يخلع عمو «فهمي» الطربوش ويضعه إلى جواره. يمر بيده فوق شعره. حوله حز دائري من أثر الطربوش. يقول إن البلد هايصة بسبب طلاق الملك من الملكة «فريدة». وإن بنات مدرسة «السنية» تظاهرن هاتفات: «خرجت من بيت الدعارة إلى بيت الطهارة.»
تجلب «فاطمة» فنجانين من القهوة في صينية. تضعها على المائدة المستديرة. تتلكأ قائلة: حاجة تانية يا بيه؟ يقول أبي: لأ. مفيش. تغادر الغرفة. يرتشفان القهوة في صمت. يقول له أبي: إيه القميص الشيك ده؟ - «فان هاوزن». يخرج من جيبه علبة سجائر «بليرز» نمرة 3. يسأله أبي: غيرت؟ يقول: أرخص من 3 خمسات بعشرة قروش. يعرض على أبي سيجارة. يرفض قائلا: أنا مبغيرش. يشعل عمو «فهمي» سيجارة بولاعته «الرونسون». أناوله المطفأة فيضعها بينهما على السرير. يسأل: يا ترى معندكش طاولة؟ يهز أبي رأسه: لا. يضيف أنه كان يلعب كل ليلة في قهوة «البرلمان» أيام تجارة الأراضي. يتحسر على ذلك الوقت. يدور السمسار على اللاعبين بخريطة . يلقي عليها نظرة. يختار قطعة أرض. لا يدفع شيئا. ولا يكاد يلقي بالزهر ويأخذ رشفة من كأس الويسكي حتى يعود السمسار. يعلن له أن قطعته بيعت بثمن أعلى. يحصل على الفرق دون مجهود. أكثر من ليلة يعود إلى المنزل في عربة حنطور وفي يده كيس من العملات الذهبية.
يسأل عن «سميرة». يجيب عمو «فهمي» بأنها مشغولة على «نادين» لأنها متمردة. تريد الذهاب مع خطيبها وحدهما إلى السينما. يقول أبي: وفيها إيه؟ يلتفت ناحيتي فأتظاهر بالانهماك في القراءة. يواصل: افرض باسوا بعض أو حاجة زي كده؟ مش بتحبه وحتتجوزه؟ يبقى خلاص. سيبوكو بأه من الكلام القديم الفارغ. الدنيا تغيرت.
يشعل عمو «فهمي» سيجارة جديدة. يقول: الحقيقة يا «خليل» بيه أنا جايلك في موضوع شخصي. أرفع رأسي عن الكتاب وأرهف السمع. يلتفت أبي ناحيتي. أخفض رأسي. أحرك شفتي ويدي بالقلم. يشكو عمو «فهمي» متاعبه مع «نبيلة». يقول: أنا مش متأخر عن طلباتها. جبتلها غسالة كهربا بعصارة وحوض متحرك يساع 52 لتر. دخلت تليفون. جبتلها تلاجة «إليكترولكس». - كهربا؟ - تشتغل بالكيروسين أو الكهربا أو الغاز. يسأل أبي: طب وإيه اللي مزعلها؟
يميل عمو «فهمي» برأسه ناحية أبي. أرهف السمع. يلتفت أبي نحوي. يأمرني بالاستذكار في الصالة. أحمل الكراس وأفتح باب الغرفة الموارب. أصطدم ب «فاطمة» التي تبتعد بسرعة. أترك الباب مواربا. أقف قريبا منه. تقف «فاطمة» أمام البوفيه. تتشاغل بإغلاق الملاحة. أسمع عمو «فهمي» يقول: مبترضاش تنام جنبي. وبتقول إنه معدش لي في الستات.
يسأله أبي: ده صحيح؟ - اسمع يا «خليل» بيه. أنت فاهم اللي يحصل لما الست ترفض جوزها. - قصدك إيه؟
يرتفع صوت «فهمي» منفعلا: هي اللي قضت على رجولتي. - وطي صوتك.
يستطرد «فهمي» دون أن يهتم: أنا مقدرش أقعد كده. بقالي أسبوع في الهدوم دي مش قادر أغير لأن كل هدومي هناك. نتمشى جيئة وذهابا فوق رصيف مدرسة اليهود. الشارع مظلم. شقتنا مضاءة. نافذة غرفة النوم مفتوحة. نتوقف على الرصيف المقابل في مواجهتها. أمي وجدتي تفتحان الدواليب. تكومان الملابس وتحزمان الحقائب.
نتبادل أنا و«فاطمة» النظرات. ننصت. صوت أبي: وقاعد فين الوقت؟ - عند واحد صاحبي. مقدرش أفضل كده. - طب هدي نفسك. - الوقت أنا كويس خالص. باقوم الصبح عال العال.
يكمل عبارته بصوت خافت. صوت أبي في حسم: ده انتعاظ الصباح. ما لوش قيمة. يتوقفان عن الكلام. يتهامسان. ينادي أبي علي. أنتظر لحظة ثم أدخل. يقول: هات كتاب الإنجليزي. وري عمك «فهمي» الكلمات اللي انت مش عارفها.
صفحة غير معروفة