وتعلق هؤلاء في تصحيح ما ذهبوا إليه في قوله في حديث اسرائيل (¬1) (ثم قال لعلي: أمح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب) (¬2). /ص53/ قالوا: فلفظه كتب وان كانت قد تستعمل في الرئيس بمعنى أمر من يكتب. كمل يقال: نادى الأمير في الناس، بمعنى أمر من ينادي، إلا أن اضافة الفعل إليه تقتضي وقوعه منه، ولا يجوز صرفه عن هذه الحقيقة إلى المجاز (¬3) إلا بديل، لأن حملنا كتب على أمر من يكتب، صرف له عن حقيقته إلى المجاز. قالوا وهذا ما لم يتقدمه قوله: ("فأخذ الكتاب")، فإذا تقدمه: ("فأخذ الكتاب")، لم تستعمل حينئذ حقيقة ولا مجاز، إلا بمعنى تناول الكتاب، ولا يجوز أن يحمل على أنه أمر بالكتاب، لأنه إذا قال: كان علي يكتب فقال له: ("أمح رسول الله") فقال: لا أفعل، ("فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب فكتب اقتضى ذلك أخذه_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب من علي"). /ص54/ وإذا كان صريحا في أخذه الكتاب من علي، وجب أن يكون صريحا في تناوله الكتاب، ولو جاوزنا أن يحتمل في هذا الموضوع" فكتب" أمر من يكتب، لكان الأظهر فيه تناول الكتاب، وإذا احتمل اللفظ معنيين هو في أحدهما أظهر، وجب حمله على أظهرهما، ولا يجوز العدول عنه إلى الآخر، إلا بدليل (¬1). ولو حملنا" فكتب" على أمر من يكتب بغير دليل، لوجب أن يحمل فأخذ الكتاب على أمر من يأخذه، وصلى على أمر من يصلي، ودخل مكة معتمرا على أمر من يدخلها. وهذا يؤدي إلى أنه لا يصح اضافة فعل إليه بوجه، ولا يثبت له في مدة حياته عمل، ولا غزو، ولا تصرف بوجه ولا سبب. وهذا مالا يستجيز ذو لب ارتكابه. وإذا لم يجز ذلك، وجب أن يحمل كل ما أضيف إليه من الأفعال على أنه_ صلى الله عليه وسلم_ يباشرها بنفسه، إلا أن يمنع من ذلك دليل. /ص55/ فإن قيل: انما أراد فأخذ الكتاب فمحا رسول الله، ثم أمر (¬2) عليا فكتب. وذلك بحسب ما ورد في حديث شعبة (¬1) عن أبي اسحاق. قيل: ليس في لفظ حديث شعبة أنه أمر عليا فكتب. وإنما فيه أنه محا، ولا يمتنع أن يمحو، ثم يكتب. /ص56/ وبذلك يقضي جمع حديث (¬2) شعبة واسرائيل، ولا يجوز اطراح أحد الحديثين مع امكان الجمع بينهما (¬3)، فأخذ الزائد من كل واحد منهما. ووجه آخر، وهو أنه قال: ("فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، وليس يحسن يكتب فكتب") (¬4) ولا بد أن يكون لقوله ("وليس يحسن يكتب") فائدة في هذا المكان، والا كان لغوا (¬5) وهذيانا، (¬6) وقد علم الناس من حاله أنه كان لا يكتب، فلم تبقى له فائدة، إلا أنه أخذ الكتاب في وقت لا يحسن أن يكتب فيه فكتب على وجه اظهار المعجز، وخرق العادة (¬7).
صفحة ٣٧