وأيضا فعلماء الدين أكثر ما يحررون النقل فيما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه واجب القبول أو فيما ينقل عن الصحابة و أما ما ينقل من الإسرائيليات و نحوها فهم لا يكترثون بضبطها ولا بأحوال نقلها لأن أصلها غير معلوم و غايتها أن تكون عن واحد من علماء أهل الكتاب أو من أخذه عن أهل الكتاب لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ( إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم و إما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم ) )
فإذا كنا قد نهينا عن تصديق هذا الخبر و أمثاله مما يؤخذ عن أهل الكتاب لم يجز لنا أن نصدقه إلا أن يكون مما يجب علينا تصديقه مثل ما أخبرنا به نبينا عن الأنبياء و عن أممهم فإن ذلك يجب تصديقه مع الاحتراز في نقله فهذا هذا
وأعجب من هذا قوله إن نوحا وإدريس وأيوب وجماعة من الأنبياء توسلوا به فمثل هذا لا يجوز لمسلم أن يبني دينه الذي يكفر به من خالفه على مثل هذا النقل الذي لا يعتمد عليه من يدري ما يقول
ومعلوم أن ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم أضبط و أتم و أكمل وهو علينا أوجب و أمتنا به أعرف ولو قال قائل في زماننا قد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وفعل كذا محتجا به من غير أن يعرف ما يستند إليه من العزو والإسناد لكان قائل ذلك من أجهل الناس وأبعدهم عن طريق الرشاد دع من يستدل على تكفير غيره مما يرويه عن أولئك الأنبياء الذين قد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم إذا حدثنا أهل الكتاب عنهم أن لا نصدقهم ولا نكذبهم بل مثل هذا إذا وجدناه في كتب أهل الكتاب أو في كتب المسلمين منقولا لم يجز لنا أن نصدقه و من صدقه فقد عصى الله ورسوله ولو صح فغايته أن يكون شرع من قبلنا
صفحة ٨١