( 13 ) وكان فحوى الخطاب دليل على الأمر بها ، ولكن في سبيل ثوابه على تسهيل أبوابه ، وتيسير أسبابه ، رجاء العطاء مع الإلجاء في الدعاء والوسيلة إلى الشيء بشيء من الشيء . فمن عكس هوى فانتكس ، ولذلك يسأله هذا العارف المريد مع الإقامة على الاستقامة بحقه المزيد مخافة الانقطاع عن الوصول إلى مطلوبه ، فقال : (( اهدنا الصراط المستقيم )) ، طريق الوصلة إلى محبوبه لأن الصراط في اللغة هو الطريق ، قرء بالزاء ، والسين ، والصاد والصاد أشهر والقراءة به أكثر ، وقد كان حمزة يقرأ بإشمام الزاء ، فيما عنه يروى . وسمي سراطا لأنه كان يسرط السايلة ، والمراد به العبادة عن طريق الدين في الإسلام إلى الملك العلام ، على أبلغ وجه في التشبيه له بالطريق ، تصويرا يدركه العقل ، من حيث أنه للمسافرين إلى الله في المعنى كل الطريق للسيارة من جميع المارة ، والمستقيم المستوى ، صفة له بأنها المنهاج المجرد عن الميل ، لا يقبل الاعوجاج . والدين منتظم من ثلاثة ، علم وحال وعمل ، فالحال فرع العلم . والعلم والعمل ثمرة الحال ، والهداية إرشاد في غاية اللطف . ومخارج أسبابها على الجملة أربعة : الأصلين عقلي ومكتسب شرعي ، فالأول على قسمين أحدهما ضروري ، وذلك ما يتأدى إليه من المعلومات التي لا تقبل الشك جزما ، والثاني رأي نوع والتعب في الروع ، والكشف عن محض سر الحق من قول العقل المطلع بالأنوار القدسية ، على الأسرار الملكوتية ، والواردة على الحدس من حياة القدس على سبيل الإلهام في اليقظة كالملائكة أو في المنام ، وفيضان ذلك من ينابيع العقل إلى الجوارح الظاهرة ، بواسطة النفس القاهرة . وعلى العكس فيما يستمده من الجنس ، في معنى التأدي من الظاهر إلى الباطن ، وإليه يرجع الأمر كله في حكم المواقع النظرية ، في المواضع العقلية .
صفحة ٢٠