والحال هو الأمر الداعي إلى أن يعتبر مع الكلام الذي يؤدى به أصل المراد خصوصية حال وموصوفها مقتضى الحال فكون المخاطب منكرا الحكم فلا يقتضي كلاما مؤكدا وهو كلي، وهذا الكلي مقتضى الحال ، " وإن زيدا قائم " فرد من أفراد ذلك الكلي مطابق له يعني مصدوق لذلك الكلي وفرد من أفراده وهذا عكس مطابقة الكلي لجزئياته، إذ هي صادقيته على كل واحد منها وهكذا في التردد يقتضي توكيدا استحسانا وفي الخلو يقتضي أن لا يؤكد وهكذا ومرادنا<< بمطابقته لمقتضى الحال >>: مطابقته كله من كل جهة بأن يقتضي المقام مثلا التعريف والتأكيد والتقديم فيفعل ذلك كله، أو يقتضي أكثر من ذلك. وبأن يقتضي تأكيدين وتنكيرا وتأخيرا فيفعل ذلك كله، فإن ذلك لا يتزاحم. فإذا اقتضى المقام التعريف والتأكيد معا فاقتصر على أحدهما فليس أصل البلاغة متحققا، فليس كلامه بليغا. كيف يكون الكلام بليغا بمراعاة أحد أمرين أو أمور فقط - كما قيل - مع أن مقتضى حاله مراعاة الأمرين أو الأمور كلها.
و<<الحال>> هو ما يقتضي التعريف بجهد السامع، وما يقتضي التأكيد كإنكار المخاطب، وما يقتضي الحصر كإنكار المخاطب المحصور فيه، وكزيادة غيره معه. و<<مقتضىالحال>> هو نفس ذلك التعريف، والتأكيد وتركه، والحصر، والتقديم والتأخير، والتمييز، والإضمار والإظهار، والفصل والوصل، والذكر والحذف، والإطلاق والتقييد ،والإيجاز والإطناب، ونحو ذلك.فإن لم يكن ما اقتضاه الحال فليس بليغا، ولو لم تكن الفصاحة لم يكن بليغا أيضا، مثل أن تقول: " إن زيد قائم " (برفع زيد لحنا)، أو (بتقديم ضمير الشأن لإن المشددة).
صفحة ٥٨