167

تخجيل من حرف التوراة والإنجيل

محقق

محمود عبد الرحمن قدح

الناشر

مكتبة العبيكان،الرياض

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٩هـ/١٩٩٨م

مكان النشر

المملكة العربية السعودية

وقال: "لا صالح إلاّ الله وحد"١. وقال لرجل وهو يوصيه: "أحب الله من كلّ قلبك ومن كل قوتك ففي هذه الوصية جميع وصايا الأنبياء"٢. / (١/٤٨/ب) . وقال:"أنا ذاهب إلى إلهي وإلهكم"٣. يقول ذلك للحواريين. فهذه نصوصه في التوحيد ونفي التثليث٤. فمن أين جاءت النصارى هذه الداهية؟! ٥. أسأل الله العصمة.

١ ورد النص في متى: ١٩/١٦، ١٧، مرقص ١٠/١٧، لوقا ١٨/١٨. ٢ ورد النص في إنجيل متى ٢٢/٣٥-٣٧، وورد أيضًا فيه ٢٣/٩، أن المسيح قال: "إن أباكم واحد في السماوات". ويؤكّده ما ورد في إنجيل مرقص ١٢/٣٠، قول المسيح: "الرّبّ إلهنا إله واحد، وليس آخر سواه". ٣ يوحنا ٢٠/١٧. ٤ لقد وردت في أسفار العهد القديم أيضًا - التي يؤمن النصارى بقدسيتها - نصوص كثيرة تصرح بوحدانية الله وتنفي الشرك عنه. منها: ما ورد في التوراة سفر الخروج ٢٠/١، ٢، قول الله لبني إسرائي: "أنا الرّبّ إلهك الذي أخرجك من أرض مصر بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي". وفي سفر التثنية أيضًا قول موسى: "الرّبّ إلهنا ربٌّ واحدٌ". وقد ورد التوحيد في سفر أشعياء ٤٥/٥، وسفر ملاخي ٢/١٠، وغير ذلك كثير. وبعد ذلك التصريح بوحدانية الله في التوراة وأسفار الأنبياء والأناجيل، فإنّ للمؤلِّف وغيره أن يستاءل مندهشًا ومنكرًا على النصارى - من أين تسرب التثليث إلى دين التوحيد الذي جاء به المسيح ﵇ مع عدم الدليل عليه؟!. ٥ للإجابة عن تساؤل المؤلّف ودهشته ينبغي لنا أن نتعرف تاريخ الديانات الوثنية وتعدد الآلهة وتاريخ النصارى وأسباب انحرافهم، وخلاصة ذلك ما يأتي: ١- أن ظهور التثليث كان تحديدًا لتعدد الآلة المبالغ فيه أحيانًا عند الديانات الوثنية القديمة، ولعل البابليين هم أوّل من قال بالثالوث في الألف الرابع قبل الميلاد. ٢- نشأ مذهب عند الهنود وسط بين التوحيد والتثليث هو: "التعدد في وحدة، والوحدة في تعدد"، وقد قالوا به قبل ظهور المسيح بأكثر من ألف عام، فكان عندهم: "براهما وفشنو وسيفا". ويعدونهم ثلاثة جوانب لإله واحد. ٣- وظهر في الإسكندرية - زمن بطليموس الأوّل - عبادة الثالوث المصري المكون من: "سيرابيس وإيزيس وحورس" وكان هيئات ثلاث لإله واحد. ٤- الاضطهادات التي نزلت بالنصارى من اليهود والرومان أدت إلى قتل علماءهم وتحريق كتبهم ومنع قراءتها وتفريقهم واستتارهم، كل ذلك كان من أسباب انحرافهم ونفوذ الأهواء والأساطير والبدع إلى قلوبهم لتحل - مع الزمن - محل العقائد الصحيحة. ٥- ظهور بولس اليهود وتظاهره بالنصرانية - وقد كان عارفًا بالفلسفة الإغريقية ومدرسة الإسكندرية-ووضعه بذور التثليث بالدعوةإلى تأليه المسيح وبنوته لله. ٦- ظهر في مدرسة الإسكندرية تجديد مذهب أفلاطون على يد أفلوطين وخلاصة فلسفته التي اعتنقها الكثيرون من الرومان: أ- قمة الوجود هو الواحد أو الأوّل. ب- الشيء المحدث عند (عقل) شبيه به. ج- وهذا يفيض بدوره فيحدث صورة منه هي (نفس) . وبعبارة أخرى سهلة: "ثلاثة في واحد وواحد في ثلاثة". ثم إنّ التاريخ يروي لنا أنه في القرن الثاني والثالث والرابع الميلادي قد دخل الرومان والمصريون أفواجًا في النصرانية، وكثير منهم دخل النصرانية وفي رأسه تعاليم الوثنية الرومانية، والفلسفة الأفلاطونية الحديثة لم تخلع منه، وهؤلاء ولا شكّ أثر تفكيرهم في النصرانية. ١- انعقاد مجمع نيقية المسكوني عام ٣٢٥م وتقريره لألوهية المسيح والتثليث، ثم انحياز الإمبراطور قسطنطين - الذي كان وثنيًا - إلى ذلك الرأي وتأييده بجاه السلطان وقوة السنان. وكان لنشره تلك العقيدة أكبر الأثر في انتشارها واعتبارها الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية. بذلك يتبيّن لنا الترابط الوثيق بين النصرانية المنحرفة والديانات الوثنية والفلسفية السابقة عليها كما حكم القرآن الكريم عليهم من قبل، فقال تعالى: ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ . [سورة التوبة، الآية: ٣٠] . (ر: للتوسع - تاريخ الفلسفة ص ٦-١٩، لإبراهيم مدكور، محاضرات في النصرانية ص ٣٣-٣٩، ١٥٤، لأبي زهرة، العقائد الوثنية في الديانة النصرانية - محمّد طاهر التنير، المسيحية ص ١٠٨، ١٣٠-١٣٣، د. أحمد شلبي، أقانيم النصارى ص ٨٨، ٨٩، أحمد السقا، النصيحة الإيمانية ص ١٣٥-١٤٠، للمهتدي نصر المتطبب وتعليقات الطالب المحقٌِّ عليها".

1 / 191