والعرش الذي ذكره الله عز وجل هو مثل ضربه الله في استوائه على ملكه، وإنما تفسير هذا المثل الذي ضربه الله لعباده في العرش والكرسي، أن الملك من ملوك الدنيا إذا قعد على كرسيه وعلى سريره استعلى فوقه، والعرش فهو السرير، فمثل الله عرشه وكرسيه بهذا العرش، وهذا الكرسي، فكان كرسي الملك من ملوك(1) الدنيا كرسيا ضعيفا صغيرا، والذي استوى فوقه أضعف منه وأحقر منه، وكذلك العرش ايضا فهو في الضعف والصغر كمثل الكرسي، وسواء الكرسي والعرش كلاهما مقعد للملك يقعد عليه ويستوي فوقه. وكرسي الله عز وجل فقد وسع السموات والأرض، حتى صار من عظم سعته السماء والأرض في كرسيه كالحلقة الملقاة في الأرض، وصار الكرسي محيطا بهما كإحاطة الأرض بتلك الحلقة، فكانت السموات الأرض لصغرهما وضيقهما في سعة الكرسي عليهما كضيق الحلقة وصغرها في سعة الأرض عليها، وكان الكرسي مشتملا على السموات والأرض كما اشتملت هذه الأرض على هذه الحلقة، والواسع لهما بعظمهما كما وسعت الأرض هذه الحلقة، والله الذي لا إله إلا هو وسع الأشياء كلها، حتى أحاط بها وملأها وغمرها، وليس ثم كرسي(2) غير الله، إنما هو مثل مثله الله لعباده، لتستدل به على عظمته، واتساعه على جميع الأشياء وإحاطته بها.
ومن الدليل على أن الله عز وجل أراد بذكر الكرسي والعرش أن يعرف عباده عظم سعته وإحاطته بالأشياء؛ قوله عز وجل: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}[الطلاق: 12]، وقوله: {والله من ورائهم محيط}[البروج:20] وكثير في كتاب الله عز وجل مما يدل على أن الله محيط بالأشياء.
وهذا الكرسي مما يدل على إحاطة الله بجميع الأشياء واتساعه عليها. وتفسير العرش أيضا كتفسير الكرسي سواء سواء.
صفحة ٢٦٨