233

التفسير الكبير

تصانيف

أراد بذلك: لا أبرح؛ وكان أبو العباس ينكر إضمار حرف النفي في هذه الآية ويقول: (هذا إنما يكون في تصريح اليمين) كقولك: والله أقوم؛ بمعنى والله لا أقوم. وأما في مثل هذا الموضع، فلا يجوز حذف حرف النفي. قال: (والصواب أن معناه: لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم كراهة أن تبروا). فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ونظير هذا قوله تعالى:

ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين

[النور: 22].

وذهب بعض المفسرين إلى أن معنى الآية: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } أي لا تعترضوا باليمين بالله تعالى في كل حق وباطل؛ وهو نهي عن كثرة الحلف، لما في ذلك من الجرأة على الله عز وجل والابتذال لاسمه في كل حق وباطل. يقال: هذه عرضة لك؛ أي عدة لك تبتذلها فيما تشاء. ومعنى { أن تبروا } على هذا الإثبات؛ أي لا تحلفوا في كل شيء لأن تبروا إذا حلفتم وتتقوا المآثم فيها.

ويجوز أن يكون قوله تعالى: { أن تبروا } مبتدأ، وخبره محذوف تقديره، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس؛ أي أولى. فعلى هذا يكون موضع { أن تبروا } رفعا. وعلى التأويل الأول يكون نصبا؛ لأن معناه: لأن تبروا، موضعه نصب بنزع الخافض.

وقال مقاتل: (نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف لا يصل ابنه عبدالرحمن حتى يسلم). وقال ابن جريج: (نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين حلف لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك).

قال المفسرون: هذا في الرجل يحلف بالله أن لا يصل رحمه، ولا يكلم قرابته، ولا يتصدق، ولا يصنع خيرا، ولا يصلح بين اثنين. فأمره الله تعالى أن يحنث في يمينه ويفعل ذلك الخير ويكفر عن يمينه. قوله تعالى: { والله سميع عليم }؛ أي سميع لأيمانكم عليم بما تقصدون باليمين عند الحلف.

[2.225]

قوله تعالى: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم }؛ اختلف العلماء في لغو اليمين المذكور في هذه الآية؛ فقال قوم: هو ما يسبق به اللسان على سرعة وعجلة ليصل به كلامه من غير عقد ولا قصد؛ مثل قول الإنسان: لا والله؛ بلى والله؛ ونحو ذلك. فهذا لا كفارة فيه ولا إثم عليه، وعلى هذا القول عائشة رضي الله عنها والشعبي وعكرمة ومجاهد.

وقال أخرون: لغو اليمين هو أن يحلف الإنسان على شيء يرى أنه صادق فيه، ثم تبين له خلاف ذلك؛ فهو خطأ منه غير عمد، فلا إثم عليه ولا كفارة؛ وعلى هذا القول ابن عباس والزهري والحسن وإبراهيم النخعي وقتادة والربيع وزرارة بن أوفى ومحكول والسدي. وقال علي رضي الله عنه وطاووس: (اللغو اليمين في حالة الغضب والضجر من غير عقد ولا عزم)، ومثله مروي عن ابن عباس. يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:

صفحة غير معروفة