وقالت الست حكمت: يا أخي قل يا عمي.
وقال حسن في نفاق يجري في عروقه مجرى الدم: لا يمكن يا ست هانم، أين أنا من كلمة عمي هذه؟
وضحك الأميرالاي وهبي، فقد كان لقب بك حبيبا إلى نفسه دائما، وأكمل حديثه. - متى تحب أن تتم الدخلة؟ - متى تأمر بديعة هانم.
وقال وهبي: بيدك أن تكون الليلة وبيدك أن تكون بعد أشهر. - اجعلها الليلة أنا في عرضك يا سعادة البك.
وضحك الجميع ووضعت بديعة على وجهها خمارا من حياء، وقال وهبي: هل تصر على أن تسكن في شقة وحدك أنت وعروسك؟ - والله الأمر إليها وإليك. - أنت تعرف أن ابنها نبيه محتاج لمن يرعاه، وهنا سته تستطيع أن تكون إلى جانبه دائما، والبيت هنا كبير وتستطيع أن تعيش معنا، وهكذا لا تحرم خالتك حكمت من بنتها الوحيدة ومن حفيدها. - وهل يمكن أن أتمنى أحسن من هذا؟ كل ما في الأمر أنني مواعيدي صعبة كصحفي، وسعادتك تعرف وأخشى أن أزعجكم. - لا إزعاج في الأمر، سنجعل حجرتك على السلم مباشرة لتخرج وتدخل وقتما تشاء. - وهو كذلك أمركم. - اذهب إذن وأحضر ملابسك. - في لمح البصر يا سعادة البك، في لمح البصر. - ألم أقل لك أن الحياة أصبحت تطالعه بوجه لم يكن يتصور أنه سيراه من هذه الحياة؟
الفصل الخامس عشر
حين اندلع حريق القاهرة لم يأت على القاهرة وحدها، وإنما أتى على أموال حفني وعبد الفتاح مصطفى في لفحة واحدة؛ فالبورصة لم تكن تتوقع هذا الحريق فإذا هي تجابه به وكأنه حيوان شرس جائع وجد طعامه، والمال أكثر شيء جبنا، فما الخطب إذا واجه الرعب نفسه والحريق والدمار الآخذ لا يبقي على شيء؟!
ونزل الحدث على عبد الفتاح مصطفى بالهول الوبيل؛ فهو إنسان طبيعي ضاعت ثروته كلها التي شقي في جمعها طول عمره. فأي عجيبة أن يصاب بالهون، بل أي عجيبة أن يصاب بالفالج؟ أما حفني فالأمر معه مختلف كل الاختلاف، لقد استقبل الأنباء وكأنه يسمع أمرا ليس يعنيه في شيء، فقد المال الذي كسبه في البورصة، وفقد الأرض التي تركها له أبوه وأنقذها له أخوه وكأنما كان ينقذها لتعتسفها البورصة، وأصبح مصيره ومصير زوجته وابنه فواز الجوع والمسغبة وهوان الفقر وذلة الأخذ، وهو الذي تعود الشبع وعزة الغنى وكبرياء العطاء. ولكن لو أنه كان اهتز أقل هزة لأصبح إنسانا آخر غير حفني الذي نعرفه.
ولما استحق منا أن نتيح له هذه المساحة العريضة مما تقدمه لك هذه الرواية.
وقف حفني للعاصفة مثل الجبل، وانتظر حتى انحسر عزيف الرياح عنها مخلفا وراءه الخراب وعبد الفتاح صدقي وقد أصبح جزءا من شيء لا حياة فيه ولا رجاء منه.
صفحة غير معروفة