294

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

تصانيف

{ وكيف أخاف مآ أشركتم } يعنى لا ينبغى لى ان اخاف ما اشركتم به بعد ما بان ان الشركاء عاجزون جاهلون وان ربى قادر عالم { ولا تخافون أنكم أشركتم بالله } يعنى ان هذا امر عجيب اى تخويفى من العاجز الجاهل مع عدم خوفكم من اشراككم الجاهل العاجز بالعالم القادر { ما لم ينزل به عليكم سلطانا } بيان لحال الشركاء لا انه قيد للاشراك او تقييد للاشراك باعتبار ان الشخص ما لم يخرج من بيت نفسه وسجن طبعه لا يمكنه الخروج عن الشرك بل ليس طاعته وتبعيته للانبياء والاولياء الا الاشراك بالله ورؤية الثانى له لكن هذا الاشراك مما نزل الله به سلطانا وحجة وهو طريق الى التوحيد ومجاز وقنطرة الى الحقيقة وقد سبق تحقيق ذلك { فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون } نبه على غباوتهم بان من له علم يميز بين الامن وغيره، وعدم تميزهم لعدم شعورهم.

[6.82]

{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك } كرر المسند اليه باسم الاشارة البعيدة احضارا لهم فى الذهن واشعارا بعظم شأنهم وتأكيدا للحكم وتمييزا لهم بحصر الامن والاهتداء فيهم { لهم الأمن وهم مهتدون } عن امير المؤمنين (ع) انه من تمام قول ابراهيم (ع) ويحتمل بحسب اللفظ ان يكون مستأنفا من الله، ونقل عن رسول الله (ص) ان المراد بالظلم ما قاله العبد الصالح

يبني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم

[لقمان: 13] ويستفاد من هذا الخبر ان المراد بالايمان الايمان الخاص الولوى الحاصل بالبيعة الخاصة وقبول الدعوة الباطنة وان تنكير الظلم للتفخيم، والنفى وارد على تفخيمه وليس من قبيل النكرة فى سياق النفى ليفيد العموم.

[6.83]

{ وتلك } التى ذكرناها من استدلال ابراهيم (ع) بالزوال والدثور وعدم القدرة والشعور على بطلان معبوداتهم وبعكسها على حقية معبوده { حجتنآ آتيناهآ إبراهيم على قومه } الهمناها باستعداده وقوة نفسه وقدسه { نرفع درجات من نشآء } ولما توهم انه يرفع درجات من يشاء سواء كان باستحقاق او بعدم استحقاق رفع ذلك الوهم حتى يتنزه عن ارادة جزافية غير مسبوقة بحكمة ومصلحة بقوله { إن ربك حكيم } لا يفعل الا عن حكمة واتقان للفعل { عليم } بقدر استحقاق كل وكيفيته وما يقتضيه.

[6.84]

{ ووهبنا له إسحاق ويعقوب } تعظيم له ببيان ما من به عليه { كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل } عن الباقر (ع) فى بيان اتصال الوصية من لدن آدم (ع) الى زمانه (ع) هديناهم لنجعل الوصية فى اهل بيتهم، وفيه اشعار بان هدايتهم امتنان من الله على محمد (ص) واهل بيته لانهم آباؤهم او اولاد آبائهم كما ان هداية نوح (ع) امتنان من الله على ابراهيم (ع) لكونه جده { ومن ذريته } عطف على ابراهيم والتقدير تلك حجتنا آتيناها ابراهيم (ع) وآتيناها بعضا من ذريته او عطف على اسحق او يعقوب، او عطف على نوحا، او عطف على وهبنا، او هدينا، بتقدير أرسلنا وهذا على ان يكون من التبعيضية واقعا موقع الاسم الخالص لقوة معنى البعضية فيها ويكون داود وسليمان (الى الاخر) بدلا تفصيليا والا فهو حال من داود وسليمان ويجرى حينئذ فى داود وسليمان الوجوه المذكورة فى عطف من ذريته والضمير المضاف اليه لابراهيم او لاسحق او ليعقوب، وعلى هذا كان المعدودون فى الآية الثالثة عطفا على نوحا لان لوطا ليس من ذرية ابراهيم (ع) وكذلك من ذكر فى الآية الثانية على ان يكون الياس هو ادريس جد نوح (ع) وعلى هذا لو كان الضمير لنوح (ع) لم يكن من فى الآية الثانية عطفا على داود، ويحتمل ان يكون الضمير لنوح (ع) لانه اقرب والامتنان بهداية ذريته على ابراهيم (ع) لان اكثرهم كانوا ذرية ابراهيم (ع) ومن لم يكن ذرية كان ذرية آبائه { داوود وسليمان وأيوب } بن اموص من اسباط عيصا بن اسحاق كذا قيل { ويوسف وموسى وهارون } لم يراع فى ذكر الانبياء الترتيب الوجودى ولا الترتيب الشرفى { وكذلك } الجزاء الذى جزينا ابراهيم (ع) من ايتاء الحجة ورفع الدرجات وجعل الانبياء من ذريته ومن فروع آبائه وهداية كثير من آبائه وذرياته { نجزي المحسنين } يعنى ان جزاءنا ابراهيم (ع) بما جزينا انما هو لكونه محسنا فكل من اتصف بصفة الاحسان نجزيه مثله.

[6.85]

صفحة غير معروفة