ولا نصف الله عز وجل بشيء من صفات البشر، بل نقول: إن معنى ذلك كله إذ يعود كل صنف إلى أصله أنه هو الله عز وجل لا غيره، وليس نقول: إن ثم عرشا مخلوقا، ولا كرسيا مخلوقا، ولا وجها مخلوقا. وليس شيء من هذه الثلاثة الأمثال العرش والكرسي والوجه يوجد أبدا بصفة من الصفات، ولا بحلية من الحليات(1)، إنما المعنى في هذا كله الله الذي لا إله غيره(2) وحده لا شريك له.
فإن قال قائل، أو سألنا سائل، فقال: ما معنى العرش الذي ذكره الله في كتابه؟
قلنا له: اسم يدل على الله في ارتفاعه، وعلوه فوق خلقه، من أهل سماواته وأرضه.
فإن قال لنا: ما الكرسي الذي ذكره الله في كتابه؟
قلنا له: اسم يحكي عن صفات الله في ذاته.
فإن قال: وكيف صفات الله في ذاته؟
قلنا له: إن الكرسي يدل على الله، وهو اسم من أسماء ملك الله، وليس ثم شيء سوى الله.
ومعنى {وسع كرسيه السموات والأرض} أنه وسع السموات والأرض بكرسيه، ومعنى وسع السموات والأرض بكرسيه، أي وسع السموات والأرض بعلوه واقتهاره، أو لا تسمع إلى قوله: {ولايؤده حفظهما}؟ يريد سبحانه أن السموات والأرض لا يحفظانه، يخبر أنهما لا يمسكانه، وكيف يمسكانه أو يحفظانه عز وجل، وهو يخبر أنه خارج منهما، محيط بأقطارهما، واصل بمن ورائهما ووراء ورائهما، إلى ما لا يصل إليه غيره عز وجل؟!
وقد قال النبي صلى الله عليه لأبي ذر رحمة الله عليه: (( يا أبا ذر، ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في الأرض ))، يقول صلى الله عليه وعلى آله: ما السموات والأرض بأقطارهما في ورائهما(3) مما هو أوسع منهما من حد أقطارهما إلى مالا منتهى له؛ إلا كالحلقة الملقاة في الأرض.
صفحة ٢٦٣