تحقيق جزء من علل ابن أبي حاتم
محقق
سعد بن عبد الله الحميد وخالد بن عبد الرحمن الجريسي
الناشر
مطابع الحميضي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ هجري
مكان النشر
الرياض
ليستْ تلقينًا وإنما هو عِلْمٌ يُحْدِثُهُ اللهُ في القلب، ثم قال: «أَشْبَهُ الأشياءِ بعلمِ الحديث: معرفةُ الصَّرْفِ ونقدُ الدنانيرِ والدراهم؛ فإنه لا يُعْرَفُ جَودةُ الدينارِ والدراهم بلونٍ، ولا مَسٍّ، ولا طَرَاوةٍ، ولا دَنَسٍ، ولا نَقْشٍ، ولا صفةٍ تعودُ إلى صِغَرٍ أو كِبَرٍ، ولا إلى ضِيقٍ أو سَعَة، وإنما يَعْرِفه الناقدُ عند المُعاينة، فَيَعْرِفُ البَهْرَجَ والزائفَ، والخالصَ والمغشوشَ، وكذلك تمييزُ الحديث؛ فإنَّه عِلْمٌ يخلقُهُ اللهُ تعالى في القلوبِ بعد طولِ المُمارسة له والاعتناءِ به» .
وقال ابنُ رجب (١) بعد ذِكْرِ بعض الأحاديث المعلولة: «وإنما تُحْمَلُ مِثْلُ هذه الأحاديثِ - على تقدير صحَّتها - على معرفةِ أئمَّةِ الحديثِ الجَهَابذةِ النُّقَّادِ الذين كَثُرَتْ ممارستُهُمْ لكلامِ النبيِّ (ص) وكلامِ غيره، ولحالِ رواةِ الأحاديث ونَقَلَةِ الأخبار، ومعرفَتِهِمْ بِصِدْقهم وكذبهم، وحِفْظهم وضَبْطهم؛ فإنَّ هؤلاءِ لهم نَقْدٌ خاصٌّ في الحديث يَخْتَصُّون بمعرفته، كما يَخْتَصُّ الصيرفيُّ الحاذقُ بمعرفة النقود؛ جَيِّدها ورديئها، وخالِصِهَا ومَشُوبها، والجَوهريُّ الحاذقُ في معرفةِ الجَوْهر بانتقادِ الجَوَاهر، وكلٌّ مِنْ هؤلاءِ لا يمكنُ أن يعبِّر عن سببِ معرفته، ولا يقيمُ عليه دليلًا لغيره، وآيةُ ذلك: أنه يُعْرَضُ الحديثُ الواحدُ على جماعةٍ ممَّن يَعْلَمُ هذا العلم، فَيَتَّفِقون على الجَوَابِ فيه من غير مُواطأة، وقد امتُحِنَ هذا منهم غَيْرَ مَرَّة في زَمَنِ أبي زُرْعة وأبي حاتم،
_________
(١) في "جامع العلوم والحكم" (ص٤٨٣-٤٨٥) .
1 / 28