وصايا للمجيب
وأوصى المجيب - الذي يحفظ وضعا مشهورا - أن لا يمتنع من تسليم المشهورات؛ والحافظ غيره قد يمتنع ويعتذر له بأن يستفسر عن الألفاظ المبهمة والمصطلحات الغريبة.
وممانعته أما بحسب القول - وهو أن يمنع مقدمات السائل ويلحق بما يسلمه قيودا لا يتوجه الإلزام معها - وأما بحسب القائل وهو تشويشه بأفعال خارجة عن الصناعة، وذلك قبيح دال على العجز.
ما ينبغي للمجادل
ومن يتعاطى الجدل فينبغي أن يتمهر " يتهد - ن " في إيراد العكس والدور لكل قياس، وفي إيراد مقدمات كثيرة لإثبات كل مطلوب من مواضع مختلفة، وكذلك لإبطاله، وأن يكون آخذا من كل صناعة يجادل فيها بطريق صالح.
واعلم أن تعميم الأحكام للسائل وتخصيصها للمجيب أنفع وإقامة الحجة بالسائل أخص، والمقاومة والمناقضة والمعارضة بالمجيب، وينبغي أن لا يتكفل السائل هدم كل وضع، ولا المجيب حفظه، بل السائل يهدم الشنيع والمجيب يحفظ المشهور.
الفصل السابع
في المغالطة
كل قياس ينتج ما يناقض وضعا فهو تبكيت بالحجة، فإن كان حقا أو مشهورا كان برهانيا أو جدليا، وإلا فمغالطي يشبه البرهان أو مشاغبي يشبه الجدل.
ولا بد فيهما من ترويج يقتضي مشابهة - أما في مادة أو صورة - .
والآتي به غالط في نفسه، مغالط لغيره، ولولا القصور - وهو عدم التمييز بين ما هو هو وبين ما هو غيره - لما تم للمغالطة صناعة، فهي صناعة كاذبة تنفع بالعرض فأن صاحبها لا يغلط ولا يغالط، ويقدر على أن يغالط المغالط، وقد تستعمل امتحانا أو عنادا.
فموادها المشبهات - لفظا أو معنى - ومن المشبهات معنى الوهميات، وهي ما يحكم به بديهة الوهم في المعقولات الصرفة حكمها في المحسوسات، كالحكم بأن كل ما هو موجود فله وضع.
والوهم قد يساعد العقل في قبول ما ينتج نواقضها ويخالفه في النتيجة، فهي كاذبة تشبه الأوليات، وأما أحكام الوهم فيما يحس فصحيحة يشهد له العقل بذلك.
أسباب الغلط - اللفظية
ولهذه الصناعة أجزاء صناعية وخارجة، والأولى ما يتعلق بالتبكيت.
وأما أسباب الغلط مطلقا: فأما لفظية؛ وهي ستة: اشتراك اللفظ المفرد بحسب جوهره أو بحسب هيئة في نفسه - كاختلاف التصاريف - أو من خارج كاختلاف الأعراب والأعجام والمجازات - والمركب، وهو الاشتراك بحسب التركيب كما يقال: " كل ما يتصوره العاقل فهو كما يتصوره " إذا لفظ: " هو " يعود تارة إلى المعقول، وتارة إلى العاقل فهو كما يتصوره " إذ لفظ: " هو " يعود تارة إلى المعقول، وتارة إلى العاقل، واشتراك القسمة وهو أن يصدق القول مفردا فيوهم مؤلفا ويكذب، كما يقال: " زيد شاعر جيد " فيظن جودته في الشعر.
واشتراك التأليف - وهو بالعكس - كما يقال: الخمسة زوج وفرد " فيظن أنه زوج وفرد.
أسباب الغلط - المعنوية
وأما معنوية؛ وهي سبعة: لأنها تقع أما في أجزاء القضايا، بأن يؤخذ بدل ما هو جزء ما يشبهه من اللوازم والعوارض، كمن رأى انسانا أبيض يكتب فيظن أن كل كاتب يكون كذلك، فأخذ الأبيض بدل الكاتب - ويسمى " أخذ ما بالعرض مكان ما بالذات " أو بأن يؤخذ مع الجزء ما ليس منه، أو يخلى ما هو منه - مثل القيود والشروط - كمن يأخذ " غير الموجود " شيئا غير موجود مطلقا، ويسمى " سوء اعتبار الحمل " .
أو في تأليفها: كمن رأى الخمر احمرارا مائعا فظن أن كل أحمر مائع هو الخمر - وهو إيهام العكس - وأما في تأليف القضايا: أما تأليفا قياسيا: فإن كان في نفس القياس أما صورة - بأن يكون على هيئة غير منتجة - أو مادة - بأن يكون منحرفا عن الإنتاج بإغفال الشرائط بحيث لو صار كما يجب لصار كاذبا، أو لو صار بحيث يصدق لصار غير قياس، وهو سوء التركيب، وإن كان فيه باعتبار النتيجة بأن يكون غير مشتمل على إنتاج ما هو المطلوب فهو " وضع ما ليس بعلة علة " أو بأن لا يفيد علما غير ما وضع فيه وهو " المصادرة على المطلوب " .
أو تأليفا غير قياسي كما يقال: " زيد وحده كاتب " ويسمى: " جمع المسائل في مسألة واحدة " .
ومن تصفح القياس وأجزائه فوجدهما على ما ينبغي مادة وصورة، ولفظا ومعنى، مركبة ومفردة، أمن من الغلط.
أسباب المغالطة... الخارجة عن القياس
صفحة ١٩