وسدادهم وجميل ظاهرهم ما غلب في ظنه معهم أنهم لا يحسدونه، وإن فضله عليهم. فإن الحسد وإن كان كثيرا ما يكون في الطباع، فإن كثيرا من الناس يتنزهون عنه ويتجنبونه، ويظهر من أحوالهم أمارات يظن معها بهم ما ذكرناه. وليس التفضيل لبعض الأولاد على بعض في العطاء محاباة، لأن المحاباة هي المفاعلة من الحباء، ومعناها أن تحبو غيرك ليحبوك. وهذا خارج عن معنى التفضيل بالبر ، الذي لا يقصد به إذا ما ذكرناه.
فأما قولهم: إن أبانا لفي ضلال مبين. فلم يريدوا به الضلال عن الدين. وإنما أرادوا به الذهاب عن التسوية بينهم في العطية، لأنهم رأوا أن ذلك أصوب في تدبيرهم. وأصل الضلال هو العدول. وكل من عدل عن شئ وذهب عنه فقد ضل. ويجوز أيضا أن يريدوا بذلك الضلال عن الدين، لأنهم خبروا عن اعتقادهم. ويجوز أن يعتقدوا في الصواب الخطأ.
فإن قيل: كيف يجوز أن يقع من إخوة يوسف (ع) هذا الخطأ العظيم والفعل القبيح وقد كانوا أنبياء في الحال؟ فإن قلتم لم يكونوا أنبياء في تلك الحال، قيل لكم وأي منفعة في ذلك لكم وأنتم تذهبون إلى أن الأنبياء عليهم السلام لا يوقعون القبائح قبل النبوة ولا بعدها؟.
قلنا: لم تقم الحجة بأن إخوة يوسف (ع) الذين فعلوا به ما فعلوه كانوا أنبياء في حال من الأحوال، وإذا لم تقم بذلك حجة جاز على هؤلاء الأخوة من فعل القبيح ما يجوز على كل مكلف لم تقم حجة بعصمته، وليس لأحد أن يقول كيف تدفعون نبوتهم. والظاهر أن الأسباط من بني يعقوب كانوا أنبياء، لأنه لا يمتنع أن يكون الأسباط الذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الأخوة الذين فعلوا بيوسف (ع) ما قصه الله تعالى عنهم. وليس في ظاهر الكتاب أن جميع إخوة يوسف (ع) وما ساير أسباط يعقوب (ع) كادوا يوسف (ع) بما حكاه الله تعالى من الكيد. وقد قيل إن هؤلاء الأخوة في تلك الأحوال لم يكونوا بلغوا الحلم ولا توجه إليهم التكليف. وقد يقع ممن
صفحة ٦٨