تفسير ابن كثير - ت السلامة
محقق
سامي بن محمد السلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثانية ١٤٢٠ هـ
سنة النشر
١٩٩٩ م
تصانيف
أَنَّ مَرْوَانَ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى حَفْصَةَ يَسْأَلُهَا الصُّحُفَ الَّتِي كُتِبَ مِنْهَا الْقُرْآنُ، فَتَأْبَى حَفْصَةُ أَنْ تُعْطِيَهُ إِيَّاهَا. قَالَ سَالِمٌ: فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ حَفْصَةُ وَرَجَعْنَا مِنْ دَفْنِهَا أَرْسَلَ مَرْوَانُ بِالْعَزِيمَةِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَيُرْسِلَنَّ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الصُّحُفِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَأَمَرَ بِهَا مَرْوَانُ فَشُقِّقَتْ، وَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِأَنَّ مَا فِيهَا قَدْ كُتِبَ وَحُفِظَ بِالْمُصْحَفِ، فَخَشِيتُ إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ (١) أَنْ يَرْتَابَ فِي شَأْنِ هَذِهِ الصُّحُفِ مُرْتَابٌ أَوْ يَقُولَ: إِنَّهُ كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُكْتَبْ (٢) . إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ (٣) عَنْ خَارِجَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي شَأْنِ آيَةِ الْأَحْزَابِ وَإِلْحَاقِهِمْ إِيَّاهَا فِي سُورَتِهَا، فَذِكْرُهُ (٤) لِهَذَا بَعْدَ جَمْعِ عُثْمَانَ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا هَذَا كَانَ حَالَ جَمْعِ الصِّدِّيقِ الصُّحُفَ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: "فَأَلْحَقْنَاهَا (٥) فِي سُورَتِهَا مِنَ الْمُصْحَفِ" وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُلْحَقَةً فِي الْحَاشِيَةِ فِي الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ. فَهَذِهِ الْأَفْعَالُ (٦) مِنْ أَكْبَرِ الْقُرُبَاتِ الَّتِي بَادَرَ إِلَيْهَا الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، ﵄، حَفِظَا عَلَى النَّاسِ الْقُرْآنَ، جَمَعَاهُ لِئَلَّا يَذْهَبَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَعُثْمَانُ، ﵁، جَمَعَ قِرَاءَاتِ النَّاسِ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ وَوَضَعَهُ عَلَى الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَارَضَ بِهَا جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي آخِرِ رَمَضَانَ مِنْ عُمْرِهِ، ﵊، فَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ عَامَئِذٍ مَرَّتَيْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِفَاطِمَةَ ابْنَتِهِ لَمَّا مَرِضَ: "وَمَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا لِاقْتِرَابِ أَجَلِي". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٧) .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا، ﵁، أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْقُرْآنَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُرَتَّبًا بِحَسَبِ نُزُولِهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا كَمَا رَوَاهُ (٨) ابْنُ أَبِي دَاوُدَ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ ﷺ أَقْسَمَ عَلِيٌّ أَلَّا يَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لِجُمْعَةٍ حَتَّى يَجْمَعَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ، إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، ﵁، بَعْدَ أَيَّامٍ: أَكَرِهْتَ إِمَارَتِي يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهُ إِلَّا أَنِّي أَقْسَمْتُ أَلَّا أَرْتَدِيَ بِرِدَاءٍ إِلَّا لَجُمُعَةٍ. فَبَايَعَهُ ثُمَّ رَجَعَ (٩) . هَكَذَا رَوَاهُ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُصْحَفَ أَحَدٌ إِلَّا أَشْعَثُ (١٠) وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (١١) وَإِنَّمَا رَوَوْا (١٢) حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، يَعْنِي أُتِمُّ حِفْظَهُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلَّذِي يَحْفَظُ الْقُرْآنَ: قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ.
قُلْتُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ أَظْهَرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ عَلِيًّا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ مُصْحَفٌ عَلَى مَا قِيلَ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ قَدْ تُوجَدُ مَصَاحِفُ عَلَى الْوَضْعِ الْعُثْمَانِيِّ، يُقَالُ: إِنَّهَا بِخَطِّ عَلِيٍّ، ﵁، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ فِي بَعْضِهَا: كَتَبَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَهَذَا لَحْنٌ مِنَ الْكَلَامِ (١٣)؛ وعلي،
(١) في جـ: "الزمان". (٢) المصاحف (ص ٣٢) . (٣) رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص ٣٧) عن الزهري. (٤) في جـ: "فذكر". (٥) في طـ، جـ: "وألحقناها". (٦) في جـ: "الآيات". (٧) صحيح البخاري برقم (٦٢٨٥، ٦٢٨٦) وصحيح مسلم برقم (٢٤٥٠) . (٨) في جـ: "روى". (٩) المصاحف (ص ١٦) . (١٠) في جـ: "الأشعث". (١١) في جـ، طـ: "وهو ابن الحرث". (١٢) في جـ، طـ: "رواه". (١٣) وقد ذكر "كوركيس عواد" في كتابه "أقدم مخطوطات في العالم" بعض هذه المصاحف وأماكنها وأرقامها في إيران وطاشقند، ولا يشك عاقل أنها ليست من خط علي، ﵁.
1 / 33