تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

الجنابذي ت. 1350 هجري
138

تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة

تصانيف

[3.4]

{ من قبل } اى قبل القرآن او هذا الزمان { هدى للناس وأنزل الفرقان } أى القرآن، ويعلم من هذا ان المراد بالكتاب فى اول الآية جملة الكتاب التى نزلت على قلبه (ص) فى ليلة القدر، او جملة احكام الرسالة، او آثار الولاية التى فصلت بالتنزيل على مقام صدره وبالتعبير بالعبارات النفسية واللفظية بالفاظ الكتاب الالهى والاخبار القدسية والنبوية فعلى هذا يكون الفرقان مصدرا بمعنى المفروق المفصل او بمعنى الفارق المفصل وقد فسر فى اخبار كثيرة القرآن بجملة الكتاب، والفرقان بالمحكم الواجب العمل به؛ وهو يشعر بما ذكرنا وقد مضى بيان للقرآن والفرقان ويستنبط مما ذكر وجه التعبير بالتنزيل فى تنزيل الكتاب وبالانزال فى انزال التوراة والانجيل والفرقان؛ فان نزول الكتاب كان من مقام الاطلاق الى مقام التقييد وكان محتاجا الى كثير تعمل من جانب القابل المستعد لنزوله بخلاف نزول التوراة والانجيل والفرقان فانها نزلت من مقام التقييد الاجمالى الى مقام التقييد التفصيلى فلم تكن محتاجة الى كثير تعمل ولذلك لم يأت فيها بالتنزيل الدال على المبالغة ولما صار المقام مقام السؤال عن حال من كفر بالكتب اجاب تعالى بقوله { إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد } مؤكدا بالتأكيدات، والآيات اعم من الآيات الانفسية والآفاقية والتدوينية فان شؤنات النفوس ووارداتها الجسمانية والنفسانية وموجودات العالم الكبير كلها آيات جماله وجلاله تعالى، والمراد بالكفر بالآيات الكفر بها من حيث كونها آيات لا من حيث ذواتها فى انفسها فان كثيرا من الكافرين بالآيات مشاهدون لذواتها غير ساترين لها مع انهم كافرون بها من حيث انها آيات { والله عزيز } جملة حالية او معطوفة فى مقام التعليل والتأكيد ومعنى عزته تعالى انه لا يمنعه مانع من مراده { ذو انتقام } من شأنه الانتقام ممن خالفه وعصاه.

[3.5]

إن الله لا يخفى } استئناف فى مقام التعليل او جواب للسؤال عن علمه تعالى بهم وبكفرهم كانه قيل: هل يعلم كفرهم؟ - فقال انه لا يخفى { عليه شيء في الأرض ولا في السمآء } اى فى جملة ما سوى الله لان الارض تعم العوالم الثلاثة: عالم الاقدار النورانية والاقدار الظلمانية والاجساد الطبيعية، والسماء تعم الارواح المدبرة والارواح المجردة.

[3.6]

{ هو الذي يصوركم } حال او مستأنف جواب لسؤال تقديره؛ هل يعلم بواطن الاشياء فيهما؟ - او جواب لسؤال عن علة اثبات الحكم يعنى انه يعلم ظواهر ما فى العالم لانه هو الذى يصوركم { في الأرحام كيف يشآء } فهو يعلم بواطن الاشياء وما لم يوجد بعد فكيف لا يعلم ظواهرها التى وجدت فى العالم، ولا اختصاص للارحام بأرحام الامهات الجسمانية فان النفوس الحيوانية والبشريه ارحام للطيفة السيارة الانسانية التى يكون خطاب الله متوجها اليها بل المواد البعيدة من الحبوب واللحوم والبقول والفواكه التى تصير اغذية الاناسى والكيلوس والكيموس والدماء الجارية فى العروق والاعضاء والدماء المتشبهة بالاعضاء ارحام للنطف التى هى فى المراتب الجنينية ارحام للنفوس الحيوانية والبشرية واللطيفة الانسانية والمراتب العالية للنفس الانسانية كل بوجه رحم للاعلى منها ولذلك فسر البطن فيما ورد من، ان السعيد سعيد فى بطن امه؛ بالولاية، فان الانسان ما لم يدخل تحت الولاية التكليفية بالبيعة الخاصة الولوية وقبول الدعوة الباطنة حاله حال النطفة فى صلب الرجل وبعد الدخول فى الولاية بالبيعة الخاصة حاله حال النطفة المستقرة فى الرحم ولا يظهر السعادة والشقاوة الا بعد الدخول فى الولاية، ولذلك كان على (ع) قسيم الجنة والنار، ومن لم يدخل فى الولاية لا يخرج من الدنيا الا بعد عرض الولاية عليه وظهور على (ع) لديه حتى ينكر او يقبل؛ فيشقى او يسعد، روى عن الصادق(ع): ان الله اذا اراد ان يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين آدم (ع) ثم خلقه على صورة احداهن فلا يقولن احد هذا لا يشبهنى ولا يشبه شيئا من آبائى، وفى حديث خلق الانسان وتصويره فى الرحم؛ ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان فى الارحام ما يشاء الله يقتحمان فى بطن المرأة من فم المرأة فيصلان الى الرحم وفيها يعنى فى النطفة الروح القديمة المنقولة فى اصلاب الرجال وارحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما فى البطن باذن الله تعالى ثم يوحى الله الى الملكين: اكتبا عليه قضائى وقدرى ونافذا أمرى واشترطا لى البداء فيما تكتبان، فيقولان: يا رب ما نكتب؟ - قال: فيوحى الله عز وجل اليهما: ان ارفعا رؤسكما الى رأس أمه فيرفعان رؤسهما فاذا اللوح يقرع جبهة امه فينظران فيه فيجدان فى اللوح صورته وزينته واجله وميثاقه شقيا او سعيدا وجميع شأنه، قال: فيملى احدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما فى اللوح ويشترطان فيه البداء فيما يكتبان ثم يختمان الكتاب ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما فى بطن امه قال: فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا فى كل عات او مارد، واذا بلغ او ان خروج الولد (الى ان قال) فيزجره الملك زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه فى اسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد الخروج؛ الى آخر الحديث.

واقتحام الملكين من فم المرأة كناية عن دخولهما عن الجهة التى بها بقاء الام وهى الجهة الغيبية والا فلا جهة لدخول الملك وخروجه فى عالم الطبع لانه خارج عن الجهات فلا يتحدد بالجهات، وكتابة القضاء والقدر من اللوح القارع جبهة الام كناية عن استنباط احوال ما بالقوة عن المحل الذى تلك القوة فيه وتأثر ما بالقوة عن المحل بآثاره، واشتراط البداء لكون ما بالقوة قد يتأثر من الاسباب الخارجة عن المحل { لا إله إلا هو } حال او مستأنف فى موضع التعليل { العزيز } الذى لا يمنعه مانع عن تصوير ما يشاء فى الرحم { الحكيم } الذى لا يصوره الا بصورة اقتضاها استعداده وتستعقب مصالح عائدة اليها او الى العالم.

[3.7]

{ هو الذي أنزل عليك الكتاب } حال او مستأنف وبيان لحكمته، والكتاب هاهنا عبارة عن جملة ما سوى الله فان ما سواه كتابه كما مضى فى اول الكتاب، ونزوله عبارة عن ظهوره على مقام محمد (ص) مقامه النازل بصور مناسبة له فى ذلك المقام، او ظهوره على مقام رسالته (ص) بما أرسل به من الاحكام، او ظهوره بالالفاظ والعبارات والنقوش والكتابات التى هى كتابه التدوينى منه.

بيان المحكم والمتشابه

صفحة غير معروفة