( 18 ) ولعله لذلك قرأت الراء بالنصب فيها - يروى عن ابن كثير - وللحال من الضمير في أنعمت بتقدير أعنى ، وكأنه من أوضح الأدلة في الخطاب على أن من كان كذلك حاله فليس على نعمة ، ولو أعطي الدنيا كلها ، وعوفي بدنه حتى انبسط في لذتها ، يتبوأ فيها على فراغ قلب كيف يشاء ، لأنه في هيكل ذاته أعمى مكبل بشهواته ، أصم محصور في سجن هواه معكوس ، مكب على وجهه منكوس ، يسحب مجرورا لمراس هفواته ، مردودا إلى أسفل سافلين ، فكأنه في العذاب المهين ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى . ولما كان الغضب غالبه ، يكون على أهل العناد احتمل أن يكونوا هم المهاجرين بالشر وأنواع الفساد ، والضالين ساكن الألف من غيرهم ، وقرئ بالهمزة - فيما يروى - هربا من التقاء الساكنين ، هم الملحدون جهالة عن الشروع في هذا المقصد المشروع غباؤه ، لأن الضلال ميل في غوى ، لكونها مصدر ضل عن الشيء إذا أخطأه لعمى .
وتخصيص اليهود والنصارى بالغضب ، دون غيرهم من الراكبين كبائر ما تنهون عنه من المشركين والمنافقين ينتقض بآية اللعان ، والتعمد على القتل ظلما وكأنهما في الظاهر لوجود الواو العاطفة المقتضية المشركة مع اختلاف الصفة فريقان ، ولكن الغضب كأنه لهما شامل بالنسبة والمعنى ، والضلالة كذلك لكون الغضب على من عصى الله ، ولا يعصي إلا من ضل لا محالة ، لأنه عاص جزما ، بدليل أن غضب الله عبارة عن عقابه بأليم عذابه ، جزاء لمن عصاه واتبع هواه ، فكأنهما بمعنى ، لأنهما مترادفان على مسمى ، إذ ليس أهل التكليف أجمع إلا فريقين وإن اختلفت الأحوال منهم في المعاصي والطاعات ، فريقا هدى ، وفريقا حقت عليه الضلالة .
صفحة ٢٧