( لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) [الأنبياء : 27] وأنهم البشر الذين منحهم الله رسالته في ما ألقاه إليهم من وحيه ، ومنحهم ولايته في ما قربهم إليه في خطهم العملي ، فكيف يقاس هذا بذاك؟!
وإذا كانوا يعتقدون أنهم الشفعاء ، فلأن الله أكرمهم بذلك ، وحدد لهم حدودا في من يشفعون له : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [الأنبياء : 28] ، فليست القضية قضية أسرار ذاتية في خصائص الألوهية تتيح لهم هذا الموقع ، تماما كما هي قضية العلاقات المميزة الخاضعة للأوضاع العاطفية أو نحوها ، بل القضية قضية كرامة من الله لهم من خلال حكمته البالغة في ألطافه بأوليائه.
وهكذا نرى أن الذهنية العقيدية لدى المسلمين لا تحمل أي لون من ألوان الشرك بالمعنى العبادي ، كما لا يحملون ذلك بالمعنى الفكري ، بل يختزنون ، في دائرة التعظيم للأنبياء والأولياء ، الشعور العميق بأن الله هو خالق الكون ومدبره ، وأن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا به ، وأن كل ما لديهم مما يعتقد الناس أنهم يملكون التأثير فيه بشكل وآخر ، هو من آثار لطف الله بهم في تمكنهم من ذلك بإذنه وإرادته ، تماما كما هو الإيحاء في ما تحدث به القرآن عن عيسى عليه السلام في حديثه عن مواقع قدرة الله في ذاته ، وذلك قوله تعالى : ( أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله ) [آل عمران : 49].
وإذا كان الله قادرا على أن يحقق ذلك من خلالهم في حياتهم ، فهو القادر على أن يحقق ذلك بعد مماتهم باسمهم ، لأن القدرة ، في الحالين ، واحدة في ما يريد الله له أن تتجلى قدرته في حركة خلقه.
فليس في ذلك شيء من الشرك ، بالمعنى الدقيق لهذا المفهوم ، عند ما نريد التدقيق في حدود المصطلح ، وفي ما تحكم به الشريعة من أحكام محددة
صفحة ٦٣