطل لمنهج أهل التمثيل.
وقوله: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾: إثبات لأسمائه وصفاته وإبطال لمنهج أهل التحريف والتعطيل.
فنثبت ما أثبته الله لنفسه وننفي ما نفى الله عن نفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وهذا هو المنهج السليم الواجب المبني على العلم والحكمة والسداد في القول والاعتقاد.
وله دليلان: أثري ونظري، وإن شئت فقل: سمعي وعقلي.
- أما الأثري السمعي فمنه قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:١٨٠] . وقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]،
1 / 17
وقوله: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٧٤] . ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء:٣٦] .
- وأما النظري العقلي فلأن القول في أسماء الله وصفاته من باب الخبر المحض الذي لا يمكن للعقل إدراك تفاصيله، فوجب الوقوف فيه على ما جاء به السمع.
فصل
والجمع بين النفي والإثبات في باب الصفات هو حقيقة التوحيد فيه؛ وذلك لأن التوحيد مصدر "وحد/ يوحد" ولا يمكن صدق حقيقته إلا بنفي وإثبات، لأن الاقتصار على النفي المحض تعطيل محض. والاقتصار على الإثبات المحض لا يمنع المشاركة.
مثال ذلك: لو قلت: ما زيد بشجاع؛ فقد نفيت عنه صفة الشجاعة وعطلته منها. ولو قلت: زيد شجاع. فقد أثبت له صفة الشجاعة، لكن ذلك لا يمنع أن يكون غيره شجاعًا أيضًا. ولو قلت: لا شجاع إلا زيد. فقد أثبت له صفة الشجاعة، ونفيت أن يشاركه غيره فيها، فكنت موحدًا له في صفة الشجاعة.
إذن؛ لا يمكن توحيد أحد بشيء إلا بالجمع بين النفي والإثبات.
* واعلم أن الصفات الثبوتية التي وصف الله بها نفسه كلها صفات كمال، والغالب فيها التفصيل، لأنه كلما كثر الإخبار عنها وتنوعت دلالتها
1 / 18
ظهر من كمال الموصوف بها ما لم يكن معلومًا من قبل؛ ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر من الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه.
* وأما الصفات المنفية التي نفاها الله عن نفسه فكلها صفات نقص ولا تليق به كالعجز، والتعب، والظلم، ومماثلة المخلوقين، والغالب فيها الإجمال؛ لأن ذلك أبلغ في تعظيم الموصوف وأكمل في التنزيه. فإن تفصيلها لغير سبب يقتضيه فيه سخرية وتنقص للموصوف.
ألا ترى أنك لو مدحت ملكًا فقلت له: أنت كريم، شجاع محنك، قوي الحكم، قاهر لأعدائك ... إلى غير ذلك من صفات المدح، لكان هذا من أعظم الثناء عليه، وكان فيه من زيادة مدحه وإظهار محاسنه ما يجعله محبوبًا محترمًا؛ لأنك فصلت في الإثبات.
ولو قلت: أنت ملك لا يساميك أحد ملوك الدنيا في عصرك؛ لكان ذلك مدحًا بالغًا؛ لأنك أجملت في النفي.
ولو قلت: أنت ملك غير بخيل، ولا جبان، ولا فقير، ولا يقال، ولا كناس ولا بيطار، ولا حجام ... وما أشبه ذلك من التفصيل في نفي العيوب التي لا تليق به؛ لعد ذلك استهزاء به وتنقصًا لحقه.
* وقد يأتي الإجمال في أسماء الله تعالى وصفاته الثبوتية كقوله تعالى في الأسماء: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [لأعراف: ١٨٠] وقوله في الصفات ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠]؛ أي: الوصف الأعلى.
* وقد يأتي التفصيل في الصفات المنفية لأسباب منها:
١- نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون المفترون كقوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ
1 / 19
مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ [المؤمنون: ٩١] .
٢- دفع توهم نقص في كماله كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [قّ:٣٨] .
الأمثلة على التفصيل في الإثبات كثيرة جدًا:
قوله تعالى في سورة الحشر: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة ...﴾ إلى آخر السورة، [الحشر: ٢٢ – ٢٤] فقد تضمنت هذه الآيات أكثر من خمسة عشر اسمًا، وكل اسم منها قد تضمن صفة أو صفتين أو أكثر.
- وكقوله تعالى في سورة الحج: ﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ ... إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحج: ٥٩ – ٦٥] فهذه سبع آيات متوالية، ختمت كل آية منها باسمين من أسماء الله – ﷿ – وكل اسم منها متضمن لصفة أو صفتين أو أكثر.
* وأما أمثلة الإجمال في النفي فمنها قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] . وقوله تعالى: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم: ٦٥] . وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤] .
فصل
واعلم أن الاشتراك في الأسماء والصفات لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات، كما دل على ذلك السمع، والعقل، والحس.
* أما السمع: فقد قال الله عن نفسه: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النساء: ٥٨] . وقال عن الإنسان: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ
1 / 20
نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [الإنسان:٢] . ونفي أن يكون السميع كالسميع والبصير كالبصير فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] .
وأثبت لنفسه علمًا وللإنسان علمًا، فقال عن نفسه: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنّ﴾ [البقرة: ٢٣٥] وقال عن الإنسان: ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنّ﴾ [الممتحنة: ١٠] . وليس علم الإنسان كعلم الله تعالى، فقد قال الله عن علمه: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأنعام: ٨٠] . وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ﴾ [آل عمران:٥] . وقال عن علم الإنسان: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] .
* وأما العقل: فمن المعلوم بالعقل أن المعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه، فكما أن الأشياء مختلفة في ذواتها فإنها كذلك مختلفة في صفاتها وفي المعاني المضافة إليها، فإن صفة كل موصوف تناسبه لا يفهم منها ما يقصر عن موصوفها أو يتجاوزه.
ولهذا نصف الإنسان باللين، والحديد المنصهر باللين، ونعلم أن اللين متفاوت المعنى بحسب ما أضيف إليه.
* وأما الحس: فإننا نشاهد للفيل جسمًا وقدمًا وقوة، وللبعوضة جسمًا وقدمًا وقوة، ونعلم الفرق بين جسميهما، وقدميهما، وقوتيهما.
فإذا علم أن الاشتراك في الاسم والصفة في المخلوقات لا يستلزم التماثل في الحقيقة مع كون كل منها مخلوقًا ممكنًا، فانتفاء التلازم في ذلك بين الخالق والمخلوق أولى وأجلى، بل التماثل في ذلك بين الخالق والمخلوق ممتنع غاية الامتناع.
1 / 21
فصل: في الزائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته
القسم الاول: الممثلة
...
فصل: في الزائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته
الزائغون عن سبيل الرسل وأتباعهم في أسماء الله وصفاته قسمان: ممثلة، ومعطلة، وكل منهم غلا في جانب، وقصر في جانب. فالممثلة غلوا في جانب الإثبات، وقصروا في جانب النفي. والمعطلة غلوا في جانب النفي. وقصروا في جانب الإثبات، فخرج كل منهم عن الاعتدال في الجانبين.
فالقسم الأول: الممثلة:
* وطريقتهم: أنهم اثبتوا لله الصفات على وجه يماثل صفات المخلوقين، فقالوا: لله وجه، ويدان، وعينان، كوجوهنا، وأيدينا، وأعيننا ... ونحو ذلك.
* وشبهتهم في ذلك: أن الله تعالى خاطبنا في القرآن بما نفهم ونعقل قالوا: ونحن لا نفهم ولا نعقل إلا ما كان مشاهدًا، فإذا خاطبنا عن الغائب بشيء وجب حمله على المعلوم في الشاهد.
* ومذهبهم باطل مردود بالسمع، والعقل، والحس:
- أما السمع: فقد قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] وقال: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل: ٧٤] . ففي الآية الأولى نفى أن يكون له مماثل مع إثبات السمع والبصر له. وفي الثانية نهى أن تضرب له الأمثال، فجمع في هاتين الآيتين بين النفي والنهي.
- وأما العقل: فدلالته على بطلان التمثيل من وجوه:
الأول: التباين بين الخالق والمخلوق في الذات والوجود، وهذا يستلزم التباين في الصفات، لأن صفة كل موصوف تليق به، فالمعاني والأوصاف تتقيد
1 / 22
وتتميز بحسب ما تضاف إليه.
الثاني: أن القول بالمماثلة بين الخالق والمخلوق يستلزم نقص الخالق سبحانه؛ لأن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصًا.
الثالث: أن القول بمماثلة الخالق للمخلوق يقتضي بطلان العبودية الحق؛ لأنه لا يخضع عاقل لأحد وبذل له على وجه التعظيم المطلق إلا أن يكون أعلى منه.
- وأما الحس: فإننا نشاهد في المخلوقات ما تشترك أسماؤه وصفاته في اللفظ وتتباين في الحقيقة، فللفيل جسم وقوة، وللبعوضة جسم وقوة، والتباين بين جسميهما وقوتيهما معلوم، فإذا جاز هذا التباين بين المخلوقات كان جوازه بين الخالق والمخلوق من باب أولى، بل التباين بين الخالق والمخلوق واجب، والتماثل ممتنع غاية الامتناع.
- وأما قولهم: "إن الله تعالى خاطبنا بما نعقل ونفهم" فصحيح؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ٣] . وقوله: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [صّ:٢٩] . وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم﴾ [إبراهيم: ٤] . ولوا أن الله أراد من عباده عقل وفهم ما جاءت به الرسل لكان لسان قومه ولسان غيرهم سواء، ولما حصل البيان الذي تقوم به الحجة على الخلق.
- وأما قولهم: "إذا خاطبنا عن الغائب بشيء وجب حمله على المعلوم في الشاهد" فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن ما أخبر الله به عن نفسه إنما أخبر به مضافًا إلى نفسه المقدسة، فيكون لائقًا به لا مماثلًا لمخلوقاته، ولا يمكن لأحد أن يفهم منه
1 / 23
المماثلة إلا من لم يعرف الله تعالى، ولم يقدره حق قدره، ولم يعرف مدلول الخطاب الذي يقتضيه السياق.
الثاني: أنه قد علم بضرورة العقل والشرع ما بين الخالق والمخلوق من التباين العظيم في الذات والوجود فكيف يتصور مؤمن أو عاقل أن يكون بينهما تماثل في الصفات فضلا عن أن يعتقد ذلك في الله ﷿ وعلا.
فصل: القسم الثاني: المعطلة: الطائفة الأولى: الأشاعرة ... فصل: القسم الثاني١: المعطلة وهم الذين أنكروا ما سمى الله تعالى ووصف به نفسه إنكارًا كليًا أو جزئيًا، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، فهم محرفون للنصوص، معطلون للصفات. وقد انقسم هؤلاء إلى أربع طوائف: الطائفة الأولى: الأشاعرة ومن ضاهاهم من الماتريدية وغيرهم: * وطريقتهم: أنهم أثبتوا لله الأسماء، وبعض الصفات، ونفوا حقائق أكثرها، وردوا ما يمكنهم رده من النصوص، وحرفوا ما لا يمكنهم رده، وسموا ذلك التحريف تأويلًا؛ فأثبتوا لله من الصفات سبع صفات: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، على خلاف بينهم وبين السلف في كيفية إثبات بعض هذه الصفات. * وشبهتهم فيما ذهبوا إليه: أنهم اعتقدوا فيما نفوه أن إثباته يستلزم التشبيه أي التمثيل. وقالوا فيما أثبتوه: إن العقل قد دل عليه؛ فإن إيجاد _________ ١ أي من الزائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم.
فصل: القسم الثاني: المعطلة: الطائفة الأولى: الأشاعرة ... فصل: القسم الثاني١: المعطلة وهم الذين أنكروا ما سمى الله تعالى ووصف به نفسه إنكارًا كليًا أو جزئيًا، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، فهم محرفون للنصوص، معطلون للصفات. وقد انقسم هؤلاء إلى أربع طوائف: الطائفة الأولى: الأشاعرة ومن ضاهاهم من الماتريدية وغيرهم: * وطريقتهم: أنهم أثبتوا لله الأسماء، وبعض الصفات، ونفوا حقائق أكثرها، وردوا ما يمكنهم رده من النصوص، وحرفوا ما لا يمكنهم رده، وسموا ذلك التحريف تأويلًا؛ فأثبتوا لله من الصفات سبع صفات: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والكلام، والسمع، والبصر، على خلاف بينهم وبين السلف في كيفية إثبات بعض هذه الصفات. * وشبهتهم فيما ذهبوا إليه: أنهم اعتقدوا فيما نفوه أن إثباته يستلزم التشبيه أي التمثيل. وقالوا فيما أثبتوه: إن العقل قد دل عليه؛ فإن إيجاد _________ ١ أي من الزائغين عن سبيل الرسل وأتباعهم.
1 / 24