فلنبدأ بالقول فى الحس والمحسوس. والكلام بالجملة فى ذلك منحصر فى اربعة اقسام: منها معرفة ماهية هذه القوى وماهية جزء جزء منها؛ ومنها معرفة الآلات التى بها يتم فعل هذه القوى؛ ومنها معرفة مدركات هذه القوى وهى المحسوسات؛ ومنها معرفة كيفية ادراك هذه القوى هذه المحسوسات. وهذه كلها قد تكلم فيها فى كتاب النفس بكلام كلى. وهو هاهنا يروم ان يستوفى الكلام فى الامور الجزئية الموجودة، والخواص التى تختص بها هذه القوى فى انفسها وفى حيوان حيوان، والخواص التى تعم. ويعرف ما بقى عليه من طبيعة المحسوسات، فان هذا لم يتكلم فيه فى كتاب النفس الا بقول فى غاية الكلية.
فنقول ان القوى الحسية بالجملة، منها ما هى ضرورية فى وجود الحيوان، ومنها ما هى موجودة فى الحيوان لمكان الافضل. وهذه ايضا كلها تختلف فى الحيوان بالقوة والضعف. فاما التى وجدت فى الحيوان من اجل الضرورة، فهى حاسة اللمس وحاسة الذوق؛ واما التى وجدت من اجل الافضل، فحاسة السمع وحاسة البصر وحاسة الشم. وانما كانت حاستا الذوق واللمس ضروريتين فى بقاء الحيوان لان بها تميز الاشياء التى ترد بدنه من خارج الى داخل. وذلك ان بحاسة الذوق يميز الطعم الملائم من غير الملائم. وبحاسة اللمس يميز الامور التى تفسد بدنه من خارج والتى تحفظه وتناسبه. واما الحواس الاخر فليس فعلها تمييز ما شانه شأنه ان يرد البدن من خارج الى داخل، ولذلك لم تكن ضرورية فى وجود الحيوان.
صفحة ٤