وقد قال الله عز وجل: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم}[الحديد:3]، فنقول لهؤلاء الملحدين في الله سبحانه: أخبرونا عن العرش، أهو الظاهر على الله، أم الله الظاهر عليه؟ فإن قالوا: إن العرش هو الظاهر على الله.، قلنا لهم: فقد أكذبكم الله(1) في كتابه بقوله هو: {الظاهر والباطن}، فأخبر عز وجل أنه هو الظاهر، وأنتم تقولون: أن العرش هو الظاهر، فقد كذبتم على الله في قولكم، وقلتم بخلاف قوله عز وجل وقد ضللتم ضلالا بعيدا؛ بكذبكم على الله وافترائكم عليه. وإن قالوا: بل الله هو الظاهر على جميع الأشياء، لم يقدر أحد أن يدفع هذه الحجة عنهم. قلنا لهم: قد قلتم بالحق، ورجعتم إلى الصدق، فإذا كان هو الظاهر على جميع الأشياء كان ظاهرا على كل عرش وغيره، والله من وراء ذلك العرش محيط، كما قال عز وجل: {والله من ورائهم محيط}[البروج:20]، فالله عز وجل من وراء كل عرش وغيره محيط، وظاهر على كل شيء.
فإن قال قائل: فإذا قلتم إن العرش هو الله؛ فما معنى قوله: {الرحمن على العرش استوى}[طه:5]؟ وقوله: {وكان عرشه على الماء}[هود:7]؟. قلنا له: إن العرش هو الله؛ إذ كان العرش اسما يدل على الله؛ لأن العرش من صفات الملك، وليس هو عرش مخلوق، إنما هو اسم من أسماء الملك يدل على ملك الله، ومعنى: يدل على ملك الله، أنه يدل على الله، إذ هو الملك بنفسه، فكان في المعنى عندنا سواء أن يقول القائل: لا ملك إلا ملك الله، أو يقول: لا عرش إلا عرش الله، فلذلك قلنا: إن العرش متصل بالله كاتصال الكف بساعدها، لأنه في غاية المعنى أن العرش علو الله على جميع الأشياء بنفسه.
وإنما مثل الله علوه على جميع الأشياء وإحاطته بها كعلو الملك على سريره إذا استوى عليه واستعلى فوقه في المثل لا غيره، وليس في الشبه والصفة إلا في المثل.
صفحة ٢٦٧