" من رعى حق قرابات أبويه أعطى فى الجنة ألف الف درجة "
، ومن رعى حق قربى محمد (ص) وعلى (ع) أوتى من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد (ص) وعلى (ع) على أبوى نسبه { واليتامى } اليتيم الجسمانى من فقد أباه ما لم يبلغ مبلغ الرجال، واليتيم الروحانى من فقد أباه الروحانى ولم يصل اليه سواء مات او كان حيا لكن لم يصل اليتيم بعد اليه او وصل ثم انقطع عنه بالغيبة عنه وسواء باع معه وصحة الابوة والبنوة بينه وبينه حتى صار من ذوى القربى او لم يبع ولم يصدق النسبة لكن كان يستعد لوقوع النسبة والبيعة وفى الخبر بعد ذكر اليتيم الجسمانى: وأشد من يتم هذا اليتيم من يتم عن امامه لا يقدر على الوصول اليه ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، الا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم فى حجره الا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا فى الرفيق الاعلى { والمساكين } جمع المسكين وزن المفعيل من السكون عن الحركة وهو مبالغة فى السكون بحيث لم يبق له قوة الحركة فهو أسوأ حالا من الفقير لانه المحتاج الذى يمكنه الحركة فى رفع حاجاته او هو أعم من المسكين والمراد مساكين المؤمنين كاليتامى او أعم منهم؛ ومسكنة الفقر معلومة، واما مسكنة الايمان والعلم فهى عبارة عن سكن رجل النفس عن السير فى اراضى الآيات والاخبار وسير الاخيار، وسكون بصرها عن ادراك دقائق الامور، ولسانها عن الاحتجاج على أعدائه، ويدها عن البطش على الاعداء، ونقل أنه من واساهم بحواشى ماله وسع الله عليه جنانه وأناله غفرانه ورضوانه، ثم قال: ان من محبى محمد (ص) مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقر؛ وهم الذين سكنت جوارحهم وضعفت عن مقابلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ويسفهون أحلامهم، الا فمن قواهم بفقهه وعلمه حتى أزال مسكنتهم ثم سلطهم على الاعداء الظاهرين من النواصب وعلى الاعداء الباطنين ابليس ومردته حتى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن اولياء آل رسول الله (ص) حول الله تلك المسكنة الى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم وقضى الله بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله (ص) { وقولوا للناس حسنا } قرئ بالضم وبالتحريك والمعنى واحد فان اظهار حسن القول واظهار القول الحسن واحد والمراد بالناس جملة الاناسى قريبهم وبعيدهم ويتيمهم ومسكينهم فهو أعم مطلقا مما تقدمه، وبين القريب واليتيم مثل المسكين عموم من وجه وحسن القول أمر اضافى يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال والمقامات فان الصدق حسن ما لم يكن فيه شين والا كان قبيحا والكذب حسنا؛ فما يخاطب به الاطفال حسنه بوجه ان يناسب مقتضياته وبوجه ان يردعه عما يضره، وما يخاطب به التاجر والزارع وسائر أرباب الحرف حسنه بوجه ان يناسب حرفهم ومذاقهم وبوجه ان يناسب انسانيتهم لكن فى المقام والشأن الذى هم فيه، وما يخاطب به أرباب الصناعات العلمية حسنه ان يناسب صناعاتهم، وهكذا حال ارباب الحكم والمناصب، وحسن القول مع السالك المنجذب الذى يخاف فوت سلوكه ان يخاطب بما يشغله بالسلوك، ومع السالك الواقف ان يخاطب بما يهيجه الى الانجذاب، ولو خوطب الاطفال بخطاب العقلاء، والجهال بخطاب العلماء، والحلاج بخطاب الحداد ، او بالعكس؛ كان قبيحا، روى عن الصادق (ع): قولوا للناس حسنا كلهم مؤمنهم ومخالفهم، اما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره، واما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم الى الايمان فان ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه واخوانه المؤمنين ثم قال: ان مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه واخوانه، كان رسول الله (ص) فى منزله أذن استأذن عليه عبد الله بن أبى بن أبى سلول فقال رسول الله (ص): بئس أخو العشيرة ائذنوا له فلما دخل أجلسه وبشر فى وجهه فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله (ص) قلت فيه ما قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت؟! فقال رسول الله (ص):
" يا عويش يا حميراء ان شر الناس عند الله يوم القيامة من يكرم اتقاء شره "
{ وأقيموا الصلاة } أخر الامر باقامة الصلاة لشدة الاهتمام بالاحسان مع الخلق ارحاما كانوا او غير ارحام، وقد مضى بيان لاقامة الصلاة وقد فسر فى الخبر اقامة الصلاة باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها واداء حقوقها التى اذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق وقال: اتدرون ما تلك الحقوق؟! هو اتباعها بالصلوة على محمد (ص) وعلى (ع) وآلهما منطويا على الاعتقاد بأنهم افضل خيرة الله والقوام بحقوق الله، والنصار لدين الله تعالى؛ قال (ع): وأقيموا الصلاة على محمد (ص) وآله (ع) عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدتكم ورخاكم، وهمومكم المعلقة بقلوبكم { وآتوا الزكاة } قد مضى بيانه { ثم توليتم } لما كان أخذ الميثاق هاهنا مستعقبا للصفات الانسانية قال { أخذنا ميثاق بني إسرائيل } الذين هم بنو آدم حقيقة وأتى بقوله: ثم توليتم المشعر بصفة النقص، وبقوله { وإذ أخذنا ميثاقكم } لمستعقب لقوله { ورفعنا فوقكم الطور } المشعر بعدم الطاعة والقبول منهم وبقوله الآتى: { وإذ أخذنا ميثاقكم } لمستعقب لقوله { لا تسفكون دمآءكم } المشعر ببشاعة سفك الدماء بخطاب الحاضرين اشعارا بذمهم ونقصهم بالنسبة الى بنى اسرائيل { إلا قليلا منكم وأنتم معرضون } اى والحال ان عادتكم الاعراض عن العهد او هو حال مؤكدة.
[2.84]
{ وإذ أخذنا ميثاقكم } اى ميثاق اسلافكم يا بنى اسرائيل على أيدى أنبيائهم وخلفاء أنبيائهم، او ميثاق أنفسكم على أيدى المتشبهين بخلفاء الانبياء فان رسم البيعة لم يكن متروكا بالكلية فيهم، فعلى هذا فهو تعريض بأمة محمد (ص) كما فى الاخبار من تفسيره بهم، او الخطاب لهم ابتداء، والمعنى واذكروا يا أمة محمد (ص) وقت البيعة مع محمد (ص) واخذه ميثاقكم { لا تسفكون دمآءكم } قد مضى بيان محل الجملة الواقعة بعد أخذ الميثاق { ولا تخرجون أنفسكم } بجعل قتل الغير واخراجه قتلا واخراجا لنفس الرجل لاتحاده معه فى المعاشرة او القرابة او الدين او الموطن او لادائه الى القصاص المفنى لنفس الرجل والمكافاة المورثة لاخراج الغير له، او المعنى لا ترتكبوا فعلا يؤدى الى قتل انفسكم واخراجها من ديارها، او المعنى لا ترتكبوا فعلا يؤدى الى قطع الحياة الابدية والاخراج من الديار الحقيقية التى هى الجنة { من دياركم ثم أقررتم } بالميثاق { وأنتم تشهدون } على أنفسكم بذلك الميثاق وهذا الاقرار.
[2.85-86]
{ ثم أنتم } يا { هؤلاء } الحمقى على ان يكون هؤلاء منادى وهذا أدل على ما هو المقصود من اظهار حمقهم وسفاهتهم، او هو منصوب على الاختصاص، او هو منصوب بفعل مضمر أعنى أعنى، او هو تأكيد لانتم او هو خبر انتم { تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم } غضبا عليهم { تظاهرون عليهم } تتعاونون على قتل المقتولين واخراج المخرجين { بالإثم والعدوان } والحال انكم مأمورون بالتظاهر على البر والتقوى ومنهيون عن التظاهر على الاثم والعدوان { وإن يأتوكم } اى المقتولون المخرجون { أسارى } جمع الاسرى جمع الاسير وقيل هو جمع الاسير ابتداء { تفادوهم } يعنى ليس قتلكم واخراجكم لهم من غيرة دينية وأمر الهى بل عن أهوية نفسانية وأغراض فاسدة لأنه ان كان عن أمر الهى كنتم راضين به سواء كان ذلك منكم او من غيركم والحال انه اذا فعل ذلك غيركم وأسروهم تعصبتم لهم وفديتموهم بأموالكم { وهو محرم عليكم إخراجهم } هو ضمير الشأن او مبتدء راجع الى اخراجهم المذكور فى ضمن تخرجون واخراجهم بدل منه او هو مبتدء مبهم مفسر باخراجهم { أفتؤمنون } تذعنون { ببعض الكتاب } ببعض المكتوب عليكم او ببعض التوراة او ببعض القرآن؛ على ان يكون الخطاب لمنافقى الامة، وذلك البعض هو فريضة المفاداة { وتكفرون ببعض } وهو حرمة القتل والاخراج يعنى انكم لا تكترثون بالكتاب وتتبعون أهواءكم فما وافقها منه تتبعونه وما خالفها تتركونه { فما جزآء من يفعل ذلك منكم } يا معاشر اليهود او يا امة محمد (ص) { إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون } قرئ على الخطاب والغيبة باعتبار منكم ومن يفعل { إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } كأن الآخرة كانت مملوكة لهم وهى كذلك فباعوها وجعلوا مكانها الحياة الدنيا التى كانت عارية لهم والآخرة كانت دائمة والدنيا دائرة، والعاقل لا يبيع الدائم المملوك بالداثر المعار { فلا يخفف عنهم العذاب } لانه لم يبق لهم مقام وموطن فى دار الراحة حتى يستريحوا اليها { ولا هم ينصرون } يعنى لا يخفف عنهم العذاب بنفسه ولا من قبل الموكلين عليه ولا ينصرهم ناصر فيغلب على موكلى العذاب ويدفع العذاب عنهم، نسب الى رسول الله (ص) أنه (ص) قال
" لما نزلت الآية فى اليهود اى الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله: افلا أنبئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الامة؟ - قالوا: بلى يا رسول الله (ص)، قال: قوم من امتى ينتحلون أنهم من اهل ملتى يقتلون أفاضل ذريتى وأطياب أرومتى، ويبدلون شريعتى وسنتى، ويقتلون ولدى الحسن والحسين (ع) كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى (ع)، الا وان الله يلعنهم ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين (ع) المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه الى نار جهنم ".
[2.87]
صفحة غير معروفة