(ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) (1) وإنما أراد ما بيناه من ميل النفس الذي لا يمكن الانسان أن يعدل فيه بين نسائه، لأن ما عدا ذلك من البر والعطاء والتقريب وما أشبهه، يستطيع الانسان أن يعدل بين النساء.
فإن قيل فكأنكم قد نفيتم عن يعقوب عليه السلام القبيح والاستفساد وأضفتموهما إلى الله تعالى فما الجواب عن المسألة من هذا الوجه؟.
قلنا: عنها جوابان: أحدهما لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أن أخوة يوسف عليه السلام سيكون بينهم ذلك التحاسد والفعل القبيح على كل حال، وإن لم يفضل يوسف (ع) عليهم في محبة أبيه له، وإنما يكون ذلك استفسادا إذا وقع عنده الفساد وارتفع عند ارتفاعه، ولم يكن تمكينا.
والجواب الآخر أن يكون ذلك جاريا مجرى التمكين (الامتحان) والتكليف الشاق، لأن هؤلاء الأخوة متى امتنعوا من حسد أخيهم والبغي عليه والإضرار به وهو غير مفضل عليهم ولا مقدم ولا يستحقونه من الثواب ما يستحقونه إذا امتنعوا من ذلك مع التقديم والتفضيل، فأراد الله تعالى منهم أن يمتنعوا على هذا الوجه الشاق. وإذا كان مكلفا على هذا الوجه فلا استفساد في تمييله بطباع أبيهم إلى محبة يوسف (ع)، لأن بذلك ينتظم هذا التكليف ويجري هذا الباب مجرى خلق إبليس، مع علمه تعالى بضلال من ضل عند خلقه، ممن لو لم يخلقه لم يكن ضالا. ومجرى زيادة الشهوة فيمن يعلم منه تعالى هذه الزيادة أنه يفعل قبيحا لولاها لم يفعله.
ووجه آخر في الجواب عن أصل المسألة: وهو أنه يجوز أن يكون يعقوب كان مفضلا ليوسف (ع) في العطاء والتقريب والترحيب والبر الذي يصل إليه من جهته، وليس ذلك بقبيح لأنه لا يمتنع أن يكون يعقوب (ع) لم يعلم أن ذلك يؤدي إلى ما أدى إليه، ويجوز أن يكون رأى من سيرة أخوته
صفحة ٦٧