189

التلخيص في أصول الفقه

محقق

عبد الله جولم النبالي وبشير أحمد العمري

الناشر

دار البشائر الإسلامية ومكتبة دار الباز

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣١٧ هجري

مكان النشر

بيروت ومكة المكرمة

[٢٥٨] فَأَما مَا هُوَ من فعل الله وَلَكِن فَقده يمْنَع من تصور الْمَأْمُور بِهِ، وَلَا يمْنَع تَصْوِير تَركه مَقْدُورًا مُخْتَارًا، فَهُوَ نَحْو الْقُدْرَة فَإِن عدم الْقُدْرَة على الْقيام يمْنَع تصور الْقيام مَقْدُورًا وَلَا يمْنَع تصور ضِدّه مَقْدُورًا، فَمَا هَذَا سَبيله لَا يَنْفِي التَّكْلِيف وجوازه، وَلذَلِك جَوَّزنَا وُرُود الْأَمر بِالْقيامِ فِي حَال قعُود الْمُكَلف وَإِن كَانَت الْقُدْرَة على الْقيام مفقودة فِي حَال الْقعُود فَهَذِهِ جملَة فِيمَا هُوَ من فعل الله ﷿ مقنعة إِن شَاءَ الله ﷿. [٢٥٩] فَأَما مَا لَا يتم وُقُوع الْمَأْمُور بِهِ موقع الْأَجْزَاء إِلَّا بِهِ وَهُوَ من فعل الْمُكَلف فَهُوَ نَحْو الطَّهَارَة وَالصَّلَاة، وَمَا ضاهاهما من الْعِبَادَة الْمَشْرُوطَة وشرائطها فَإِذا تقرر فِي الشَّرْع وجوب الصَّلَاة وتقرر توقف أَجْزَائِهَا على الطَّهَارَة فَالْأَمْر بِالصَّلَاةِ على اقْتِضَاء الْإِيجَاب يتَضَمَّن الْأَمر بِالطَّهَارَةِ لَا محَالة، وَقد أنكر ذَلِك شرذمة من الْمُعْتَزلَة ولقب المسئلة يُغْنِيك عَن نصب الدّلَالَة عَلَيْهَا، بيد أَنا نحرر مَا يُوضح الْحق فِي ذَلِك فَنَقُول: إِذا تقرر وقُوف وُقُوع الصَّلَاة موقع الْأَجْزَاء على الطَّهَارَة ثمَّ ثَبت إِيجَاب صَلَاة مجزئة وَاقعَة موقع الْأَجْزَاء فَلَا يتَقَدَّر فِي الْعقل إِيجَابهَا على هَذَا النَّعْت مَعَ تَجْوِيز الْإِبَاحَة أَو النّدب فِيمَا هُوَ مَشْرُوط فِي أَجْزَائِهِ إِذْ لَو قدر ذَلِك فِي شَرطه تداعى ذَلِك إِلَيْهِ. وَالَّذِي يُحَقّق ذَلِك أَن النُّطْق بِغَيْر ذَلِك مُسْتَحِيل فِي الْمَعْنى إِذْ لَو قَالَ الْقَائِل: فرضت عَلَيْك الصَّلَاة الصَّحِيحَة تحتما وتعينا وَلَا تصح مِنْك إِلَّا بِالطَّهَارَةِ وَأَنت بِالْخِيَارِ فِيهَا، كَانَ ذَلِك من متناقض الْكَلَام، فَإِذا اسْتَحَالَ تَقْدِير الْإِبَاحَة والحظر وَالنَّدْب فِي شَرط صِحَة الصَّلَاة لم يبْق إِلَّا تثبيت الْوُجُوب.

1 / 293