ولما قد تبين فى الاقاويل الكلية ان كل شى يخرج من القوة الى الفعل فله فاعل ومخرج هو ضرورة من جنس الشىء الخارج من القوة الى الفعل، فواجب ان يكون الفاعل لهذه المعرفة هو عقل بالفعل، وهو بعينه المعطى للمبادىء الكلية فى الامور النظرية الذى تبين وجوده فى كتاب النفس، فان الاعطأين إعطاءين من جنس واحد. وانما الفرق بينهما ان فى المعارف النظرية يعطى المبادىء المبادئ الكلية الفاعلة للمعرفة المجهولة، وهنا يعطى المعرفة المجهولة بلا واسطة. ولهذا ينشا فى هذا النوع من الاعطاء موضع تعجيب وفحص شديد. وذلك ان هذا الاعطاء ان كان ممكنا للانسان، فهل ذلك ممكن له فى جميع المعارف المجهولة، وذلك فى جميع الاجناس الموجودة، ام انما ذلك ممكن له فى بعض الاجناس وغير ممكن فى بعضها؟ فان الرؤيا يبين من امرها انها ليست تكون فى شىء من الامور النظرية. وانما هى فى امور مستقبلة. وبالجملة فكيف كان الامر، فهذا النوع من الاعطاء شريف جدا ومنسوب الى مبداء ارفع من مبداء الاختيار واشرف منه، بل ذلك من امر الاهى وعناية تامة بالانسان آلذي يحصل له هذا النوع من المعرفة فى كثيرمن الاشياء.
صفحة ٧٣