وكان حلمي على علم بالأمر، وكان يعرف من أخيه في كل لحظة على أنباء الخراب الذي يحل به. واعتصرت الرجل الوطني أيد عنيفة من الأسى، فهو حزين أشد الحزن على عاصمة وطنه التي يمثل خرابها خراب مصر جميعا، وحزين من أجل أخيه الذي أتت الكارثة على أمواله جميعا.
كان حلمي قد ترك الوزارة، وهكذا أعفته الظروف أن يكون فريسة لموقف المسئول أمام مسئوليته.
كان من الطبيعي أن يطلب حفني ليوافيه بمنزله: أنا أنقذت أرضك مرة وأظنني قادرا على إنقاذها مرة أخرى. - يا أخي ربنا يطيل عمرك، أظنك في هذه المرة لا تستطيع. - كيف؟ - الدين الذي تحمله الأرض أكثر من ثمنها عشرات المرات. - وماذا تنوي أن تفعل؟ - هل رأيتني عمرك أشكو قلة المال؟ - كان لا يمكن أن تشكو قلة المال وأنت على ما كنت عليه من غنى. أما الآن فالأمر يختلف. - توكل على الله. - كم عندك الآن؟ - ما يكفيني. - لا يمكن. فلوسك كلها كانت في البنك. - ما يكفيني يا سي حلمي. - طيب، خذ هذه خمسمائة جنيه ودبر بها حالك، أو أبقها معك إذا كان معك ما يكفيك حقا. - لن أرفضها؛ فهذه يد أحب دائما أن آخذ منها، أطال الله عمرك.
حين عاد حفني إلى بيته أصبح يعرف طريقه تمام المعرفة؛ فهو حين تزوج كان قد انتقل إلى شقة فاخرة ضخمة عريضة الاستقبال تستطيع أن تتسع لمائتين في ليلة واحدة، وقد أثثها له حموه بأحسن الأثاث. وهكذا بدأ حفني يعطي أوامره. وقد اتخذ موقف المسئولية عن بيته وبيت حميه، وما كان الأمر يحتاج إلى هذا، فقد كان عبد الفتاح مصطفى شأن كل المقامرين قد كتب عمارة لكل فتاة، كما كتب عمارة لزوجته، فهم يستطيعون أن يعيشوا في ستر وإن لم يكن في رخاء، ولكن حفني لم يكن يملك شيئا وهو حريص أن ينال المتعة التي رصد حياته لها، فكيف إذن سيبرر تصرفاته المقبلة إذا لم يتظاهر أنه يصنع في سبيل فواز وأمه، بل ويزداد جرأة على الحق فيدعي أنه ينظر أيضا إلى مصلحة حماته ومصلحة آمال.
وحاولت سناء أن تذكره أن دخل والدته وأختها من العمارتين سيكفيهما، بل إن دخلها هي من العمارة سيكون قادرا على مواجهة الحياة، ولكنه قال في حسم: لقد تعودتم جميعا على العيش في سعة، وهيهات أن تستطيعوا العيش في قلة. - وماذا تريد أن تفعل؟ - نذهب لنعيش مع أبيك في بيته. - هل البيت باق له ؟ - إنه قد كتبه باسمك واسم آمال في العام الماضي. - وبعد ذلك؟ - لا شيء. أولا تكون عيشتنا واحدة، وتجد والدتك وأختك رجلا معهما تعتمدان عليه. - هل وافقتا؟ - إن أمك هي التي طلبت هذا.
قالها الرجل في بساطة وهدوء، ولو كنت شاهدا الحوار بينه وبين كريمة ... وما لي لا أتيح لك أن تسمعه.
قالت كريمة: أهكذا ينتهي عبد الفتاح صدقي يا حفني؟ - عبد الفتاح صدقي لا ينتهي أبدا يا كريمة هانم. - ألا ترى إليه؟ - شدة وتزول، إنما أنا أرى أن تنتقلي به إلى بيتنا، الأمر قد يحتاج لوجودي معه، ربما احتاج إلى طبيب في الليل أكون إلى جانبكم. - ربنا يا بني يطيل لنا عمرك. وهل أصبح لنا غيرك! لا والنبي لم يصبح لنا غيرك. - فما رأيك؟ - وكيف يمكن نقله يا بني؟ وأنا كيف أذهب معه؟ - بيتي كبير وأنت تعرفين. - لكن اسمع، أليس بيتنا أكبر؟ لماذا لا تأتي أنت وسناء وفواز وتعيشون معنا؟ أولا أجد أنا رجلا أطمئن به ونوحد المعيشة. - أترين هذا؟ - أليس هذا هو المعقول؟ - أمرك.
وانتهى الحوار.
ولكن حفني الجبار يقول لسناء إن كريمة هانم هي التي طلبت. وهذا في ظاهره حق، ولكنها طلبت لأنه جعلها هي تطلب. هكذا حفني، أتذكر حين قلت لك إنك لن تستطيع أن تلم بجوانبه؟ وقالت سناء: ولكن ماذا سنفعل ببيتنا هذا؟ - يا ستي لا تفكري فيه الآن.
طبعا يجب ألا تفكر فيه الآن أو بعد الآن، فما كانت النقلة إلا لما يفكر هو فيه بشأن هذا البيت. •••
صفحة غير معروفة