سنن سعيد بن منصور (1)
محقق
د سعد بن عبد الله بن عبد العزيز آل حميد
الناشر
دار الصميعي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
والمعتزلة رؤوسها، بل والشيعة، فإنه كان كذلك. وآل به الحالُ إلى أن حمل الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء، فلم يُمْهَلْ، وهَلَكَ لعامه، وخَلَّى بعده شرًّا وبلاءً في الدين، فإن الأمة ما زالت على أن القرآن العظيم كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، لا يعرفون غير ذلك، حتى نبغ لهم القول بأن كلام الله مخلوق مجعول، وأنه إنما يضاف إلى الله تعالى إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله. فأنكر ذلك العلماء. ولم تكن الجهمية يظهرون في دولة المهدي والرشيد والأمين، فلما ولي المأمون، كان منهم، وأظهر المقالة) (^١).
وقال أبو الفرج ابن الجوزي: (خالطه- أي المأمون- قوم من المعتزلة، فحسنَّوا له القول بخلق القرآن، وكان يتردد ويراقب بقايا الشيوخ، ثم قوي عزمه وامتحن الناس) (^٢).
وكانت بداية المحنة لمّا قوي عزم المأمون في سنة ثمان عشرة ومائتين، وكان مقامه آنذاك بطرسوس، فأرسل إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم كتابًا طويلًا لامتحان العلماء يقول فيه: (وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حَشَوَةِ الرَّعيَّة، وسَفَلة العامّة ممن لا نظر له ولا رويَّة، ولا استضاء بنور العلم وبرهانه، أهل جهالة بالله وعمىً عنه، وضلالة عن حقيقة دينه …) إلى أن قال: (فاجمع من بحضرتك من القضاة، فأقرأ عليهم كتابنا، وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عما يعتقدون في خلقه وإحداثه …) إلخ الكتاب (^٣).
ثم كتب المأمون إلى نائبه كتابًا آخر يأمره فيه أن يُشخص إليه
_________
(^١) سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٣٦).
(^٢) سير أعلام النبلاء (١١/ ٢٣٧).
(^٣) انظره في سير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، وتاريخ الخلفاء (ص ٤٩٣ - ٤٩٤).
المقدمة / 49