ولما كانت الالون انما تتولد عن الابيض والاسود وكان اختلاطهما مختلفا بالاقل والاكثر اختلافا متفننا غير متناه من جهة المادة، وجب ان تكون الالوان غير متناهية في الطبيعة. فأنه كل ما توهم النطق الباطن فيها نوعا من الامتزاج، ابرزته الطبيعة، وان كان النطق الخارج مما لا يقدر ان بعبر عن ذلك القدر. ولهذا كانت الصناعة فى هذا المعنى، كما يقول ارسطو، مقصرة عن الطبيعة، فان الصناعة انما تبرز من مقادير الالوان التى فى النطق الباطن ما يقدر النطق الخارج ان يعبر عنهم. واما الطبيعة فانها تبرز كل ما كان فى النطق الباطن الروحانى، ولهذا كانت اشرف من الصناعة وكان شرف الصانع هوجيدة تشبيهه بالطبيعة بحسب الممكن. وايضا فان النطق الروحانى الذى عنه تفعل الطبيعة ما تفعله وتبرز ما تبرزه اليس له شى يعوق الطبيعة عن ادراك ما يلقى اليها من ذلك كالحال فى النطق الروحانى الباطن الذى عنه يفعل الصانع. فان النفس البهيمية الموجودة فى الحيوان ليس تعوق افعال الطبيعة بل تفرح وتلتذ بما تبرزه الطبيعة من الالوان والاصوات ، لانها موجودة فى النفس البهيمية بالقوة. فاذا ابرزتها الطبيعة، سرت بها النفس البهيمية وفرحت بادراكها. واما النطق الروحانى الباطن الذى عنه تفعل الصناعة، فانه تعوقه النفس البهيمية، ولذلك لا يدرك الصانع مما يلقى اليه النطق الروحانى الا آثارا واعراضا بعيدة من الاشياء التى يلقيها الى الطبيعة. ولذلك كانت الامور المتقدمة فى المعرفة عند الصانع متأخرة فى الوجود بعكس ما عليه الامر عند الطبيعة. وايضا فان الصانع خارج الشىء والطبيعة داخل الشىء. فهذه هى الاشياء التى بها افترقت الصناعة من الطبيعة.
ولذلك كانت الالوان والاصباغ التى يعبر النطق الخارج متناهية. فاما الالوان والاصباغ التى فى النطق الباطن، يستكاد ان تكون غير متناهية، ولذلك قد تظهر الطبيعة من الالوان والاصباغ ما يعجز الصباغون عن كيانها. وذلك ان الصناعة لما كانت انما تخيل الطبيعة وتصير الى المتقدم عندها من المتاخر، لم تدرك من تلك المراتب التى عند الطبيعة الا مراتب قليلة، اعنى شديدة التباعد بعضها من بعض. وبين تلك المراتب عند الطبيعة مراتب كثيرة. فقد بان من هذا لم كان وجود الالوان فى الطبيعة غير وجودها فى الصناعة. فاما الاصوات فقد قيل فيها فى كتاب النفس.
صفحة ١٧