القراءة على الميت وفعل السلف
وربما يقول متنطع ممن يتشبث بأذيال العدم لرد كل مسألة وإنكار كل جديد بقوله: لم يفعله السلف ولم يثبت عنهم، ربما يقول هذا: إن القراءة على الميت لم يفعلها السلف، فنقول له:
أولا: هذه الدعوى غير صحيحة، لأن القراءة على الأموات صحت عن ابن عمر، وحكاها الشعبي عن الأنصار، وثبتت عن الإمام أحمد، وهو من كبار أئمة السلف. وفي نفح الطيب في فوائد المقري الكبير أنه أنشد شيخه الآبلي قول ابن الرومي المشهور:
أفنى وأعمى ذا الطبيب بطبه
وبكحله الأحياء والبصراء
فإذا مررت رأيت من عميانه
أمما على أمواته قراء
فاستفاد منه قدم القراءة على الأموات.
ثانيا: لو سلم عدم فعل السلف لها لا يلزم منه المنع الخاص المدعى، فعدم فعلهم لها ليس بدليل، وليس كل شيء من مسائل الفروع لم يفعله السلف يكون محظورا، ومن ادعى ذلك فعليه الدليل ولا سبيل له إليه.
ثالثا: قد ثبت في الحديث الصحيح ((إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه))، وثبت أيضا تعذيب الأموات في قبورهم كقوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا}[غافر:46]، وكحديث وضعه عليه السلام الجريدتين على قبرين وأخبر: ((أنه يخفف عنهما ما دامتا رطبتين)) أخرجه الشيخان، وأصحاب السنن الأربعة، وابن خزيمة، وأخرج البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به))، ووردت أحاديث كثيرة بخصال غير هذه الثلاثة، يلحق ثوابها الإنسان بعد موته، تتبعها الحافظ السيوطي فبلغت إحدى عشرة خصلة، ونظمها في الأبيات السابقة.
صفحة ١٣