تزيح السرير بعيدا عن الحائط. تشعل موقد الجاز. تحمله في يدها وتنحني فوق الملة الحديدية. تضم فتحة جلبابها التي أوشكت أن تكشف ثدييها. يرتدي أبي نظارته. يقول لها: هاتي. يأخذ منها الموقد ويقرفص بجوار قائم السرير. يضع الوابور تحت الثقب الذي تثبت فيه الملة. أنحني بجواره. أتأمل يديه القويتين اللتين تمسكان بالوابور في ثبات. ألمح عدة بقات متلاصقة. تلمسها النيران فتتفحم وتتساقط على الأرض. أشير بيدي إلى بقة هاربة. يلحقها بالنار. يدور بالوابور أسفل جوانب السرير الأخرى. تحضر له زجاجة جاز فيصب منها فوق أماكن الحرق. يطلب منا أن نتفحص جوانب المرتبة وثنايا المخدات. - هاتيلي قلة.
تحضر قلة ماء من الصالة. يكرع منها. يمسح شفتيه بكم الجلابية. يقول: سخنة. حطيها فوق البوفيه في التيار. تقول: أروح أجيب تلج يا سيدي؟ يكشف فمها عن أسنان صفراء. يجيب: لا، مش الوقت. بائع الثلج عند الباب. يحمل نصف لوح ملفوفا في الخيش. يضعه فوق مائدة الطعام. تحمله أمي إلى المطبخ . تكسر قطعة بيد الهون الخشبية. تدقها إلى قطع أصغر. تغسلها بالماء. تنثرها فوق أطباق «البالوظة» البيضاء المرصوصة فوق سطح البوفيه. نأكلها في مجلسنا عند النافذة.
يجر كرسي المكتب ويقف فوقه. يجذب ساعة الحائط برفق. يناولها ل «فاطمة» وهو يقول: على مهلك، خدي بالك. تضع الساعة فوق ملة السرير. تحضر قطعة قماش وتبللها بالجاز. تهم بتنظيف الساعة فينهاها. يترجل. يتناول منها القماش. يمسح بها الجوانب الخارجية للساعة. يفتح بابها الزجاجي. يمسح الجوانب المحيطة بالعدة. يطلب منها زجاجة البنزين وقطعة قماش أخرى. تناوله جوربا قديما من الصوف. يبلله بالبنزين. يخلع رقاص الساعة ويدعكه جيدا. يمسح في رفق الأرقام الرومانية. يتناول علبة صغيرة في حجم الكف لها بزبوز رفيع. يضع البزبوز أسفل عدة الساعة. يميله ليصب محتوياته. يصب منه في فتحتين وسط دائرة الأرقام. يمسح مفتاحا قصيرا من النحاس اللامع. يدسه في إحدى الفتحتين ويديره برفق. ينتقل إلى الفتحة الأخرى. يدير المفتاح عدة مرات حتى يستعصي على التحريك.
يحمل الساعة إلى الصالة ويضعها فوق المائدة. يدير عينيه بين الجدران. يستقر على مكان بين باب المنور وباب حجرة الضيوف. تجر «فاطمة» أحد مقاعد المائدة وتضعه أسفل المكان الذي عينه. يرتقي المقعد. يطلب مني إحضار الشاكوش ومسمار متوسط الحجم. أجري إلى الحجرة. أنحني فوق ركبتي أمام السرير. أجذب الشاكوش وصندوقا من الكرتون. يمتلئ بالمسامير وقطع الأسلاك الكهربائية والدبابيس وأجزاء من دوايا المصابيح. أنتقي مسمارين مختلفي الحجم. أجري عائدا. يمد أبي يده إلي. تختطف «فاطمة» الشاكوش والمسمارين من يدي. تناولهم له. يختار أحد المسمارين. يدقه في الحائط. ضرباته قوية ثابتة.
أقترب من باب غرفة الكونستابل و«ماما تحية». أتطلع من ثقب المفتاح. لا يوجد أثر للسرير والشوفينيرة. أخذا كل عفشهما عندما انتقلا إلى مسكن آخر. يصيح بي أبي: إنت فين؟ أهرع إليه. يمد يده بالشاكوش فتسبقني «فاطمة» إلى أخذه. يوشك الشاكوش أن يقع فيخاطبني: إنت مش نافع في حاجة. يطلب منها أن تناوله الساعة في رفق. تحملها إليه. يعلقها في المسمار. يتناول منها الرفاص ويثبته تحت العدة. يهزه فيواصل الحركة من تلقاء نفسه. يغلق باب الساعة. يهبط.
نعود إلى الغرفة. يطلب منها إنزال الصور المؤطرة. تصعد فوق المقعد. تتعلق طرحتها بحافة الدولاب. تفكها وتربطها من جديد فوق شعرها الخشن. ينحشر جلبابها بين فلقتيها. تمد يدها وتعدله. عين أبي على مؤخرتها الصغيرة. تجذب صورة وتناوله إياها. كبيرة بإطار عريض من الخشب. تضم صور وجوه صغيرة بيضاوية الشكل في صفوف متلاصقة. أعرف مكان صورة أبي في الصف الثاني من أسفل. أزالها «عزمي» ابن طباخة ماما «بسيمة». ينفضها أبي بخرقة ويضعها فوق الملة.
تناوله صورة أخرى. تهتز في يدها. يصرخ فيها: إنت إيديك سايبة. الصورة له جالسا في المنتصف بين عدد من ضباط الجيش. باسم في ملابس أنيقة. حذاؤه لامع ومدبب الطرف. المنشة في يده مستقرة فوق فخذيه. شاربه مرفوع إلى أعلى كشارب الملك «فؤاد».
صورة ثالثة ذات إطار خشبي رفيع ينتهي في الأركان الأربعة بما يشبه الصليب. واقف بين ضابطين أحدهما في بنطلون منفوخ يبرز من حذاء مرتفع حتى الركبة. فوق أكتافهما السيوف المعدنية الصغيرة التي تميز كبار الضباط. يمسك الصورة في يده ويتطلع إلى الحائط كأنما يبحث عن مكان لتعليقها. أقول له: مش نحطلها قزاز الأول؟ يهز رأسه في أسى: ربنا ينتقم منهم. تخرج «ماما بسيمة» غاضبة برفقة «عزمي» وتتركنا مع أمه. نبدأ في جمع حاجياتنا في أكياس من القماش. يضع الصور الكبيرة المؤطرة في كيس مخدة ويربطها بالدوبار. نكوم حاجياتنا إلى جوار الباب. نرتدي ملابسنا ونستعد للخروج. أدخل الحمام لأتبول. أتعثر في جردل مياه فيندلق. تصيح بي: إنت أعمى. يصرخ فيها: اخرسي. تهرع إلى الباب. تفتحه. تحمل أحد الأكياس. تقذفه من فوق سور السلم. تتبعه بكيس آخر. نهرول نازلين. يلحق بنا كيس الصور. يصطدم بالقاع. أسمع صوت تكسير الزجاج.
تعيد «فاطمة» الصور إلى مكانها فوق الدولاب. يشير إلى مظروف أصفر. يطلب منها إحضاره. يلقي به فوق المكتب. تهبط. تقوم بإدخال الفرش.
نترك لها الغرفة لتكنسها وتمسحها. يحمل أبي المظروف الأصفر. يجلس إلى مائدة الصالة في مواجهة باب الغرفة . أقف إلى جواره. يفض محتويات المظروف. صور بلا أطر بعضها في حجم الكارت بوستال. يتناول واحدة ويتأملها. أنحني فوق كتفه. تنزلق نظارتي فوق أنفي فأعيدها مكانها. أبي بين عمتي وزوجة عمي. الثلاثة في جلاليب بيضاء. وحده أبي الذي غطى رأسه بطاقية بيضاء. شعر عمتي وزوجة عمي أسود فاحم. قصير ومرسل حول وجهيهما. «نبيلة» بين ساقي أبي. خلفهم حائط من البوص وأمامهم شاطئ البحر. أسأله: فين دي؟ يقول: قدام عشة «راس البر».
صفحة غير معروفة