و إذا حاولنا اكتشاف وجهات الالتقاء بين المقارن و الخلافي وجدنا أن الأخير إما مجيب يحفظ وضعا شرعيا، أو سائل يهدم ذلك يفترض آراء مسبقة يراد له تقريرها و تعزيزها و هدم ما عداها، فوظيفته وظيفة جدلي لا يهمه الواقع بقدر ما يهمه انتصاره في مقام المجادلة و الخصومة، أو نشبهها بوظيفة محام يضع نفسه طرفا في الدعوى للدفاع عمن له حق الترافع القانوني، و لا يهمه-بعد ذلك-أن يكون موكله قريبا من الواقع أو بعيدا عنه.
بينما يأخذ الفقيه المقارن وظيفة الحاكم الذي يعتبر نفسه مسؤولا عن فحص جميع الوثائق و تقييمها و التماس أقربها للواقع تمهيدا لإصدار حكمه، و لا يهمه أن يلتقي ما ينتهي إليه مع ما لديه من مسبقات فقهية، و ربما اعتمد في تصحيح آرائه السابقة على ضوء ما ينتهي إليه.
و يترتب على الفرق بين الفقيه و بين المقارن و الخلافي فارق منهجي، فالفقيه غير ملزم بعرض الآراء الأخرى و مناقشتها، و إنما يكتفي بعرض أدلته الخاصة التي التمس منها الحكم بخلاف المقارن و الخلافي، فهما ملزمان باستعراض مختلف الآراء و الأدلة و إعطاء الرأي فيها.
فالفارق بينهما إذا فارق جذري و إن تشابها في طبيعة البحوث.
و حين نحاول معرفة الفوائد المتوخاة من الفقه المقارن نجد أن أهمها:
أولا: محاولة البلوغ إلى واقع الفقه الإسلامي من أيسر طرقه و أسلمها، و هي لا تتضح عادة إلا بعد غرض مختلف وجهات النظر فيها، و تقييمها على
____________
(1) الأصول العامة للفقه المقارن 9.
16 أساس موضوعي.
صفحة غير معروفة