وجدير بنا بعد معرفة طبيعة النوم ان نعرف طبيعة الرؤيا وما كان من جنسها من الادراكات الالاهية التى ليست منسوبة الى اكتساب الانسان ولا سعيه. فنقول ان هذه الادراكات، منها ما يسمى رؤيا، ومنها ما يسمى كهانة، ومنها ما يسمى وحيا. وقوم من الناس جحدوا وجود هذه ونسبوا وجود ما يشاهد من ذلك الى الاتفاق. وقوم اثبتوها، ومنهم من اثبت بعضها ونفى بعضا. ومدافعة وجودها دفع المحسوسات، وبخاصة وجود الرؤيا الصادقة، فانه ما من انسان الا وقد رأى رؤيا انذرته بما يحدث له فى المستقبل. واذا اعتبر المرء تكرار ذلك عليه فى نفسه، افاده ذلك الاعتبار ان العلم الحاصل عنها انما هو بالذات، وعن طبيعة فاعلة لذلك لا عن اتفاق. والمدارك الاخر، وان لم نشاهدها، فهى مشهورة جدا، والمشهور عند الجميع، اما ان يكون معدودا فى الواجب بالكل او بالجزء، فانه لا يمكن ان يكون المشهور كاذبا بالكل، والقول فيها هو من جنس واحد.
والكلام فى ماهية الرؤيا يجزى عن الكلام فى تلك لانها انما تختلف بالاقل والاكثر، اعنى اسبابها. وانما اختلفت اسماوها اسماؤها لما يعتقده الجمهور فى اسبابها. وذلك امر معروف فانهم يعتقدون فى الرؤيا انها من الملائكة، وفى الكهانة انها من الجن وفى الوحى انه من الله سبحانه، اما بلا واسطة او بواسطة مخصوصة. وايضا فان الوحى ينفصل عندهم، فانه انما ياتى التعريف فيه بامور علمية، مثل تعريف ماهية السعادة، وتعريف الاشياء التى تحصل بها السعادة. وتلك انما يحصل التعريف فيها بامور كائنة. وارسطو انما تكلم من هذه فى الرؤيا فقط.
صفحة ٦٧