181

تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن

محقق

الدكتور حفني محمد شرف

الناشر

الجمهورية العربية المتحدة-المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

مكان النشر

لجنة إحياء التراث الإسلامي

فإن العارف ببنية الشعر إذا سمع قولها: مفيتا مفيدًا، تحقق أن هذا اللفظ يوجب أن يتلوه قولها نفوسًا ومالًا، وكذلك قولها: وخرق تجاوزت مجهوله ... بوجناء حرف تشكى الكلالا فكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا والبيت الثاني أردت، وإن كان البيت الأول فيه من التسهيم ما فيه لكن الثاني أوضح، لأن قولها، يقتضي أن يتلوه: فكنت النهار به شمسه ... وكنت دجى الليل فيه الهلالا ومن جيد أمثلة التسهيم قول عمرو بن كلثوم وافر: ونوجد نحن أحماهم ذمارًا ... وأوفاهم إذ عقدوا يمينا واستخراج التسهيم من هذا البيت عسر جدًا، وهو مما ينبغي أن يسأل عنه من يتعاطى هذه الصناعة، وطريق استخراجه منه أن يقال: لما قدم في صدر بيته الفخر بصفات المدح في الحرب، أوجبت عليه البلاغة أن يكمل الفخر بصفات المدح في السلم، والسلم لا يكون إلا بالعهود والأيمان، وهذان لا يمدح الإنسان فيها إلا بالوفاء بهما، إذ ليس من المدح أن تقول: حلف فلان ولا استحلف بل تقول: فلان وفى بعهده ويمينه، فلما اقتضى المعنى تكميل المدح في حالة السلم بالأمر الذي هو أس السلم وأصله، كما مدح في حالة الحرب بما هو من صفات المدح في الحرب، اقتضى اللفظ أيضًا أن يكون ما يأتي به من الألفاظ مناسبًا لما قدمه، وقد قال في صدر البيت: ونوجد نحن أحماهم، فتعين لمراعاة

1 / 265